الوقت- بعد أن كان تركيز الإعلام العالمي و الغربي لسنوات حول طرح وقائع الشرق الأوسط و ما يحتويه من مشكلات، و مع تجاهل لمصدر هذه المشكلات و آلية التقييم، مع توجيه للرأي العام نحو مخطط مدروس، بدأت تشهد السنوات الأخيرة و بالتحديد بعد عام 2000 موجة من انتقال هذا الواقع إلى الدول الغربية و بالتحديد تلك الدول الراعية لمخطط التخريب و التدمير في منطقتنا، آخر هذا ما شهدته العاصمة الفرنسية من عمل تخريبي أدى إلى مقتل و جرح العشرات من المدنيين، و بغض النظر عن من يقف خلف هذه الأعمال، و بصرف الأمر عن سلة الرسائل المتبادلة بين الدول الغربية نفسها و التي تترجم بأعمال تخريبية، إلا أن الإستفهام الذي يطرح حول الرؤية الغربية المزدوجة للأعمال التخريبية في دولهم عن تلك التي تحدث في منطقتنا، و من جهة أخرى تتوجه الأنظار نحو الإجابة عن تداعيات هذه السياسات المزدوجة على بلدانهم و شعوبهم، و بالتالي الحديث عن ملخص الرؤية الغربية.
الرؤية الغربية مزدوجة المعايير
أولاً: في سوريا و مع بدأ جماعات الغرب الإستعماري بأعمالها التخريبية و التدميرية على الأراضي السورية، و مع وجود الضرورة و الحاجة السورية لمواجهة هذه الجماعات و ابطال مشروعها، توجه الحديث الغربي ومن خلال الإعلام لحرف الأنظار عن المشروع التدميري لهذه الجماعات، و بالتالي الإيحاء بأن الدولة السورية تعمل على قمع مطالب شعبية، و هذا عينه ما حدث في العراق من توجيه الأمور إلى أن هناك تمييز طائفي فيها هو ما دفع الأمور إلى ما هي عليه، أما في فرنسا و مع توجه الحكومة الفرنسية لإتخاذ اجراءات أمنية مشددة ترتب عنها سلسلة اعتقالات و اشتباكات في اماكن أخرى منها، كل هذا وضع في خانة مواجهة الحكومة الفرنسية للأعمال التخريبية، السبب في ذلك يعود إلى الهدف من الأعمال التخريبية في فرنسا عن ما هي عليه في العراق و سوريا، ففي فرنسا تأتي هذه التفجيرات كضغط غربي و بالتحديد أمريكي لدفع فرنسا بالعمل في سوريا و العراق وفق الآلية و الرؤية الأمريكية، أما في العراق و سوريا فالمشروع استعماري للقضاء على أي تحرك شعبي مستقل من شأنه أن يعرقل مطامع الغرب الإستعماري.
ثانياً: في أوكرانيا و بغض النظر عن خلفيات القضية إلا أن أمريكا و الدول الأوروبية بأجمعها تحدثت عن تجاوز روسي لأراضي الغير، و عن تخوف من سياسات روسية في تلك المنطقة، لكن هذا ما لن نشهده عندما اُحتلت أرض فلسطين، و لا نراه اليوم أمام كل الجرائم التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، بل نرى دعم و مساندة لهذا الكيان بل و تأمين آلية استمراريته و بقاءه، و احتلال العراق و بغض النظر عن مطامع الغرب فيه إلى أنه لم يكن بعيداً عن اشكال الحماية هذه، و لم نرى تحرك دولي أمام الإحتلال الأمريكي لأفغانستان و العراق بل دعم و تأييد و مشاركة من قبل دول أخرى. لا شك أن القلق الأمريكي من بروز أي قوة في العالم تخالف توجهاتها و رؤيتها هو الحاكم و المميز.
ثالثاً: إدعاءات الغرب لطلما روجت لمبدء حرية التعبير و مفاهيم الديمقراطية و نبذ القمع، لكن هذا الإدعاء ما لم نراه في السعودية و لا البحرين و اليمن، بل نرى مساندة واضحة من الغرب لقوى العدوان السعودي التي تتدخل بالشأن اليمني و البحريني، و نرى تعاون واضح و وثيق مع الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة في هذه البلدان. و لطالما تحدث الغرب عن المساواة و حرية المرأة، لكن هذا ما لا نراه بحق الأمريكيين السود، ولا نرى أي اعتراض من الدول الأوروبية على مشاهد قمعهم و اهانة النساء السود هناك و ضربهم بالعصي، ولا نرى أي اعتراض غربي على سلب المسلمين في دول الغرب حقهم في ممارسة شعائرهم و ارتدائهم الحجاب و الأمثلة في ازدواجية المعاير تطول.
تداعيات الرؤية الغربية المزدوجة
الرؤية الغربية مزدوجة المعايير هي السبب الرئيسي و الأساسي لما تشهده هذه الدول اليوم من انعدام الأمن فيها، و هي وراء ارتفاع انجذاب الغربيين للإلتحاق بجماعات الفكر التدميري، أيضاً العقلية الحاكمة فيها و التي تعمل على توجيه شعوبها وفق مبادئ ترجيح كفة المنافع السياسية على القيم الإنسانية و الأخلاقية و التي أحد أوجهها تعاملهم مع الأنظمة الحاكمة في بعض الدول العربية بل و صناعتها و دعمها للإستمرار في تسلطها على شعوبها، كما أن الرؤية المزدوجة للنهضة الإسلامية و الوقوف بوجهها هي من عوامل الواقع الغربي الجديد و المضطرب، و تغذية الفكر التطرفي من جهة و نشر الكراهية و العدواة للمسلمين و الغير بشكل عام من جهة أخرى.