الوقت - أصبحت الأزمات الدولية الكبرى في المجالين الجيوسياسي والاقتصادي تحدياً متزايداً للدول النامية غير المحصنة من آثار هذه الأزمات. وفي الوقت نفسه، تعد الدول العربية في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا من بين الدول التي، إضافة إلى تأثرها الشديد بالتطورات الدولية في القضايا الداخلية، تواجه أيضًا تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية مختلفة. ومن الوصفات العلاجية لهذه الدول، والتي أصبحت أكثر شعبية في السنوات الأخيرة، الجهد المبذول لتعزيز التعاون الإقليمي للتغلب على تحديات مثل الإرهاب والأزمات البيئية، التي في بعض الأحيان هي مشكلة مشتركة بين هذه البلدان.
وعليه، عقد اجتماع خماسي بين السلطات المصرية والإماراتية والبحرين والأردن والعراق يوم الاثنين في مدينة العلمين بمصر. يعقد هذا الاجتماع بدعوة من رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي، بهدف زيادة التعاون والتنسيق بين الدول العربية، بهدف مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وستناقش الأطراف الحالية القضايا ذات الصلة كالاقتصاد والطاقة والسياسة والأمن في المنطقة. وحسب بعض المصادر، إحياء الاتفاق النووي الإيراني، والاضطرابات السياسية في العراق، ومصير الاجتماع المرتقب للجامعة العربية، والقضية الفلسطينية، وضرورة الوصول إلى حل سياسي في سوريا، وأزمة سد النهضة؛ كلها من أهداف لقاء القمة بين الاطراف.
لقاء العلمين الخطوة الثالثة لتحقيق "الشام الجديد"
ويأتي الاجتماع في مصر استمرارا للاجتماعات السابقة التي عقدت في العراق والأردن. وعقد الاجتماع الأول لهذه المجموعة في بغداد في تموز 1400 بدعوة من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وبحضور عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني. كما عقد الاجتماع الثاني في آذار (مارس) الماضي (2022) بحضور أربع دول هي الأردن ومصر والعراق والإمارات في ميناء العقبة بالأردن لتعزيز التعاون المشترك، وخاصة لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية. تمت مناقشة القضايا العالمية والإقليمية، ولا سيما التحديات المتعلقة بالأمن الغذائي والطاقة والتجارة الدولية في قمتي بغداد والعقبة، أما في قمة مصر، تُبذل الجهود لتحقيق الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في الماضي.
إن الجهود التي تبذلها هذه البلدان لتوحيد قدراتها وتعزيز التعاون في العديد من التحديات الداخلية جعلت الطريق نحو تحقيق أهداف الاجتماعات المتكررة صعبًا. إضافة إلى التحدي الأمني ، يواجه العراق أزمة سياسية، ويواجه قادته العديد من المشاكل حتى في تشكيل الحكومة، وهو ما رأيناه جيدًا في الأسابيع الأخيرة، حيث أدت الخلافات إلى التخييم في الشوارع. مصر، التي كانت في يوم من الأيام زعيمة العرب في المنطقة، تواجه مشاكل اقتصادية. ويعاني الأردن أيضًا من مشاكل اقتصادية كبيرة، وقد عانى في الأشهر الأخيرة من نزاعات داخل الأسرة الملكية.
في اجتماع بغداد، تم الكشف عن مشروع جديد في المنطقة لأول مرة، والذي، إذا تم تنفيذه، يمكن أن يكون له آثار إيجابية على الدول الأعضاء. يسعى هذا المشروع، الذي يشار إليه باسم "الشام جديد"، إلى تحقيق أهداف الاقتصاد الكلي في المنطقة. في مشروع بلاد الشام الجديد، الذي يسميه البعض الوحدة العربية ونسخة صغيرة من الاتحاد الأوروبي، يُعرف العراق بـ "مصدر النفط"، وستوفر مصر القوى البشرية لتنفيذ المشروع، وسيكون الأردن همزة الوصل بين العراق ومصر. لكن تنفيذ هذه الخطة لا يدخل في نطاق هذه البلدان، لأنها لا تملك القدرة التشغيلية لمثل هذه الخطة، ولا البنى التحتية اللازمة المتاحة في هذه البلدان لاستغلال هذه الخطة.
انشاء خط انابيب نفط من ميناء البصرة العراقي الى ميناء العقبة ثم مصر وكذلك تزويد العراق بالكهرباء عبر الاردن ومصر واقامة مدن صناعية مشتركة واستثمار في مجالات السياحة والخدمات، من البنود المهمة في مخطط الشام الجديد.
