الوقت - بينما أرست حكومة السيد الرئيسي أساس جهاز السياسة الخارجية من خلال التركيز على التعاون مع جيرانها، وضعت وزارة الخارجية الإيرانية تطوير العلاقات مع الجيران القريبين والبعيدين في مقدمة الأهداف والحركات الدبلوماسية في الأشهر الأخيرة.
وفي هذا الصدد، غادر وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، على رأس وفد رفيع المستوى، إلى عُمان وقطر جيران إيران الجنوبيين في الخليج الفارسي منذ يوم أمس.
وكان التركيز الرئيسي للمحادثات خلال هذه الزيارة، هو استكشاف سبل توسيع العلاقات المتبادلة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، وكذلك مناقشة القضايا المهمة في المنطقة.
تطوير التعاون الاقتصادي مع عمان وقطر
في عمان، كوجهة أولى لزيارة وزير الخارجية الإيراني، شكلت القضايا الاقتصادية وتطوير التعاون بين البلدين في هذا المجال، جزءًا مهمًا من لقاء الأمير عبد اللهيان مع المسؤولين العمانيين.
وقد أعلن الأمير عبد اللهيان في مؤتمر صحفي: "في المجال الاقتصادي، كنا مهتمين باستئناف حرکة السفن بين البلدين بعد مرحلة كورونا، كما وعد الجانب العماني بمتابعة هذه القضية حتى نتمكن في المستقبل القريب من رؤية استئناف حرکة السفن بين البلدين لتبادل السلع".
وأضاف: "من المشاكل التي يواجهها مواطنو البلدين في ممارسة الأعمال والأنشطة العامة، هي استئناف رحلات الطيران الإيراني والعماني. وهذا الموضوع أثير مع رئيس الوزراء وتم الاتفاق على اتخاذ الاجراءات اللازمة بهذا الشأن".
تتمتع إيران وعُمان، باعتبارهما دولتين تربطهما علاقات وثيقة للغاية في المنطقة، بعلاقات اقتصادية جيدة نسبيًا برقم يصل إلى حوالي مليار دولار، لكن الجانبين متفقان على الحاجة إلى تعزيز وتوسيع التبادلات الاقتصادية حتى 5 مليارات دولار. وأعلنت إيران أيضاً أن عمان "أفرجت عن ما يقرب من ملياري دولار من الأصول الإيرانية المحظورة بسبب العقوبات الأمريكية".
من ناحية أخرى، فإن أحد الموضوعات المهمة لهذه الزيارة في القطاع الاقتصادي، يتعلق بمسارات الترانزيت، حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني عن محادثات حول مشاريع مشتركة في مختلف المجالات، بما في ذلك الاستثمار في ميناء تشابهار بجمهورية إيران الإسلامية.
وقعت إيران وعمان وتركمانستان وأوزبكستان من قبل اتفاقيات لإحياء خط الترانزيت بينها، وبالتالي قد تكون تصريحات الأمير عبد اللهيان إشارةً إلى اتفاقية عشق أباد التي تسعى إلى تسهيل النقل بين الخليج الفارسي وآسيا الوسطى.
وقعت هذه الاتفاقية في عام 2011 كل من إيران وعمان وأفغانستان وقطر وتركمانستان وأوزبكستان، وانضمت إليها لاحقًا كازاخستان وباكستان والهند. لکن قطر انسحبت من الاتفاقية عام 2013.
كان التواجد في طرق العبور الدولية أمرًا مهمًا للغاية لكل من إيران والعمانيين في السنوات الأخيرة. وقد استثمرت عُمان مؤخرًا في موانئها بهدف زيادة التجارة في الخليج الفارسي.
ومع انخفاض مخزونات النفط الخام العمانية - التي من المتوقع أن تصل إلى مستوى الإنتاج لعام 2019 في غضون 25 إلى 30 عامًا القادمة – استهدفت هذه الدولة خمسة قطاعات، بما في ذلك الترانزيت، للتنمية الاقتصادية وتنويع الإيرادات الحكومية، ويتم الحصول على 40 في المئة منها حاليًا من عائدات النفط.
إن الترانزيت والسعي للتحوُّل إلی بوابة الخليج الفارسي باستخدام موقع التواجد على طرق الشحن العالمية، وفقًا لخطة الرؤية 2040، يمكن أن يوظَّف 300 ألف شخص في عمان. ولقرون عديدة، حكمت عُمان إمبراطوريةً تجاريةً بحريةً واسعةً امتدت إلى معظم جزر الهند الغربية.
اليوم، إحدى المزايا الاستراتيجية لسلطنة عمان هي موقعها خارج مضيق هرمز. ويربط هذا الممر المائي الضيق الخليج الفارسي بأجزاء أخرى من العالم.
لكن طموحات عمان في أن تصبح بوابة الخليج الفارسي تواجه منافسًا رئيسيًا مثل الإمارات العربية المتحدة، حيث تقوم شركة موانئ دبي العالمية DP Worldبنقل ما يقرب من واحد من كل 10 حاويات في العالم.
تدير هذه الشركة الموانئ والمحطات والمناطق الحرة والمراكز اللوجستية في ست قارات، بما في ذلك ميناء جبل علي في دبي، والذي يمثل حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة.
يوجد في عمان ثلاثة موانئ رئيسية: صلالة والدقم وبوابة عمان الرئيسية صحار. أطلق ميناء صحار مؤخرًا خدمات إعادة التزود بالوقود للسفن - وهي شركة يهيمن عليها جبل علي دبي - والتي توفر زيت الأفران منخفض الكبريت والديزل البحري.
يعمل ميناء صلالة في المقام الأول كمحور نقل للأسواق الإقليمية، بما في ذلك شرق إفريقيا واليمن، حيث ينقل الحاويات من خطوط المسافات الطويلة إلى خطوط المسافات القصيرة نحو الوجهة النهائية للشحنة.
وفي عام 2020، صنف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، الموانئ العمانية على أنها أسرع من موانئ الإمارات من حيث سرعة نقل الحاويات.
كما تسعی عمان منذ فترة طويلة لتحويل ميناء الدقم، على بعد حوالي 550 كيلومترا(340 ميلا) شمال صلالة، إلى محطة خارج مضيق هرمز لتصدير نفط الخليج الفارسي إلى الأسواق الدولية.
لذلك، ووفقًا لهذه الأهداف، فإن التعاون لربط موانئ البلدين ولتصبح أحد شرايين التجارة الدولية في السنوات القادمة، بالنظر إلی استثمار الهنود في تشابهار والدور الرئيسي لهذا الميناء في حزام الترانزيت بين الشمال والجنوب، سيكون ذا أهمية كبيرة في تطوير التعاون الاقتصادي بين إيران وسلطنة عمان.
إلى جانب عمان، قطر هي الأخری جارة عربية أخرى على الخليج الفارسي، لها علاقات ودية ووثيقة مع جمهورية إيران الإسلامية. وتطورت هذه العلاقات في السنوات الأخيرة، وكان نقطة التحول فيها قطع العلاقات وحصار قطر من قبل السعودية والإمارات ومصر والبحرين عام 2017. وبعد هذا الإجراء، أصبحت طهران متنفساً مهماً لتخفيف ضغط العقوبات على الدوحة.
كما أوضح الأمير عبد اللهيان حول القضايا التي ناقشها الوفد الإيراني خلال زيارته إلى قطر: "في الماضي، كانت هناك محادثات حول مباريات المونديال، وتحدثنا عن قدرة جمهورية إيران الإسلامية، وخاصةً في مجال الخدمات الفنية والهندسية والتسهيلات التي تمتلكها جمهورية إيران الإسلامية. وقطر يمكن أن تستخدم هذه القدرات".
حصة إيران الحالية من التجارة الخارجية لقطر صغيرة جدًا وليست قريبةً بأي حال من العلاقات السياسية بين البلدين، فضلاً عن الإمكانات التجارية والصناعية والزراعية والتكنولوجية لإيران.
ووفقاً للمساعد الدولي لغرفة تجارة طهران، في يونيو من هذا العام، من إجمالي واردات قطر البالغة 26.7 مليار دولار، تراوحت حصة إيران بين 350 مليون دولار و 360 مليون دولار. ومع ذلك، حدد البلدان هدفًا يبلغ مليار دولار في المستقبل القريب.
المحادثات السياسية: من المحادثات النووية إلى القضايا الإقليمية
إضافة إلى أهمية التعاون الاقتصادي، كانت المحادثات السياسية جزءًا آخر من برامج الوفد الإيراني في عمان وقطر.
لطالما كانت عُمان وسيطًا رئيسيًا في تشكيل المحادثات النووية بين إيران والقوى الدولية، وخاصةً حكومة الولايات المتحدة.
وهکذا، في خضم المفاوضات النووية، وفي حين أن الجانب الغربي غير مستعد لتقديم الضمانات القانونية التي تطلبها طهران، ونتيجةً لذلك تواجه عملية التفاوض تحديات کبيرة، يمكن أن تکون زيارة مسقط عاملاً يعزز موقف إيران الدولي.
وفي هذا الصدد، أعرب مجلس التعاون في مواقفه الأخيرة من مفاوضات إحياء الاتفاقية، عن دعمه لاستمرار عملية التفاوض.
وهذا الأمر، إلى جانب الاتجاه السائد في الأشهر الأخيرة لتقليل التوترات بين الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون، أي السعودية والإمارات مع إيران، يمكن أن يكون مفيدًا في تعزيز الاستقرار الإقليمي.
کذلك، هناك قضيتان وأزمتان إقليميتان مهمتان بالنسبة لإيران، لعبت كل من عمان وقطر فيهما دورًا في العملية الدبلوماسية، وهما قضية أفغانستان والحرب في اليمن.
لقد شددت إيران في السنوات الأخيرة دائماً على ضرورة عدم التدخل في شؤون هذين البلدين، ووقف الحرب وإراقة الدماء، وإيجاد حل سياسي، وأهمية بدء المفاوضات وعملية المصالحة الوطنية.
بشكل عام، ووفقًا لهذه القضايا، ينبغي اعتبار زيارة الأمير عبد اللهيان علامةً على توجه طهران لزيادة التعاون الاقتصادي والسياسي مع جيرانها، من أجل تطوير السلام والاستقرار الإقليميين.