الوقت- بعد أن صنّف العدو الصهيونيّ الغاشم 6 مراكز حقوقية فلسطينية بأنّها "إرهابيّة"، مع تجريم عملها والعاملين فيها، باعتبارها تؤدّي دوراً محوريّاً في المجتمع الفلسطينيّ وتوثق بشكل كبير جرائم العصابات الصهيونيّة، رغم أنّها تقديم خدمات رعاية وتطوير هامة للنساء والأطفال ولفئات واسعة من المجتمع القابع تحت الاحتلال، وتأمن حماية قانونيّة واجتماعيةٍ لهم، ناهيك عن أنّها تمثل حقوق الانسان الفلسطينيّ في المنابر الدوليّة، ذكرت ، أنّ الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبيّ، جوزيف بوريل، قال إن تل أبيب لم ترسل بعد دليلاً قاطعاً على ارتباط تلك المنظمات الفلسطينية المحظورة مؤخراً بحركة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (هو فصيلٌ فلسطينيٌ يساريٌ عضو في منظمة التحرير الفلسطينية).
في ظل وقوف وكالات الأمم المتحدة ورابطة وكالات التنمية الدولية، إلى جانب منظمات المجتمع المدني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قال ممثل الاتحاد الأوروبيّ الأعلى في اجتماع مغلق للمانحين الدوليين للفلسطينيين في العاصمة النرويجيّة أوسلو، "نحن نطلب إجابات من الحكومة الإسرائيليّة، ولم نتلق بعد إجابات مقنعة"، في ظل استمرار الكيان الصهيونيّ الغاشم بقتل الشعب الفلسطينيّ واستعمار أرضه منذ مطلع القرن المنصرم، دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه المتصاعدة بحق أصحاب الأرض والتي لم ينج منها الأطفال ولا الشيوخ ولا النساء.
ويأتي الخطاب السريّ الذي نشرته صحيفة "تايمز اوف إسرائيل" العبريّة، في ضوء الرغبة الإسرائيلية في حرمان الفلسطينيين من أيّ حمايةٍ مجتمعيةٍ أو دوليةٍ عبر المؤسسات الدوليّة التي تدعم هذه المراكز، لزيادة التضييق على الشعب الفلسطينيّ الشيء الذي يعمق قلق وكالات الأمم المتحدة ورابطة وكالات التنميّة الدوليّة "أيدا" (AIDA)، العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة، وفقاً لتعبيرهم.
وفي الوقت الذي أثار فيه الإعلان الإسرائيليّ عن حربه على منظمات المجتمع المدنيّ التي يتلقى معظمها تمويلًا أوروبياً ودوليّاً، عاصفة نارية من التغطية والإدانات، يزعم المسؤولون الصهاينة أنّ هناك أدلة "سرية صارمة" تثبت الصلات "الإرهابية" للمنظمات، رغم أنّ دعم المجتمع المدنيّ يوفر إسناداً ضروريّاً للفئات الأكثر عرضةً لتداعيات سياسات الاحتلال كما يوفر فرص عمل وتطوير كفاءات وخبرات ضروريّة لتنمية المجتمع الفلسطينيّ، وهذا بالتحديد الذي يزعج تل أبيب.
أيضاً يأتي الانزعاج الأوروبيّ من تصنيف ست منظمات غير حكومية فلسطينية، (مؤسسة "الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان"، و"مؤسسة الحق"، و"الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فلسطين"، و"اتحاد لجان العمل الزراعي"، ومركز "بيسان للبحث والانماء"، و"اتحاد لجان المرأة الفلسطينية") ، كمنظمات إرهابيّة بموجب أمر وقعه وزير الحرب الصهيونيّ، بيني غانتس، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول، يأتي بسبب التقيد الإسرائيليّ لعمل المنظمات الفلسطينيّة التي عملت مع المجتمع الدوليّ، بما في ذلك مع الأمم المتحدة، لعقود من الزمن، لتقديم الخدمات الأساسية لعدد لا يحصى من الفلسطينيين.
