الوقت - قبل حوالي ثلاثة أسابيع، دعت أوكرانيا إلى إرسال مزيد من القوات على الحدود الشرقية، زاعمةً أن العديد من جنودها قد قتلوا على أيدي مسلحين مؤيدين للاستقلال وموالين لروسيا في الشرق.
وفي وقت سابق، قال مسؤولون بالإدارة الأمريكية، بمن فيهم جو بايدن، إن واشنطن لن تقبل أبدًا ما أسمته "غزوًا روسيًا لأوكرانيا" وضم شبه جزيرة القرم.
وفي محادثات مع نظرائهما الأوكرانيين، أكد وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكين" و وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستن" التزامهما بدعم وحدة أراضي أوكرانيا وتعزيز وجودها العسكري ضد روسيا. کما أعلنت الولايات المتحدة في وقت لاحق أنها ستقدم 125 مليون دولار كمساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا.
وبعد انتشار تقارير متفرقة عن الصراع بين الجمهوريتين المعلنتين من جانب واحد في شرق أوكرانيا وكييف، زعمت أوكرانيا حشد الآلاف من القوات الروسية على حدودها الشمالية والشرقية، وكذلك في شبه جزيرة القرم.
ورداً على ذلك، لم تستبعد روسيا وجود قواتها في المناطق الحدودية الأوكرانية، لكنها قالت إن وجودها العسكري لا يمثل تهديدًا لأحد، وإنه دفاعي نظرًا لتحركات الناتو.
في الوقت نفسه، أفادت مصادر إخبارية بنشر طائرات عسكرية أمريكية في أوكرانيا. كما أعلن الجيش الأوكراني أنه سيجري تدريبات مشتركة مع قوات الناتو في المستقبل القريب.
وذكر بيان للجيش الأوكراني أن التدريبات ستتبع على وجه الخصوص إجراءات دفاعية، يتبعها هجوم لاستعادة حدود البلاد وسلامة أراضيها، والتي تعرضت لهجوم من قبل إحدى الدول المجاورة المعادية.
وکان ذلك في حين أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف کان قد حذَّر من أن أي محاولة جديدة لشن حرب في منطقة دونباس، قد تؤدي إلى تدمير أوكرانيا.
وقال الكرملين أيضًا إن أي نشر لقوات الناتو في أوكرانيا سيؤدي إلى مزيد من التوترات بالقرب من حدود روسيا، ويجبر موسكو على اتخاذ مزيد من الخطوات لضمان أمنها.
الدور التركي
من المثير للاهتمام أن تركيا نشطة في هذا النزاع الحدودي. تتابع تركيا علاقاتها مع أوكرانيا وتعاونها مع هذا البلد أكثر من ذي قبل، لأن أوكرانيا ليست جارةً لتركيا فحسب، بل هي أيضًا مكان تواجد قوى مختلفة، وهذا هو المكان الذي تلعب فيه أنقرة دورها القديم كوسيط وعامل في التوزان بمهارة، أو بالأحرى قوة إقليمية تحلم بأن تصبح قوةً عالميةً.
لكن تركيا لديها عدة أهداف رئيسية في الصراع بين أوكرانيا وروسيا:
1. الهدف الأول والأهم هو لفت انتباه أمريكا. لقد كلَّف ضم شبه جزيرة القرم وصعود قوة روسيا في الجبهة الشرقية الولايات المتحدة وأوروبا ثمناً باهظاً، وهم يبحثون عن طريقة للحفاظ على سمعتهم وخلق المأزق لموسكو.
وتركيا التي تری الأجواء مواتيةً لها، تحاول الاقتراب من الغربيين من خلال الاقتراب من الحكومة الأوكرانية، وإيجاد طريقة لإقامة علاقة أوثق مع البيت الأبيض وإدارته الجديدة. کما کان غضب فريق البيت الأبيض السابق ضد أردوغان وحكومته مکلفاً للحكومة التركية، ولعبت تركيا دورًا سلبيًا على مدار السنوات الأربع الماضية.
