الوقت- كشفت مصادر مقربة من نادية عكاشة أنها كانت تفكر في تقديم استقالتها يوم الخميس 20 يناير/كانون الثاني 2022، لكن أجلتها حتى تأكدت من قرارها.
وتعتبر نادية عكاشة الصندوق الأسود للرئيس التونسي قيس سعيّد، وعملت في منصبها لسنتين، إلا أن أسهمها بدأت تنخفض في الشارع التونسي بعد ظهورها كمنسقة لكل القرارات التي اتخذها الرئيس منذ 25 يوليو/حزيران 2021.
أسباب استقالة نادية عكاشة؟
كشفت مصادر لـ "عربي بوست" أن نادية عكاشة استقالت فعلاً بسبب خلافات جوهرية، وهو ما ذكرته في تدوينة الاستقالة، لكن ما لم يذكر أن هذه الخلافات كانت مع شخصيات نافذة في قصر قرطاج. وأضافت المصادر نفسها أن بعض الخلافات الكبيرة لدى عكاشة كانت مع وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين، بسبب قرارات الإقامة الجبرية التي فُرضت على مجموعة من الشخصيات في تونس. أيضاً، من بين الأسباب التي دفعت مديرة ديوان قيس سعيّد إلى تقديم استقالتها، حسب مصادر "عربي بوست"، خلاف نادية عكاشة مع سعيد سعيّد وهو شقيق الرئيس قيس سعيّد. بالإضافة إلى ذلك وقعت خلافات بين نادية عكاشة وعاتكة شبيل، شقيقة إشراف شبيل، السيدة الأولى في تونس، وتعتبر عاتكة من المحاميات البارزات في تونس. ودخلت عاتكة شبيل إلى قصر قرطاج فأصبحت كلمتها يحسب لها الحساب، وهي من اقترحت على زوج أختها الرئيس أن يتولى توفيق شرف الدين منصب وزير الداخلية. وأشارت مصادر "عربي بوست" إلى أن النقطة التي أفاضت الكأس ودفعت نادية عكاشة إلى تنفيذ قرار استقالتها بعد تردد هو إحالة كل من كمال القيزاني، السفير فوق العادة لتونس لدى البحرين، وعبد القادر فرحات، مدير الشرطة العدلية سابقاً والمشرف الأمني على سفارة تونس بكندا.
من هي عكاشة؟
تعتبر نادية عكاشة الصندوق الأسود للرئيس قيس سعيّد وكاتمة أسراره، فهي تلميذته النجيبة في مدرجات الجامعة، التي أتى بها إلى القصر فور دخوله له، فأعطاها كل المفاتيح حتى أصبحت كلمتها لها وزن. بعد 25 يوليو/حزيران 2021 تغيرت الصورة التي رُسمت عن نادية عكاشة، المرأة القوية وسط القصر، فالمقربون منها كما المنتقدون أصبحوا يعتبرون أنها هي عرابة ما وُصف بـ “الانقلاب على الدستور"، الذي حدث في تونس. وسبق أن نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني وثيقة قال إنها مسربة من مكتب مديرة الديوان عكاشة يعود تاريخها إلى 13 مايو/أيار 2021، وتتحدث عن تدبير خطة لـ "ديكتاتورية دستورية" في البلاد. أيضاً، ظهر اسم نادية عكاشة في تسريبات لتقارير داخلية للمخابرات المصرية، تؤكد أن عكاشة كانت تحضر اجتماعات مع جنرالات قادمين من القاهرة لقرطاج لهندسة الوضعية السياسية في تونس.
وكانت عكاشة واحدة من المرشّحين المحتملين لرئاسة الحكومة العام الماضي، قبل أن يختار الرئيس سعيّد نجلاء بودن لتُصبح أول امرأة تتولّى رئاسة الوزراء في تونس. ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019 تتولى عكاشة منصب مستشارة أولى لدى رئيس الجمهورية مكلَّفة بالشؤون القانونية، ثمّ تولّت منصب مديرة الديوان الرئاسي لسعيد منذ 28 يناير/ كانون الثاني 2020 خلفًا لطارق بالطيب. ونادية عكاشة، هي أستاذة في القانون العام، وأستاذة مساعدة بكلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة "المنار" في العاصمة التونسية. ووفقًا لتقرير نشرته مجلة "جون افريك" الفرنسية، في يوليو/ تموز الماضي، تتحكّم عكاشة "بكل شيء في قصر قرطاج، حيث لا يحصل شيء من دون علمها"، كما أنها "أقصت كل الشخصيات التي كانت عثرة في طريقها"، في إشارة إلى استقالة مستشار الأمن القومي الجنرال محمد الصالح الحامدي الذي انزعج من استبعاده عن بعض الاجتماعات وعدم القدرة على التواصل مع الرئيس، كما استقال الوزير المستشار لدى رئيس الجمهورية عبد الرؤوف بالطبيب.
سلسلة استقالات سابقة
وجاءت استقالة عكاشة بعد سلسلة من الاستقالات طالت العديد من مستشاري الرئيس بعد إجراءات وُصفت بـ"الانقلابية" قام بها سعيّد منذ 25 يوليو/ تموز الماضي؛ وهم، إلى جانب عبد الرؤوف بالطبيب ومحمد صالح الحامدي، مستشار الشؤون الاقتصادية حسان بالضياف، والملحقة بالديوان المكلفة بالشؤون السياسية ريم قاسم، والملحقة الإعلامية بالديوان الرئاسي هالة الحبيب، ومستشارة الاتصال رشيدة النيفر، والمكلّف بالبروتوكول والتشريفات طارق الحناشي.
نصف عام على إجراءات سعيّد
ومرّ نصف عام على إعلان الرئيس قيس سعيّد تدابير استثنائية استأثر بموجبها بالسلطات التشريعية والتنفيذية منها: تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة. ومنذ ذلك الوقت، تعيش البلاد أزمة سياسية واقتصادية بسبب الانقسامات الداخلية، وعدم حصول الحكومة على قروض خارجية لسدّ عجزها المالي، فيما يعاني سعيّد ضغوطًا للعودة إلى الشرعية الدستورية.
وفي خضم ذلك يدفع التونسيون ثمن التقلبات السياسية في بلادهم بتردي أوضاعهم الاقتصادية. الأوضاع الاجتماعية لم تتحسّن أيضاً، بل زادت البطالة، وارتفع التضخّم. وهذا الواقع المتردّي تغذيه الأزمة السياسية والاقتصادية غير المسبوقة في البلاد. سلطة الرئيس التونسي تضعف يومًا بعد يوم لأنه لم يجد إجراءات حقيقية لحلّ الأزمة الاقتصادية والسياسية. ووسط هذه الضغوط، لا يزال الشارع منقسمًا حول إجراءات سعيد، كما باتت الديمقراطية التونسية التي مثّلت حالة من الفرادة في المنطقة على المحك.
من سيعوّض عكاشة؟
كشفت مصادر أن الرئيس التونسي قيس سعيّد قد يُعين مروي جابو بالصادق، التي تولت قبل أسبوعٍ فقط منصب مستشارة للشؤون الاوروبية لدى رئيس الجمهورية. وتعتبر مروي جابو التي وُلدت سنة 1987 من بين الوجوه الشابة في تونس التي تدعم طرح الرئيس قيس سعيّد، بعد أن راكمت تجربة العمل في سفارة تونس في كندا منذ سنة 2016. أما الاسم الثاني المرجح خلافته لنادية عكاشة، حسب مصادر، فهو أمين محفوظ، أستاذ القانون الدستوري، الذي يدعم قرارات قيس سعيّد.