الوقت - على عكس ما يشاع والأخبار التي تم تداولها خلال الأسابيع الماضية، فقد تراجع في الأيام الأخيرة مستوى تقدم طالبان السريع وأخبار السقوط المتعاقب لمختلف المدن، واتجهت معظم الأنباء الآن نحو اجتماع السلام ودعوة طالبان للتفاوض مع الحكومة المركزية. ورغم ذلك، حملت حكومة كابول بقيادة أشرف غني خلال الأيام الأخيرة الولايات المتحدة وباكستان مسؤولية الوضع الراهن. كما يتابع الروس التطورات في أفغانستان بقلق أكبر من أي وقت مضى، وفي الوقت نفسه تُعقد جولة جديدة من اجتماع الدوحة.
مجموع هذه الأحداث يشير إلى أن التطورات في أفغانستان تسير في اتجاه مختلف عن التطورات الأخيرة، فمن المرجح أن نشهد في المستقبل القريب مفاوضات مكثفة بين الحكومة وطالبان.
العودة إلى محادثات الدوحة
عقب انحسار تقدم حركة طالبان السريع، عُقد اجتماع بين الحكومة وقادة طالبان مرة أخرى يوم (السبت) في الدوحة. فقد أفادت وسائل إعلام أفغانية ببدء محادثات بين وفد من جمهورية أفغانستان الإسلامية وحركة طالبان في قطر.
وعقدت المحادثات في الدوحة لمدة يومين. ففي السياق غرد المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان في قطر "محمد نعيم"، قائلا ان المحادثات بين وفود الحكومة الأفغانية وطالبان قد بدأت في الدوحة. ويرأس وفد طالبان ملا عبد الغني بردار المساعد السياسي للحركة.
كما توجه الوفد الأفغاني برئاسة عبد الله عبد الله رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، يوم الجمعة إلى العاصمة القطرية "الدوحة". وقبل مغادرته إلى الدوحة، قال عبد الله في مؤتمر صحفي إن الوفد ذاهب إلى الدوحة بصلاحيات مطلقة وإنه يأمل في اختتام محادثات الوفد مع طالبان أن يصل إلى اتفاق.
إضافة إلى اجتماع الدوحة، أفادت وكالة أنباء فارس بأن قمة مهمة ستعقد قريباً وتستضيفها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث سيجتمع مسؤولو الحكومة الأفغانية وكافة المجموعات المحلية من أجل ارساء السلام.
غضب أشرف غني من إسلام أباد
في خضم التطورات في أفغانستان وتأزم المشهد الميداني، قال الرئيس الأفغاني أشرف غني إن باكستان هي سبب الوضع الحالي. ففي الواقع أن "أشرف غني" أكد خلال المؤتمر الدولي الذي حمل عنوان " آسيا الوسطى والجنوبية؛ الترابط الاقليمي، الفرص والتحديات" في طشقند أن المنظمات والشبكات الموالية لطالبان في باكستان تحتفل علناً بتدمير أفغانستان وعلى عكس التأكيدات المتكررة لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان وجنرالاته في الجيش تحتفل الشبكات والمنظمات الموالية لطالبان في باكستان بتدمير مقدرات شعب أفغانستان وحكومته.
وأوضح الرئيس الأفغاني، أن مسؤولين باكستانيين قد صرحوا في السابق إنهم لا يعتبرون هيمنة طالبان في أفغانستان يصب في مصلحتهم بل يستخدمون نفوذهم لدفع هذه الحركة إلى طاولة المفاوضات. كما انتقد باكستان لدعمها لطالبان، قائلا إنه وفقا للتقارير، دخل نحو 10 آلاف من عناصر طالبان الى أفغانستان مؤخرا قادمين من باكستان ومناطق أخرى.
الروس قلقون من انتشار التطرف على الحدود الداخلية
تعتبر روسيا إحدى الجهات الفاعلة التي تتابع بجدية واهتمام خاصين التطورات في أفغانستان حيث يعلنون رفضهم للوضع الحالي ويشعرون بقلق عميق من انتشار التطرف على حدودهم. و السبب في ذلك وجود منطقة الحكم الذاتي الشيشانية على الحدود الروسية.
وفي هذا الصدد، نرى أن روسيا وخمس دول من آسيا الوسطى دعت في بيان مشترك إلى بدء المحادثات بين كابول وطالبان. هذا وقد صدر البيان خلال اجتماع بين وزراء خارجية روسيا وخمس دول من آسيا الوسطى، من بينها كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، ووزعته وزارة الخارجية الروسية.
حيث قال البيان إننا نأمل في إجراء محادثات بناءة بين الحكومة الأفغانية وطالبان من أجل إيجاد نهج متفق عليه لإنهاء الحرب المستمرة منذ سنوات وتحويل أفغانستان إلى دولة مستقلة يسودها السلام.