لكن مع تولي بايدن منصبه، يحاول أردوغان الحصول على دعم فريق البيت الأبيض الجديد في علاقاته الخارجية، من خلال استرعاء انتباه الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى، فإن قضية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي معلقة عمليًا، وهذا الابتعاد عن الاتحاد الأوروبي يثقل کاهل أردوغان، وتحاول أنقرة استعادة الدعم الغربي لها من خلال العمل مع بروكسل وواشنطن.
2. القضية الثانية هي مبيعات السلاح. بعد بيع الطائرات بدون طيار بنجاح للمتمردين السوريين وكذلك ليبيا، تواجه تركيا الآن السوق الأوكرانية. کما أن تجربة تركيا مع الطائرات بدون طيار والحرب الإلكترونية في هزيمة المعدات العسكرية الروسية واستعادة الأراضي المحتلة في جمهورية أذربيجان، شجعت أوكرانيا على مواجهة روسيا.
کذلك، أعربت أوكرانيا عن اهتمامها بالتعاون مع تركيا في إنتاج طائرات أنتونوف، وفي العام الماضي زارت وفود من البلدين صناعات الطيران في البلدين. ولعل هذا الدعم سيكون فعالاً في تعميق العلاقات العسكرية بين البلدين.
3. المزيد من المقاومة ضد روسيا هي قضية مهمة أخرى تسعى تركيا إلى تحقيقها لدورها النشط في هذا النزاع الحدودي. لقد واجهت تركيا وروسيا تضارب المصالح في العديد من المناطق المتنازع عليها في السنوات الأخيرة.
في سوريا علی سبيل المثال، نرى أن الدعم الروسي لبشار الأسد يتعرض لانتقادات من قبل أنقرة، كما أدى الصراع في ناغورنو كاراباخ إلى إثارة التوترات بين البلدين. إن الوقوف إلى جانب أوروبا والولايات المتحدة في النزاع الحدودي بين أوكرانيا وروسيا، قد يرفع من ثقل كييف ويؤدي إلى انتصار آخر لأنقرة.
4. الفوائد الاقتصادية نقطة أخری يجب الإشارة إليها. القرم هي نقطة عبور خطوط الطاقة الروسية إلى أوروبا، وقد يؤثر انعدام الأمن في هذه المنطقة وحتى المسار التآكلي للحرب على الحدود الروسية الأوكرانية، على کيفية نقل الطاقة الروسية إلى أوروبا.
ونجاح تركيا في إنشاء مركز عبور الطاقة من جمهورية أذربيجان إلى أوروبا عبر أراضيها، يتطلب أن يصبح المنافسون في السوق الأوروبية أضعف يومًا بعد يوم.
5. والقضية الأخرى الجديرة بالملاحظة هي زيادة مستوى الدور التركي في البحر الأبيض المتوسط. لتركيا مصالح كبيرة في البحر الأبيض المتوسط، ونزاعاتها مع اليونان بشأن الجزر المتنازع عليها تتطلب أن تكون تركيا أكثر انحيازًا لأوكرانيا، من أجل زيادة هيمنة أنقرة في البحر الأبيض المتوسط.
أهمية أوكرانيا بالنسبة لتركيا
إن التعاون بين تركيا وأوكرانيا ليس مربحًا لكلا البلدين من حيث الطاقة والاقتصاد فقط، ولكنه يزيد أيضًا من القوة العسكرية والسياسية لكييف وأنقرة ضد روسيا، التي تعزز بقوة موقعها العسكري في البحر الأسود.
کما أن زيادة واستدامة الوجود الروسي في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، تتطلبان وجودها في البحر الأسود. ومن المتوقع أن تواصل تركيا علاقاتها مع أوكرانيا وتعاونها معها أكثر من أي وقت مضى، من أجل تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه.