الوقت_ عقب الجرائم الإسرائيليّة الأخيرة بحق أهالي الضفة الغربيّة المحتلة المتمثلة بجناية الاغتيال البشعة التي ارتكبتها قوات العدو بحق ثلاثة شبان فلسطينيين ينتمون لحركة "فتح" في مدينة نابلس، كشفت مصادر مصريّة وُصفت بأنّها "رفيعة المستوى"، عن رسالة احتجاج شديدة اللهجة سلمتها حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس” للوسيط المصري مؤخراً، نتيجة للتطورات الميدانية المُقلقلة في الساحة الفلسطينية وبالتحديد ما يجري بالضفة الغربية، بالتزامن مع مواصلة سياسة الاستيطان والقتل المروعين التي تنتهجهما الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، في ظل فشل الوسيط المصريّ بشكل ذريع منذ انتهاء الهجوم الصهيونيّ الفاشل على قطاع غزة المحاصر في أيار/ مايو المنصرم، والذي استمر 11 يوماً، في فرض معادلة متزنة ومستمرة لوقف التصعيد الصهيونيّ المتكرر من مختلف النواحي.
تهديد خطير
“لن نقف مكتوفي الأيدي”، خلاصة الرسالة التي وجهتها حماس للمصريين، أمام ما يجري من عمليات استهداف مستفزة ومتعمدة من قبل جيش العدو الإسرائيلي، والتي كان آخرها جريمة اغتيال بحق 3 مقاومين في الضفة، ما يشي باحتماليّة كبيرة لأن تفتح أبواب جهنم على الكيان الغاصب الذي اختار تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، حيث يتوقع أغلب المتابعين والمراقبين أن تنفجر الأوضاع في أي لحظة بسبب التمادي الإسرائيليّ التي بات ملموساً بالنسبة لجميع الأطراف الفلسطينيّة والعربيّة والدوليّة.
وبالتزامن مع الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة التي تتصاعد يوماً بعد آخر، لم تخفِ "حماس" أنّها تنظر بقلق شديد لما يجري من تصعيد إسرائيليّ، مؤكّدة أنّ "استمرار هذه الأوضاع قد يعيد ترتيب أوراق الحركة من جديد، ويجبرها على تفعيل كافة أشكال المقاومة الشعبية على حدود قطاع غزة المدمر والمحاصر من عقد ونصف، وعلى رأسها وحدة الإرباك الليليّ التي توقفت منذ شهور طويلة بناءً على تفاهمات مع القاهرة"، وبالتالي ستكون تل أبيب قد تسببت بتوتر أكبر مما تتخيل في المنطقة التي تعيش أساساً أوضاعاً مشحونة للغاية.
وإنّ أهم ما ركزت عليه رسالة حماس لمصر هو أنّ "المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزة جاهزة تماماً لأي جولة تصعيد جديدة مع الاحتلال"، والذي يغيب كافة القرارات الدوليّة بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته للدم الفلسطينيّ والعربيّ وخرقه الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض وبالأخص الولايات المتحدة التي أدخلت العديد من الدول الخليجيّة والعربيّة في حظيرة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ رغماً عنها.
ولا شك أنّ الفلسطينيين بشكل عام وعلى وجه الخصوص "حماس" منزعجون بشدّة من جرائم الاحتلال المتصاعدة في مدينة القدس المحتلة وأحيائها وعمليات الإعدام الميدانيّة في الضفة الغربية، حيث تتحدث الحركة أنّ ما يجري على حدود غزة من اختراقات وإطلاق نار وصواريخ وحرق لبعض الآليات التابعة للعدو، ما هو إلا رسالة تهديد جديّة مفادها “أن الأوضاع لن تبقى هكذا طالما التصعيد مستمر"، خاصة مع تنامي القوة الشعبيّة والعسكرية لحماس التي استطاعت الانتصار على الكيان الإرهابيّ في عدة حروب، والتي كان أهمها معركة "سيف القدس" التي نصرت غزة بشعبها العظيم ومقاومتها التي تشكل حماس رأس حربتها، وأذلت ناصية العدو الصهيونيّ المعتدي الذي أثقب مسامعنا بأنّه "لا يقهر".
وفي الوقت الذي تعيش فيه مدن الضفة المحتلة والقدس خلال الأسابيع الأخيرة حملة مسعورة من قبل الآلة العسكريّة للعدو، والتي شملت مئات الاعتقالات وأكثر من عملية قتل ميدانيّ واغتيال برصاص قوات الاحتلال وهدم عشرات المنازل للفلسطينيين وممتلكاتهم، وتصعيد بناء المستوطنات، والانتهاكات المتكررة في القدس والمسجد الأقصى، تُظهر حماس من خلال رسالتها الأخيرة أنّها " لا يمكن أن تستسلم لواقع الاحتلال البغيض، وستواصل نضالها المشروع حتى انتزاع حرية الفلسطينيين وتحرير أرضهم واسترداد مقدساتهم".
لذلك، تهدف "حماس" من هذه الرسالة إلى إظهار أن جرائم الإسرائيليين هي التي ستشعل النار في المنطقة و“إسرائيل تعلم جيدًا أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة" بحسب توصيفها، وهذا ما أشارت إليه بالفعل مؤسسة الأمن التابعة للعدو، والتي توقعت أن تشهد الأشهر المقبلة احتمالية تصاعد التوتر في جميع المناطق الفلسطينية، متحثة أنّ "حماس تفضل في الوقت الحالي الهدوء في غزة من أجل تعزيز قدراتها العسكريّة".