كما هناك تقارير تفيد بأن موسكو تخطط لبناء نقطة تفتيش حدودية جديدة على الحدود الطاجيكية الأفغانية. حيث قال المبعوث الروسي الخاص إلى أفغانستان "ضمير كابلوف"، إن موسكو تخطط لبناء نقطة تفتيش حدودية جديدة على الحدود الطاجيكية الأفغانية. ولم يكشف عن موقع البناء وتكلفة بناء هذا المركز الحدودي. وكان كابلوف قد قال في وقت سابق إن طالبان أكدت لموسكو على أعلى المستويات أنها لن تستخدم الأراضي الأفغانية ضد مصالح دول ثالثة، بما في ذلك روسيا وآسيا الوسطى.
واشنطن تسعى لنقل حلفائها الأفغان إلى أمريكا
وعلى صعيد آخر، نقل موقع إن بي سي نيوز عن ثلاثة مسؤولين بالحكومة الأمريكية قولهم إن بلادهم تخطط لنقل حوالي 2500 مواطن أفغاني عملوا لحساب الحكومة الأمريكية مباشرة إلى الولايات المتحدة. وسيتم نقل مجموعة أكبر من الأفغان إلى دول ثالثة أو أجنبية لتشكيل القواعد العسكرية.
وأضاف: "بعد وقت قصير من وصولهم واستكمال عملية الفحص الطبي الإجباري، ستتغير حالة إعادة توطينهم حتى تتوفر لديهم شروط الحصول على مزايا اللجوء التي ستساعدهم وأسرهم في عملية إعادة التوطين".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية إن عشرة آلاف آخرين قيد التحقق من سجلهم سينقلون إلى قاعدة عسكرية أمريكية في الخارج أو إلى دولة ثالثة، حيث سيتم إيواؤهم حتى اكتمال عملية نقلهم.
طالبان والاستعراض غير الواقعي للقوة العسكرية
تظهر التطورات الأخيرة في أفغانستان، كما كان الحال خلال مرحلة ظهور داعش، كيف تستخدم طالبان الإعلام والاستعراض السياسي لتحقيق انتصارات سياسية متجاوزة ما يحدث على الأرض.
فقد أعلنت الحكومة الأفغانية أن القوات الأفغانية استعادت السيطرة على العديد من المناطق التي سقطت في أيدي مقاتلي طالبان. وفي هذا الصدد أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية أن القوات الأفغانية استعادت سيطرتها على مدينتي سسغان وكهمرد في ولاية باميان ومدينة تشخانسور في ولاية نيمروز خلال الـ24 ساعة الماضية. وحتى الآن وبعد تباطؤ تقدم طالبان ، يطرح سؤال حول ما إذا كانت طالبان تمتلك بالفعل القوة العسكرية التي تستعرضها وما هو سبب سقوط العديد من المدن في أفغانستان.
وفي هذا الصدد أجابت وكالة أنباء دويتشه فيله على هذا السؤال في تقرير لها وكتبت أن مناطق أو مدن أفغانستان منتشرة في محافظة ذات مسافات مترامية الاطراف. ولهذا السبب، يصعب على الحكومة المركزية تجهيزها ودعمها. وفي الواقع، الاستيلاء على مقر الحاكم في مدينة يعني بالضرورة الاستيلاء على تلك المدينة.
وتشير الوكالة أيضاً إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أوضح أنه يعتقد أن القيادة الأفغانية نفسها لديها القدرة على حماية الحكومة المركزية. وهذا ما أكده" أشرف غني" ومسؤولون عسكريون أفغان. حيث نقلت قناة طلوع الإخبارية عن الرئيس الأفغاني قوله إن "ظهر طالبان سوف ينكسر وستستعيد القوات الحكومية جميع المناطق قريباً".
في الحقيقة، على الرغم من أن جنود الجيش الأفغاني ذوي التدريب المتدني والقدرات المحدودة غالباً ما يكونون غير قادرين على مهاجمة المتمردين في المدن، لكن لم تكن طالبان قادرة على السيطرة حتى على مركز مدينة واحد خلال عقدين من الزمن. والاستثناء الوحيد هو سقوط قندوز والسيطرة عليها لمدة ثلاثة أيام في عام 2015. فعلى الرغم من أن مثل هذه السيطرة كانت امتيازاً كبيراً للمتمردين بعد 14 عاماً من الحرب، إلا أن المدينة سقطت بعد ثلاثة أيام في أيدي القوات الحكومية الأفغانية. اذ تعتمد آلة الحرب التابعة للحكومة الأفغانية بشكل كبير على قوات الكوماندوز والقوات الجوية في البلاد. حيث تتكون الكوماندوز أو قوة النخبة من رجال ونساء مدربون جيداً ولديهم قدرات عسكرية أفضل. وربما يثق بايدن وغني في هذه القوات التي تنتقل باستمرار بين أجزاء أفغانستان لاستعادة المدن التي سقطت.