وعلى الرغم من وجود حوافز كافية للدول الثلاث لتطبيق اتفاقيات بغداد، إلا أن إنجازات هذه الاجتماعات لم تكن مربحة للمشاركين. ورغم أن الكاظمي وافق على بيع النفط العراقي للأردن ومصر بسعر أقل من الأسعار العالمية في اجتماع بغداد، فلا يبدو أن البرلمان العراقي والرأي العام لهذا البلد سيوافقان على مثل هذا الإجراء، وهذا الموضوع من عوامل عدم تحقيق اتفاقات اجتماع بغداد. إن مشروع نقل النفط من البصرة إلى ميناء العقبة ليس بالأمر الجديد، لأن هذا المشروع دائما ما نوقش منذ فترة حكم حزب البعث العراقي، لكن نقل النفط إلى الأردن يتم دائما في إطار البيع بسعر تفضيلي من خلال النقل البري، والخطوات العملية حتى الآن، لم يتم اتخاذ تدابير فعالة لبناء خط أنابيب نفط.
قضية نقل النفط العراقي إلى الأردن ومصر هي جزء من أهداف أمريكا الإقليمية لتقليل الأهمية الجيوسياسية لمضيق هرمز والخليج الفارسي. لأن أمريكا قلقة دائمًا من إغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط الغربية بسبب توترها مع إيران وتحاول إيجاد طرق بديلة بعيدًا عن حدود إيران، ومشروع الشام الجديد أحد هذه الإجراءات التي وضعتها واشنطن على أجندتها.. لكن بعض الفاعلين في المنطقة ليس لديهم رأي إيجابي حول هذه الخطط.
ومن المعارضين الجديين لهذه الخطة السعودية التي لا ترغب في أن يحقق العراق إنتاجا يوميا قدره 7 ملايين برميل يوميا وتحويله إلى الأردن ومصر، لأن هذا الإجراء في حال تنفيذه سيرسل الكثير من الدخل القومي إلى العراق. هذا مخالف لرغبة السعوديين الذين يريدون وجود عراق ضعيف في شمال حدودهم للاستفادة من الضعف وانعدام الأمن في هذا البلد في الوقت المناسب. وتعتبر زيادة إنتاج العراق من النفط، كعضو في منظمة أوبك، تهديدا كبيرا للسعودية التي تحاول السيطرة على سوق النفط الإقليمي إلى الأبد. لذلك، سيحاول السعوديون تعطيل تنفيذ مثل هذا المشروع، والضغوط السياسية والاقتصادية على مصر والأردن وتأجيج انعدام الأمن في العراق هي الخيارات المتاحة أمام سلطات الرياض لإحباط مشروع "الشام الجديد" وستستخدم هذا الخيار إذا لزم الأمر.
من ناحية أخرى، بالنظر إلى أن نقل النفط العراقي يجب أن يقطع شوطًا طويلاً، فإن احتمال التهديدات الإرهابية والقرصنة أمر مرجح للغاية. أيضًا، وفقًا للخبراء، نظرًا لأن هذه الشحنات تمر عبر دول مختلفة، فإن معدل التأمين البحري أيضًا باهظ التكلفة، وهو ما يتجاوز مسؤولية هذه الدول. من ناحية أخرى، تسعى مصر في مشروع "الشام الجديد" إلى إبرام عقود تجارية مع العراق والحصول على حصة من إعادة إعمار هذا البلد والتي تقدر بأكثر من 100 مليار دولار لمدة 10 سنوات. هذا بينما تعاني مصر حاليًا من العديد من المشكلات الاقتصادية في الداخل، وقد تواصلت مع السعوديين عدة مرات لحل مشاكلها، لذلك لا تستطيع مصر تحمل تكاليف الدخول في مثل هذا المشروع. لذلك، يمكن القول إن العراق لا يملك البنية التحتية اللازمة لزيادة إنتاجه النفطي، ولا تملك مصر ولا الأردن أموالاً كبيرة للاستثمار في هذا المشروع.
أسباب دعوة الإمارات وقطر
هذه اللقاءات التي عقدت في البداية بحضور ثلاث دول ثم الرباعية، تُعقد الآن بحضور خمس دول، وتدل على إضافة فاعل إقليمي إليها في كل اجتماع، ودعوة الإمارات وقطر إلى هذه القمة أيضا لها فوائد اقتصادية. وبما أن الأهداف الرئيسية في الاجتماعات السابقة كانت نقل النفط العراقي إلى الأردن ومصر، فإن الاستثمار الأجنبي مطلوب لهذا الغرض. ولأن دولة الإمارات وقطر جمعتا ثروات ضخمة من خلال بيع النفط والغاز، فإن هذه الدول تعد خيارًا مناسبًا للاستثمار في إنشاء خط أنابيب نفط. إن دعوة الدول الغنية مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر تظهر بوضوح أن العراق والأردن ومصر عاجزون عن تمويل الشام الجديد وعليهم اللجوء إلى الدول الأخرى حتى يتمكنوا من تنفيذ خططهم بمساعدتهم. ومع ذلك، فإن وجود الإمارات وقطر لا يمكن أن يساعد العراق ومصر والأردن أيضًا، لأن خطة الشام الجديدة تهدف إلى تجاوز مضيق هرمز وتقليل الاعتماد على مشيخات الخليج الفارسي، ولا شك أن الإمارات غير راغبة في الاستثمار في مشروع قد يؤدي إلى الإضرار بمصالحهم الخاصة في المستقبل.