معركة قريبة
منذ توليها السلطة في غزة عام 2007، أربع حروب خاضتها "حماس" ضد "إسرائيل"، كان آخرها معركة “سيف القدس” التي ألحقت هزيمة عسكريّةً ومعنويّة غير مسبوقة في جميع الأوساط الإسرائيليّة وأدت بشكل كبير إلى إسقاط حزب "الليكود" المتطرف وزعيمه نِتنياهو من الحكم، فيما تبدو جولة التصعيد القادمة قريبة للغاية باعتقاد كثيرين.
ومع استمرار الحسابات الإسرائيليّة الخاطئة بامتياز في فلسطين وبالأخص الضفة الغربية، من خلال إقدام الكيان الغاصب على خطوات تصعيديّة كثيرة بدءاً من عمليات الضم التي ستؤدي بلا محالة إلى انفجار "انتفاضة عارمة" ستغير الواقع الحالي وفقاً لكثيرين، وليس انتهاءً بارتكاب أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين، يبدو أن حماس تدفع نحو تحرك مصريّ بعد عدة رسالة من الفصائل بأنّ "الوضع لن يبقى كما هو عليه كثيراً" في حال واصل الاحتلال سياسة المماطلة والتصعيد المستفزة، وإن فصائل المقاومة تملك أوراقاً قويّة كثيرة.
ولأنّ ممارسات الكيان الصهيونيّ التصعيديّة بحق أبناء فلسطين لن تتوقف في ظل أيّ وساطة نتيجة عدم احترام تل أبيب لتعداتها، تبدو عودة المقاومة المسلحة إلى الضفة الغربية قريبة أكثر من أي وقت مضى، بعد أن شعر الأهالي بأنّ العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن لا يمكن أن تتغير، وأنّ سلطتهم الفلسطينية لا تملك سوى "الهراء الإعلاميّ" و"التنديد والوعيد" بينما تفتح أحضانها لكافة أنواع التعاون مع الإسرائيليين.
على هذا الأساس، تؤكّد عمليات القتل الأخيرة إلى عدم استعداد العدو الصهيونيّ لأدنى تغيير في منهجه وحتى تصريحاته الفارغة التي تزعم "تحقيق العدالة" من خلال الإعدامات الميدانية البشعة، وقد أثقبت حكومة العدو مسامعنا بأنّها ستضاعف المراقبة وهي جاهزة لإفشال ما تزعم أنّه "إرهاب" و"إرهابيون" في الضفة الغربيّة الرازحة تحت نير إجرامها، حيث أثبتت عملية تصفية الشبان الثلاثة التي أغضبت الفصائل المقاومة مدى الحقد الإسرائيليّ الأعمى على هذا الشعب، وكشفت حقيقة العدو الاستبداديّ الذي فرضه المستعمرون على المنطقة والعالم.
وبما أنّ التجربة والتاريخ والواقع أثبتوا أنّ الإسرائيليين سيتمادون أكثر فأكثر في عدوانهم دون أيّ رادع قانونيّ أو إنسانيّ أو أخلاقيّ، يثق الفلسطينيون بأنّه لا يمكن أن يوقف ذلك العدوان إلا القوة والوحدة والمقاومة، وإنّ تمسك الفصائل الفلسطينيّة بضرورة إيقاف جرائم العدو وقطع يده عن منازل الفلسطينيين وفك حصار غزة وإعادة إعمارها، ينبع من ضرورة إفشال محاولات "إسرائيل" تدمير كل ما هو فلسطينيّ لتحل الصبغة "الصهيونية" باعترافهم.
وما ينبغي ذكره، هو أنّ الفصائل الفلسطينيّة أدانت بشدّة العدوان الإسرائيليّ الأخير، مؤكّدة أنّها ستشعل كل نقطة يتواجد فيها جنود الاحتلال ومستوطنيه، وأنّهم لن يسكتوا على الاعتداءات الإسرائيليّة الجبانة مضيفين أنّ "دماء شهداء نابلس ستبث الروح والحياة في الشعب الفلسطينيّ العظيم ولن تذهب هدراً"، فيما يدرك أبناء الضفة الغربيّة كما غيرهم من الفلسطينيين، أنّ العصابات الصهيونيّة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تتوقف عن إجرامها وعنصريّتها وقضمها لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وأكبر دليل على ذلك نص إعلان الدولة المزعومة الذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من "بلادهم"، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في "إسرائيل" وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.
في النهاية، تبدو "حماس" جادة للغاية في تحذيراتها لمصر والعدو الصهيونيّ، لأنّها تُدرك جليّاً أنّ قوات العدو تسعى بكل ما أوتيت من قوة لجعل ممارساته العنصريّة والإجراميّة بحق الفلسطينيين وأرضهم شيئاً عاديّاً، وتستند الحركة في قوتها على جناحها العسكري "كتائب القسام" الذي شكل رأس حربة حقيقيّة في معركة الدفاع عن غزة وفلسطين وإذلال العدو الغاصب، فالبرغم من مشاركة بقية قوى وفصائل المقاومة الفلسطينيّة في صناعة الإنجاز الفلسطينيّ الكبير، لكن في الواقع تبقى حماس الفصيل الفلسطينيّ الأكبر والأكثر تسليحاً وتنظيماً، والذي قاد مواجهات شرسة مع الكيان المستبد بكل قوة وحكمة واقتدار، وبالتأكيد فإنّ انتصاراتها التاريخيّة الكبيرة مع المقاومة والشعب الفلسطينيّ لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة أبناء فلسطين ولا سيما أنّها أذهلت قادة الكيان المجرم، ووعيدها جديّ أكثر مما يتخيل العدو.