الوقت - نظمت الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع، يوم السبت، بمقر نادي هيئة المحامين بالرباط، محاكمة رمزية للتطبيع والمطبعين، توزع فيها المشاركون إلى مترافعين يقدمون دفوعاتهم ومرافعاتهم القانونية إلى رئيس المحكمة، وهيئة حكم تكفلت بتلقي الطلبات والاستماع إلى المرافعات وإصدار الحكم.
وتميز النشاط بحضور وجوه وشخصيات وطنية بارزة ومعروفة بدفاعها المستميت عن القضية الفلسطينية، ورفضها الصارم لاتفاقية التطبيع بين المغرب وكيان الاحتلال الصهيوني، وأيضاً بمشاركة فاعلين من فلسطين.
وبعد الاستماع لمرافعات الدفاع وممثل الحق العام والنيابة العامة وممثل الحكومة المغربية وشهادة الشهود، وبعد اختلاء هيئة الحكم، التي تشكلت من النقيب عبد الرحيم بن بركة رئيسا والأستاذتين لطيفة البوحسيني والسعدية الضريس، للمداولة، أصدرت حكمها بإدانة الحكومة المغربية ودعوة الدولة إلى التراجع عن قرار التطبيع وكل الاتفاقيات التي أعقبته، مع تقديم اعتذار علني للشعب المغربي.
وفي التفاصيل، بيّن الناشط سيون أسيدون جملة من الأعطاب التي اعترت قرار تطبيع العلاقات بين المغرب وكيان الاحتلال الصهيوني قبل عام، داعيا في مطالبه الدولة المغربية إلى وقف هذه الاتفاقية وإلغاء القرار.
وشدّد أيضا على أهمية إغلاق مكتب الاتصال مع هذا الكيان، وضرورة إطلاق سراح مشروع قانون تجريم التطبيع الذي سبق أن تقدمت به أربعة فرق برلمانية ومازال مجمدا إلى اليوم.
أما عبد الصمد فتحي فقد خصص شهادته في هذه المحاكمة للحديث عن مشاهد “يسر الله لي أن أحضرها، منها أسطول الحرية” وهو أسطول شارك فيه أكثر من 750 ناشط سياسي كلهم توجهوا إلى غزة لكسر الحصار ولنقل أزيد من 10 آلاف طن من المساعدات للشعب الغزاوي هناك، لكن الإرادة والقرار الصهيونيين حالا دون تحقيق هذا المطلب والحلم الذي كان يراود هؤلاء الأحرار الذين اجتمعوا بغض النظر عن دينهم ومرجعيتهم، وراودهم حلم واحد هو تحقيق الحرية لشعب محاصر.
أما الرئيس السابق للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان عبد القادر العلمي، فقال بأن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني جريمة مكتملة الأركان؛ إذ هي تبييض وتزكية لجرائمه اللامتناهية التي يمارسها بحق الشعب الفلسطيني. وعدّد أبرز تلك الجرائم في أمثلة عدة وعديدة.
وسرد العلمي عددا من العناوين العريضة للعدوان الصهيوني الذي يتجاوز فلسطين لكل الجوار العربي والإسلامي، ويتعدى الأرض إلى الإنسان الفلسطيني والعربي، ولا يقتصر على الجغرافيا بل امتدت يد عدوانه إلى التاريخ والهوية الفلسطينية ومقدساتها. ومن أبرز تلك الجرائم الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية والجولان وغيرهما من الأراضي التي انسحب منها جيش الاحتلال، وما ارتكبته وترتكبه قوات هذا الاحتلال الغاشم من جرائم في حق العزل من قتل يومي للإنسان الفلسطيني عموما والأطفال والنساء والشيوخ خصوصا.
وختم العلمي مداخلته باستخلاص أن أي تطبيع مع هذا الكيان الإجرامي هو تزكية وتشجيع له على مزيد من الاجرام في حق الفلسطينيين، بل عده تنكرا صارخا لكل القيم الإنسانية، والأدهى، يستغرب العلمي في حالة المغرب مثلا، أن يصل التطبيع إلى حد التحالف العسكري مع هذا الكيان، مما يهدد الأمن القومي للدول والشعوب العربية والإسلامية. وبالمقابل، يضيف المتحدث، تلجأ السلطات المغربية إلى قمع كل الأصوات المنددة بهذا الانحدار، واستدل على ذلك بالقمع الشرس الذي تتعرض له التظاهرات والوقفات التي يعبر من خلالها الشبع المغربي من رفضه القاطع لهذا المسلسل التطبيعي.
من جهته اعتبر الأستاذ أغناج الذي انتصب محاميا ضد التطبيع في هذه المحكمة، أن “تسويق التطبيع على أنه قرار سيادي حاول تكميم الأفواه، وحاول فرض الأمر الواقع”، بمعنى أنه لم يفسح المجال حتى لمناقشته بديموقراطية.
