الوقت- صحيح أن السينما أداة للترفية والتسلية ولكن هذا لاينفي دورها في تشكيل وعينا الجمعي والتلاعب به، والأفلام التي تعيد صياغة الواقع وتؤثر في تصورنا عن ذواتنا وعن الآخرين وتساهم في تشكيل آراء الناس، ويمكن القول أن السينما تمثل "مصباحاً سحرياً" يقوم المارد فيه (أي) "الفيلم" في بناء صراع حضاري وتغيير المفاهيم حول شعوب بأكملها، وهذا ما نجحت به هوليوود عندما قدمت صورة نمطية عن العرب والمسلمين مستغلةً عدم معرفة الآخرين بالحقيقة الثقافية لمنطقتنا، وعدم تمكن العرب والمسلمين من بناء بروباغندا مضادة بأساليب ناعمة، ومن هذا المنطلق نفتح نافذة على سينما بوليوود المنافس الأشرس لهوليوود ونرى كيف تناولت الإسلام والمسلمين في أفلامها.
قدمت السينما الهندية صوراً متعددة للاسلام والمسلمين ترواحت بين الصورة النمطية التي تبناها الغرب ما بعد التسعينات والطرح الإيجابي الذي بدأ يخفت بريقه في السنوات الأخيرة، ومثال ذلك الفيلم الهندي "Sooryavanshi" الذي يعرض حالياً في الصالات الهندية ويحقق نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر، ويقدم الفيلم صورة مريعة عن المسلمين ويهاجمهم بطريقة غير أخلاقية وغير صحيحة وغير مبنية على أي حقائق.
تطرقت صحيفة "واشنطن بوست" للفيلم، وقالت في تقرير لها أنه لا يحرض فقط على كراهية المسلمين واشعال العنف الهندوسي ضدهم ولكنه مؤشر لاستعمال الحزب الهندوسي المتطرف الحاكم (بهارتيا جاناتا) للسينما كقوة ناعمة مؤثرة لنشر الكراهية ضد المسلمين في البلاد.
قصة الفيلم تدور حول كشف زوجة هندوسية متزوجة من شاب مسلم عن مؤامرة إرهابية مزعومة، فيقوم زعيم الجماعة الإسلامية الذي جاء لتجنيد زوجها بقتلها بدم بارد، وبعد فترة وجيزة.
يشاهد شاب مسلم زوجته وهي تُقتل باسم الجهاد، كان الرجل يعيش حياة منزلية رتيبة وهادئة متنكراً بمظهر هندوسي يعمل كميكانيكي سيارات، ولكن عندما تكشف زوجته الهندوسية عن مؤامرة إرهابية مزعومة، يقوم زعيم الجماعة الذي جاء لتجنيده بقتلها بدم بارد، وبعد فترة وجيزة، نرى الرجال يصلون وهم يستعدون للهجوم.
الصحيفة الأمريكية قالت إن الفيلم الهندي "Sooryavanshi" "في ظل حملة مستمرة تقودها حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي على المسلمين في الهند يأتي فيلم "Sooryavanshi" الذي يحطم شباك التذاكر ليؤجج مؤامرة "جهاد الحب" الخطيرة التي تصور الرجال المسلمين على أنهم يتواطؤن لإغواء أو خطف الهندوسيات أو الفتيات لتغيير ديانتهن إلى الإسلام".
وأضافت الصحيفة:" لكن الاستعارات الأخرى المعادية للإسلام هي محور الفيلم الذي يجسد دور البطولة فيه اشكاي كومار، أحد أشهر نجوم بوليوود، وهو من أشد المعجبين برئيس الوزراء ناريندرا مودي ومشهور بأفلامه الشوفينية والقومية المفرطة".
يعد فيلم "Sooryavanshi" أحد أكثر الأفلام رواجاً في الهند بعد تخفيف إجراءات حظر فيروس كورونا المستجد. يعزز ذلك مناخ الكراهية والتمييز ضد أكثر من 200 مليون مسلم في الهند والذي يجب أن يواجهه مسلمو الهند.