"نحتاج إلى دليل على هذه المزاعم"، رسالة أوروبيّة صريحة للإسرائيليين الذي شنّوا حربهم الشعواء بهدف عرقلة أو منع ترميم الإنسان الفلسطيني، وقطع الطريق أمام الأمل بالحفاظ على حقوقه الوطنيّة والإنسانيّة، عبر البدء بتجريم الأسرى ونزع شرعيّة حق الفلسطينيين في مقاومة محتلي الأرض وسالبي الحقوق، ومن غير المستبعد أن تشمل الحرب الصهيونيّة منظمات مجتمع مدني أخرى، فمن غير المقبول بالنسبة للصهاينة المجرمين أن تستمر شبكة الحماية لأي قطاع اقتصاديّ أو اجتماعيّ فلسطينيّ.
وبالتزامن مع المعارضة الشديدة لهذا القرار العدوانيّ من قبل المنظمات الفلسطينية الأهلية، واتهامها العدو القاتل بالسعي لقمع الانتقادات الموجهة لسياساتها، تتمتع تلك المنظمات بعلاقاتٍ دوليةٍ واسعةٍ ومؤثرة، لدرجة أنّ الصهاينة يعتبرونها من أكبر الأخطار الاستراتيجيّة المحدقة بهم، لأنّ تأثيرها يتصاعد بشكل ملموس بفضل الحملات العالميّة الممنهجة والاستراتيجيّة بشكل مباشر وغير مباشر، كما أنّ حكومة العدو تخوض عملية استباقية للقضاء على المنظمات الحقوقيّة والأهليّة الفلسطينية، تمهيداً لمحاولة ضم نهائيّ للأراضي الفلسطينية.
"قرار تعسفي ومتقلب" هكذا وصف مراقبو الأمم المتحدة القرار الصهيونيّ، لأنّ "إسرائيل" لم تعد تحتمل أيّ اعتراف أو عمل يفضح ممارساتها محلياً ودولياً، والدليل إرهابها المباشر على المجتمع المدنيّ الفلسطيني، لأنّها تعي تماماً دور هذه المؤسسات في دعم صمود الشعب الفلسطينيّ على أرضه، وتشكيل شبكة ضروريّة خاصة في ظروف حصار أو حرب أو انتفاضة فلسطينيّة، ودورها في تثبيت لُحمة المجتمع الفلسطينيّ في ما يواجهه الشعب الفلسطينيّ من تفكيك وتفتيت ممنهج.
أيضاً ومع قيام العدو المجرم بالانقضاض على مؤسسات المجتمع المدنيّ الفلسطيني ومحاربتها، أوضحت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليت، أنّ المنظمات الفلسطينيّة ستواجه عواقب بعيدة المدى نتيجة هذا القرار التعسفيّ، إضافة إلى الأشخاص الذين يمولونها ويعملون معها، مضيفة أنّ "العمل الحاسم الذي يؤدونه لآلاف الفلسطينيين معرض للتوقف أو التقييد بشدة".
في النهاية، وجهت أوروبا صفعة قويّة للكيان الصهيونيّ وقرارها الخطير، الذي يُشكل اعتداءاً مباشراً على حقوق الإنسان، وإنّ الموقف الإسرائيليّ ضعيف جداً في تلك القضيّة، لأنّ مؤسسات المجتمع المدنيّ تقوم بواجبها الإنسانيّ في مسالة أخلاقيّة لا لبس فيها، بيد أنّ المطبعين مع الصهاينة وداعميهم، ومن يتقاعسون عن مساندة الأبرياء هم بالتحديد من يجب أن يتعرضوا للمسألة والحساب، في وقت أًصبحت فيه القوانين الدوليّة وحقوق الإنسان "حبراً على ورق" المنظمات.