وأوضح أن تسويقه بهذا الشكل ترتب عنه منع جميع الانشطة المناهضة للتطبيع، في مقابل تشجيع الزيارات والوفود الزائرة إلى غير ذلك من مظاهره، وبالتالي فهذا التسويق بحد ذاته يعتبر إخلالا من الدولة المغربية بواجباتها. ولفت إلى أن هناك رهانا من قبل المطبعين على تشتيت بنى المجتمع المغربي، “وهذا رأيناه في عدة مستويات ذكرها الشهود المتدخلون قبلي، بينت أن هناك رهانات لمجموعة من المنظمين على المس ببعض النقط الحساسة داخل المجتمع وتضخيمها من حيث تنال هذه القوى التطبيعية من تماسك المجتمع المغربي واتحاده”.
وفي مرافعة قانونية قوية وشاملة، طرح ممثل الحق العام النقيب عبد الرحيم الجامعي العديد من النقاط الهامة، قبل عرض مطالبه الرئيسة. انطلق في مرافعته بالتذكير بموقف الشعب المغربي المشرف دائما عبر الزمن في دفاعه عن القضية الفلسطينية، مؤكدا أن كل الشعب المغربي يجد نفسه في هذه الشكاية التي يتقدم بها إلى هيئة الحكم الرمزية.
وذكر الجامعي بعقيدة “إسرائيل” وتاريخها الدموي الاستعماري من قتل للصغار ونساء ورجال فلسطين، وأغنى مداخلته بجملة من المعطيات القانونية الدولية والتشريعية والتقارير والمعطيات الواقعة التي لا يرقى إليها الشك، كالحروب المختلفة المتكررة على فلسطين وغزة، كل ذلك لرسم صورة حقيقية حول حقيقة هذا الكيان وتنكيله الدائم بحقوق الإنسان.
وفي حديثه عن مسار التطبيع مع الدول العربية، شدد على رفضه الشعبي رغم أن عددا من الدول والأنظمة مضت فيه. وشدد في المسألة الثالثة على أن التطبيع له أربعة أبعاد؛ بعد دستوري وآخر سياسي وثالث ثقافي ورابع جنائي، مؤكدا أن النظر المتبصّر في القانون المغربي والاتفاقيات الدولية تسقط عن اتفاقية المغرب مع كيان الاحتلال المشروعية، مشددا على إنها تخرق وتنتهك الدستور المغربي. وانتهاك قواعد النظام العام، بل إنها تؤسس للتعاون مع مجرمي حرب، والمس بالسلامة الداخلية.
وتقدم في ختام مرافعته بعدد من الملتمسات؛ على رأسها مؤاخذة الحكومة وإدانتها، ووقف الاتفاقية وإلغاء قرار التطبيع، وإلغاء كل ما ترتب عن قرار التطبيع من اتفاقيات سياسية واقتصادية وعسكرية، وتقديم اعتذار علني أمام البرلمان وإذاعته في وسائل الإعلام العمومية، وإغلاق كل وسائل التواصل والمواصلات وكل الحدود البرية والبحرية والجوية مع كيان الاحتلال، ناهيك عن إدانة كل الشركات والهيئات والمؤسسات التي انخرطت في اتفاقيات تطبيع، والحكم على الدولة المغربية بتبليغ قرارها التراجع عن قرار التطبيع لجامعة الدول العربية وللأمين العام للأمم المتحدة.
بعد ذلك، وبعد اختلاء هيئة الحكم للمداولة، انطلق رئيس المحاكمة النقيب بن بركة في التأسيس لقراراته بالتذكير بقواعد المحاكمة العدالة، والمواثيق الدولية والدستور المغربي، وقواعد استقلال السلطة القضائية لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، ومبادئ ذات الصلة لدور المحامين لمنع الجريمة، وأخذا بعين الاعتبار تصريحات مختلف الأطراف، لتؤكد المحكمة ابتداء دعم كفاح الشعب الفلسطيني الذي كان ولا يزال قضية وطنية لا يمكن التخلي عنها مهما كانت الأسباب.
وتمت إدانة ومؤاخذة الحكومة على قرارها التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني، والحكم بفسخ وإلغاء كل الاتفاقيات التي تم إبرامها والاتفاق عليها منذ ذلك القرار واعتبارها غير مشروعة وكأنها لم تكن، وكذا إلغاء كل ما ترتب عن اتفاقيات التطبيع ماليا وسياسيا واقتصاديا، وإلى جانب ذلك قضت المحكمة على الحكومة المغربية بتقديم اعتذار علني للرأي العام يذاع في وسائل الإعلام العمومية لمدة شهر باللغة العربية والأمازيغية وثلاث لغات يختارها المشتكون.
وطالبت هيئة الحكم أيضا بطرد ممثلية الكيان المحتل من المغرب، وإغلاق الحدود الجوية والبحرية والبرية مع الكيان الصهيوني، وإسراع الحكومة بعرض مشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومبادرتها إلى اتخاذ خطوات اعتقال مجرمي حرب الكيان. كما قضت على الأشخاص والمؤسسات التي تورطت في التطبيع سواء كان اقتصاديا أو ثقافيا أو سياحيا بفسخ لكل تلك العقود التي حررت ووقع الاتفاق عليها.