واعتبرت الصحيفة الأميركية أن "كل لقطة من الفيلم تمثل صورة مريعة للإسلاموفوبيا. بينما تقدم شخصية هندوسية من الطبقة العليا يؤديها كومار دروساً في الوطنية، فيما يرد الخصم المسلم بالكراهية. إنه جاحد للجميل وله لحية طويلة وغطاء رأس".
وأضافت أن "الفيلم لا يدعي حتى إخفاء أجندته - وهي الأجندة القومية الهندوسية اليمينية لحكومة مودي، إنه يبرر إلغاء الوضع الخاص الممنوح لكشمير، حيث تم اعتقال الآلاف من الشباب وفرض التعتيم على الإنترنت في عام 2019. ومثل الحكومة، فإن الفيلم يجادل بأن إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي قد قضى على الإرهاب في كشمير".
الصحيفة رأت أنه "إذا كان صانعو الفيلم قد قرأوا أي أخبار عن كشمير، لكان بإمكانهم التعامل مع الواقع. ولكن من يريد التحدث عن الواقع عندما يكون الغرض هو الدعاية؟".
وقد رفعت الشرطة في الهند مؤخراً قضية ضد 102 حساباً على تويتر تضمنت صحفيين ونشطاء ومحامين تحدثوا ضد أعمال العنف ضد المسلمين التي اندلعت في ولاية تريبورا شمال شرق البلاد في تشرين الأول/أكتوبر. وقام القوميون الهندوس بتخريب المساجد وهاجموا منازل المسلمين، لكن شرطة تريبورا طاردت من تحدثوا ضدها واتهمتهم بالتحريض على الفتنة.
لأسابيع في نيودلهي، منع القوميون الهندوس صلاة الجمعة للمسلمين. تم تهجير المسلمين أخيراً، وتم تنظيم صلاة هندوسية كبيرة بحضور زعيم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في 5 تشرين الثاني/نوفمبر.
في هذا السياق، فإن فيلم مثل "Sooryavanshi" ليس مجرد ترفيه. بل يهدف إلى التركيز على الهجمات التي ينفذها المسلمون، متجاهلاً حلقات العنف العديدة التي ارتكبها متطرفون هندوس. يتحدث بطل الرواية كومار عن تفجيرات عام 1993 في مومباي، لكنه يتجاهل المذبحة ضد المسلمين عام 1992 التي سبقتها. إنه يتجاهل أعمال الشغب في غوجارات عام 2002، وتفجيرات ماليجاون عام 2006 التي قتلت مسلمين بعد صلاة الجمعة، وتفجيرات ماليجاون عام 2008، والتي تورط فيها ضباط متقاعدون في الجيش الهندي.
ورأت الصحيفة أنه "من المخيب للآمال أن الفيلم من إنتاج كاران جوهر، وهو مخرج مرموق صنع فيلماً بعنوان "My Name Is Khan". تناول في هذا الفيلم شيطنة المسلمين بعد 11 سبتمبر. لكن هذا كان قبل مودي".
"Sooryavanshi" أمر خطير، وفق "واشنطن بوست"، فإنه و"بعد مشاهدته من المستحيل عدم التفكير في ألمانيا النازية، حيث أقام هتلر صناعة سينمائية كانت تطيعه وتصنع أفلاماً دعائية ضد اليهود. في عالم عاقل، يجب على الممثلين والمخرجين والمنتجين من جميع أنحاء العالم إدانة صناعة السينما في الهند بسبب رهابها من الإسلام. إذا استمرت بوليوود في هذا الانحدار العدواني إلى القومية والكراهية فسوف تلطخ يديها بالدماء. ولن تتمكن أرقام شباك التذاكر من تغيير ذلك".
وفي الهند، تقوم حكومة مودي بملاحقة المنظمات والمعاهد الإسلامية، ويتم النظر لكل قائد مسلم في الهند أو مسؤول عن منظمة وكأنه يدير منظمة إرهابية ممولة من باكستان.
