الوقت- بعد أيام على الجدل التي أثارته قضية زعيم جبهة "البوليساريو"، إبراهيم غالي، وإنهاء المحكمة الإسبانية العليا جدل موعد مثوله أمامها، إثر دعوى رفعها ضده أحد المنشقين عن الجبهة، وتأكيد وجود زعيمها على الأراضي الإسبانيّة، قالت وزارة الخارجية المغربيّة في بيان شديد اللهجة، إنّ قرار السلطات الإسبانيّة بعدم إبلاغ الرباط بقدوم زعيم جبهة البوليساريو هو "فعل يقوم على سبق الإصرار وليس مجرد إغفال بسيط، وهو قرار سيادي وخيار إراديّ لمدريد، متحدثةً أنّ المغرب أخذ علماً كاملاً به وسيستخلص منه كل التبعات، وذلك في ظل توجس إسبانيّ من التطور العسكريّ المغربيّ والديناميكيّة الإيجابيّة التي شهدها ملف الإقليم الصحراويّ بعد اعتراف واشنطن غير الشرعيّ بسيادة الرباط على الأراضي التي تحتلها هناك مقابل دخولها حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع الكيان الصهيونيّ الغاصب.
أثارت قضية استقبال إسبانيا لإبراهيم غالي على أراضيها غضب المغرب بشكل كبير، لأنّ سلطات البلاد تخوض نزاعاً مع ما تعرف بـ "جبهة البوليساريو" على الإقليم الصحراويّ، وتحاول الرباط بكل ما أوتيت من قوة تطبيق مبادرة الحكم الذاتيّ للإقليم الصحراويّ ولكن تحت سيادتها، فيما تُصر جبهة البوليساريو على رفض الخطة المغربيّة الراميّة للسيطرة على أراضيهم، فيما تعتبر الأمم المتحدة جبهة البوليساريو الممثل الشرعيّ الوحيد للشعب الصحراويّ، وتطالب السلطات المغربية بضرورة ترك حق تقرير المصير للصحراويين أنفسهم.
واليوم يبدو أنّ مدريد وضعت العصي في دواليب المساعي المغربيّة للسيطرة على كامل الإقليم الصحراويّ بعد التطبيع مع الصهاينة والحصول على الضوء الأخضر الأمريكيّ، حيث يشهد الإقليم الصحراويّ نزاعاً بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ العام 1975، وذلك بعد انتهاء فترة وجود الاحتلال الإسبانيّ في المنطقة، ليتحول إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991 واستمرت لمدة 16 عاماً، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة، وتطالب الجبهة باستفتاء عادل يقرر مصيرهم وتعتبره السيناريو الأمثل لحل الأزمة التاريخيّة، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي عشرات آلاف اللاجئين من منطقة الصحراء الغربيّة.
وفي هذا الخصوص، اعتبرت الرباط أنّ تصريحات المسؤولين الإسبان تبرر هذا الفعل الذي وصفته بـ "الخطير" والمخالف لروح الشراكة وحسن الجوار، مؤكّدة أنّ "الاعتبارات الإنسانيّة لا تبرر المناورات التي يتم القيام بها من قبل شريك وجار"، في الوقت الذي أشار فيه تقرير لمعهد الأمن والثقافة الإسبانيّ إلى أن خطط المغرب لإعادة التسلح إلى جانب اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء "تمثل تحدياً لوحدة الأراضي الإسبانيّة وللمصالح الاقتصادية الأوروبيّة".
وبحسب التقرير الذي حمل عنوان: "المغرب وجبل طارق والتهديد العسكريّ لإسبانيا"، فإن اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربيّة على الإقليم الصحراويّ "يقوض النفوذ الذي تحتفظ به إسبانيا وفرنسا على المنطقة المغاربيّة"، ويعزز دور إدارة بايدن في المنطقة والموقف المغربيّ "في التنافس الذي يحافظ عليه مع الاتحاد الأوروبيّ لاستغلال مياه الصحراء التي تُعد منطقة غنيّة بالمعادن مثل التيلوريوم أو الكوبالت أو الرصاص".
وبالتالي، فإنّ الضغط الإسبانيّ على الرباط ينبع من مخاوف مدريد إزاء طموح "التوسع الإقليميّ للمغرب"، وخاصة عقب تصريح رئيس الحكومة المغربيّ، سعد الدين العثماني، الذي عبر فيه عن طرح ملف سبتة ومليلية المحتلتين من إسبانيا بعد حل نزاع الصحراء الذي يحظى بالأولوية حاليّاً، وقد تحدث التقرير الإسبانيّ عن المنافع الاقتصاديّة التي سيجنيها المغرب من اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء، منوهاً بأنّ المشروع العملاق لإنشاء خط أنابيب غاز يربط نيجيريا بالمغرب وأوروبا، وهذا الخط لا بد أن يمر بالضرورة عبر الصحراء الغربيّة التي تسيطر الرباط على حوالي 80% من أراضيها عقب انسحاب موريتانيا من الصحراء الغربية عام 1979، وتبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع.
إذن، يكشف الإعلام الإسبانيّ حجم القلق البلاد من خطط المغرب المتعلقة بالتفوق العسكريّ الإقليميّ والذي يضع ضمن أهدافه كسر النفوذ الجزائريّ في المنطقة اقتصادياًّ وعسكريّاً بالاستناد إلى دعم واشنطن والرياض، وإنّ ما ذكره معهد الأمن والثقافة الإسبانيّ حول أنّ الجيش المغربيّ تطور عسكريّاً في السنوات الأخيرة بعد حصوله على موارد ماديّة مكنته من تنويع مصادر التزود بالأسلحة، إضافة إلى زيادة كبيرة في ترسانته الحربيّة، خير دليل على ذلك، وخاصة أنّ تقرير المعهد حذر الحكومة الإسبانيّة من سباق التسلح المغربيّ، لأنّه يولد عدم استقرار استراتيجيّ على المديين القصير والمتوسط في شمال إفريقيا، كما أنّ إحكام السيطرة على الصحراء الغربيّة يمكن أن يمثل على المدى الطويل، تحدياً لوحدة أراضي إسبانيا، ما يعني أن العلاقات بين البلدين تتجه بشكل كبير نحو الهاوية.