الوقت_ بعد تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو التي تدعم إنشاء اتفاق بين دمشق والمعارضة لتحقيق سلام دائم، وإظهار رغبة أنقرة في المساهمة بقوة في الجهود الرامية لإيجاد حل دائم للحرب في سوريا بما يتماشى مع توقعات الشعب السوريّ، عبر “دولت باهتشيلي”، رئيس حزب “الحركة القومية” التركي”، وحليف الرئيس التركي الوثيق، في بيان رسمي صادر عن الحزب مؤخراً، عن ترحيبه بتصريحات جاويش أوغلو، وإمكانية إجراء مصالحة بين المعارضة والحكومة السورية، حيث تتزايد المواقف المؤيدة للخطوة التركيّة بعد سنوات طويلة من الدعم التركيّ للمعارضة لتحقيق المصالح الداخليّة والحزبيّة وخاصة أنّ الملف السوريّ يعد واحداً من أهم الملفات المؤثرة بشكل كبير على تركيا من أكثر من جانب.
“إنّ خطوات تركيا في سوريا قيمة ودقيقة، والتصريحات البنّاءة والواقعية لوزير خارجيتنا حول إحلال السلام بين المعارضة السورية والحكومة السورية هي متنفّس قوي للبحث عن حل دائم"، هذا ما أكّد عليه “باهتشيلي” الحليف لحزب “العدالة والتنمية” ضمن تحالف “الجمهور”، متحدثاً أنّ “لا يجب على أحد أن ينزعج من هذا”، في إشارة إلى عبارة "علينا أن نصالح النظام والمعارضة في سوريا، وإلا لن يكون هناك سلام دائم"، التي قالها تشاوش أوغلو والذي كانت بلاده في بداية الحرب على سوريا عام 2011 من أبرز داعمي المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً.
وفي ظل القلق التركيّ العارم من المشروع الانفصاليّ لبعض الجماعات السياسيّة الكرديّة، اعتبر المسؤول التركيّ أن رفع مستوى محادثات تركيا مع دمشق إلى مستوى الحوار السياسي، في سياق إخراج “التنظيمات الإرهابية” من كل منطقة تتواجد فيها، هو من أهم القضايا المطروحة على الأجندة السياسية في المستقبل، معبراً عن رغبته في أن تسود أجواء التطبيع في كل المنطقة ومع كل جار لتركيا بحلول عام 2023، مع الإشارة إلى علاقة الأخوة والروابط القوية القائمة على التاريخ والثقافة والإيمان بين الأتراك والسوريين.
ومن الجدير بالذكر أنّ وزير الخارجية التركي اعلن مؤخراً أنّه التقى بوزير الخارجية السوري “فيصل المقداد” في العاصمة الصربية بلغراد في تشرين الأول/أكتوبر ، لافتاً إلى أنه أجرى معه محادثة قصيرة خلال اجتماع دول عدم الانحياز، وجاء ذلك الإعلان عقب الإقرار العلني بالتواصل وإجراء محادثات بين تركيا وسوريا، بعد أيام من تسريب معلومات عن إمكانية إجراء اتصال بين الرئيس التركي أردوغان مع نظيره السوريّ، والذي أثار ردود فعل كبيرة، لقاء التغير في الخطاب السياسي التركي حيال سوريا،كما سبق أن تحدث أوغلو أن أنقرة ستقدم كل أنواع الدعم السياسي للنظام السوري إذا قرر مواجهة وحدات الحماية الشعبية الكردية النفصاليّة، مُظهراً رغبة تركيا المتزايدة في الانفتاح بحذر مع سوريا، فيما يتحدث محللون بأنّ التغيير في سياسة تركيا تجاه سوريا ليس بجديد، لكنه ظهر عام 2017 عندما شاركت أنقرة في عملية "أستانا" مع موسكو وطهران، ومنذ ذلك الحين تخلت تركيا عن مشروع الإطاحة بالنظام السياسي في سوريا وركزت بدلاً من ذلك على مواجهة مشروع الانفصالية الكردية.
يتفق الجميع على أنّ تصريحات أوغلو تمثل تحولاً كبيراً في الموقف التركيّ، في الوقت الذي تستضيف فيه تركيا أكثر من 3,6 ملايين لاجئ سوري على أراضيها منذ بدء الحرب السوريّة الشيء الذي تسبّب بمقتل نحو نصف مليون شخص وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها،حسب تقارير دوليّة، في ظل الانتصارات المهمة التي حققتها سوريا في الميدان العسكريّ بعد دحر الجيش السوريّ وحلفائه المجموعات الإرهابيّة المسلحة من أغلب المناطق السورية وسيطرته على معظم مساحة البلاد، ومع بدء عودة بعض الدول التي حاربت وقاطعت دمشق لمدّة طويلة عبر الطريق الدبلوماسيّ، والتي كان آخرها التقارب بين سوريا وتركيا الذي يعد سابقة في مجريات الأحداث السوريّة وخاصة أنّ الأخيرة كانت ولا تزال من أكثر الدول عدواناً على السوريين، كما مولت الجماعات الإرهابيّة هناك، وسعت بكل قوتها لإسقاط النظام الحاكم في البلاد، وبالطبع فشلت كل التحالفات السياسيّة والعسكريّة في مشاريعها التدميريّة، وهذا ما جعلهم اليوم يعودون إلى طريق مصالحهم.
خلاصة القول، لا شك أنّ الأيام المقبلة ستشهد تغيرات كبيرة نتيجة الموقف التركيّ الجديد، ما يؤكّد أكثر فأكثر أنّ سوريا دخلت بالفعل مرحلة مفصليّة من الانتصارات السياسيّة ولو مبدئيّاً، والتي تلت مرحلة الانتصارات العسكريّة الميدانيّة بدعم من حلفائها وبالأخص محور المقاومة، وإنّ الدول التي طالبت بإسقاط الحكومة السوريّة من خلال الحرب العسكريّة المباشرة، توصلت إلى استنتاج مفاده بأنّ عليها تغيير وجهة نظرها من حكومة دمشق والانخراط معها في تفاهمات عدة لمصلحة الجميع، وإنّ تلك الانتصارات هي نتيجة طبيعية لصمود وتضحيات الشعب السوريّ الذي ذاق الأمرّين، بعد أن ساهمت تلك الدول بشكل مباشر في افتعال وتدويل الأزمة لتدمير تلك البلاد ومؤسساتها تحقيقا لمصالحها السياسيّة الضيقة في المنطقة.