بداية ترويج الاسلاموفوبيا في الأفلام الهندية
كانت بداية معالجة بوليوود لقضية الجهاد انطلقت مع فيلم Roja "1992"، حيث مثل الفيلم الصراع بين الضحية الوطني والجهادي الارهابي وقد فتح هذا الفيلم الباب أمام مجموعة من الأفلام مثل Pukar "2000"، visa "2000" و " Mission Kashmir" "2000" وكذلك فيلم Border "1997"، وجميع هذه الأفلام ركزت على العلاقة بين كشمير، باكستان والمسلمين وكان المجرمون يرددون شعارات طنانة تجاه الهند ويدافعون عن قضية كشمير ويحاربون لأجلها وكانت أشكالهم ملتحية يرتدون ملابس اسلامية تقليدية ويضعون الكوفية على أكتافهم، وكان هؤلاء يصورون وعيونهم حمراء لها لون الدم ويسيطر عليهم غضب مجنون، وكان الأشخاص السيئين في الفيلم يرتدون عباءة اسلامية أو ثياب رجل دين اسلامي وكانوا ينطقون في البداية بضع كلمات عربية ثم يعبرون عن رغبتهم في تدمير الهند.
في 18 يناير 2020م أثار فيلم بوليوودي جديد يُعرض على شاشات السينما حول العالم، جدلًا كبيرًا في الهند؛ خصوصًا أنه يتزامن مع الحملة الدعائية التي أطلقها حزب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي؛ للتخفيف من وطأة التعديلات الدستورية التي أدخلتها الحكومة على قانون التجنيس، والتي تستهدف المسلمين، وتعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية.
حيث دارت أحداث فيلم "تاناجي.. المحارب المجهول" في القرن السابع عشر، وهو يستند إلى حياة المحارب المجهول في التاريخ الهندي والقائد العسكري في إمبراطورية مارثا في الهند تانهاجي مالوساري، والذي حارب إلى جانب الزعيم الهندي مارثا شيفاجي مهراج، في معارك مختلفة على مر السنين، وكان بمثابة ذراعه اليمنى، قبل أن يلقى حتفه على يد أحد القادة المسلمين في معركة سينهاجاد في 4 فبراير 1670م.
وقد وجه كثيرون في الهند، بينهم نقاد، أصابع الاتهام إلى هذا الفيلم؛ كونه هو الأحدث في سلسلة من “الأفلام المعادية للإسلام”، أو التي تعاني "فوبيا الإسلام"، والتي وجدت في حاضنة بوليوود مرتعًا لها خلال السنوات الأخيرة.
وجاء توقيت الفيلم بعد عام واحد فقط على فيلم سنجاي ليلا بهنسالي "بادمفات"، والذي تحدث عن قائد دموي مسلم يُدعى علاء الدين خلجي، وكان كما صوره الفيلم قائدًا سفاحًا، سفك كثيرًا من الدماء في سبيل توسيع إمبراطوريته إلى جنوب الهند، وهو ما تجلَّى مجددًا في هذا الفيلم عبر شخصية القائد المسلم عديباهان راثور.
حيث يسعي الفيلم لتكريس صورة نمطية عن المسلمين في تلك الفترة، والتي تجلَّت بوضوح في الدور الذي قدمه النجم سيف علي خان؛ فشخصية القائد المسلم في هذا الفيلم، حسب النقاد، روَّجت لصورة المسلمين المتوحشين آكلي اللحوم المتعطشين إلى الدماء، في أحد مشاهد الفيلم.
ففي الفيلم مظاهر وحشية عن المسلمين مثل تصوير قائد مسلم وهو يعذب شخصاً، بينما يظهر وهو يعضّ قطعة من لحم تمساح يُشوى على نار هادئة، بغرض إبراز صفاته "الحيوانية".
كما تتسع مخيلة الكاتب ليُدخل قصصًا فرعية لم ترِد في كتب التاريخ، حسب النقاد؛ أبرزها إقدامه على سجن أميرة مغولية لم تقبل به زوجًا، بسبب أصول والدته، فما كان منه إلا أن أقدم على قتل والدته بدم بارد، وخطف تلك الأميرة وسجنها؛ حتى تتنازل وتقبل الزواج به.