الوقت- في الوقت الذي يعتبر فيه الأمن الغذائي من أبرز وأهم التحديات في الوطن العربي، على الرغم من توفر كافة الموارد الطبيعيّة من الأرض والمياه والموارد البشريّة، فإن الزراعة في العالم العربيّ لم تحقق الزيادة المستهدفة في الإنتاج لمقابلة الطلب على الأغذيّة، واتسعت الفجوة الغذائية وأصبحت الدول العربيّة تستورد حوالي نصف احتياجاتها من السلع الغذائية الرئيسيّة، ومؤخراً وفي ظل أيام شهر رمضان المبارك، ذكرت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانيّة، أنّه بينما بدأ موسم الولائم الضخمة في رمضان لدى بعض الأسر، يضرب الجوع 64 مليون شخص في 12 دولة عربيّة، أبرزها سوريا واليمن ولبنان، فيما يقدر برنامج الغذاء العالميّ التابع لمنظمة الأمم المتحدة أنّ حوالي مليار شخص حول العالم ليس لديهم ما يكفي من الغذاء ليعيشوا حياة صحيّة، وأنّ حوالي 64 مليوناً منهم منتشرون في 12 دولة عربيّة، فالحروب والأزمات الاقتصادية فرضت الجوع كحقيقة مزمنة في حياة البعض، وحتى الحكومات المستقرة قلقة بشأن تأثيرات ارتفاع أسعار المواد الغذائيّة عالميّاً.
وهذا يعني أنّ مستوى الأمن الغذائي ينخفض بشكل أكبر، وبالتالي فإنّ توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة سيصبح أصعب في ظل الظروف العالميّة والعربيّة، وعدم قدرة بعض الدول العربية على تحقيق الاكتفاء الذاتيّ باعتماد الدولة على مواردها وإمكاناتها في إنتاج احتياجاتها الغذائية محلياً، بسبب الحروب والنزاعات أو الفساد والفشل الإداريّ، ما يجعل تلك الدول أقل انسجاماً مع التحولات الاقتصاديّة الحالية على المستويين الداخليّ والخارجيّ، وما يرافقها من تحديات.
وكما نعلم فإنّ سوريا واليمن من أكثر الدول العربيّة شقاءاً في هذا الإطار، حيث يعاني حوالي نصف السكان من الجوع، ففي سوريا التي دخلت حربها عامها الحاديّ عشر، ارتفعت أسعار أهم المواد الغذائيّة الأساسيّة، المكونة من الخبز والأرز والعدس والزيت والسكر، بنسبة 222% في فبراير/ شباط الماضي مقارنة بالشهر ذاته من عام 2020 نتيجة العقوبات الأمريكيّة ضد السوريين والأزمة الاقتصاديّة في لبنان بالإضافة إلى الفساد، ناهيك عن ارتفاع أسعار المحروقات وكافة السلع، ما يعني أنّ الراتب الشهري لموظف حكوميّ عادي لا يكفي لسد رمق يوم واحد.
أما اليمن الجريح منذ سنوات طوال، فقد حذرت الأمم المتحدة مراراً من حدوث مجاعة وشيكة فيه، كما قطعت وكالات إغاثة الحصص الغذائية بسبب شح الميزانيات، وأدى نقص الوقود في كلا البلدين إلى ارتفاع أسعار كل شيء، وتحولت اللحوم والفاكهة والحلويات إلى رفاهيات بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فيما بات الخبز -أرخص مصدر للسعرات الحرارية- وجبة في حد ذاته لبعض الفقراء والمعدومين، وقد يستغرق الحصول على الخبز ساعات في طوابير طويلة، بعد أن كانت سوريا -قبل الحرب- تزرع ما يكفي من القمح لتلبية احتياجاتها، أما حاليّاً وبحسب دراسة أجرتها جامعة "هومبولت" الألمانيّة استناداً إلى بيانات الأقمار الصناعيّة، فإنّ سوريا فقدت 943 ألف هكتار من الأراضي المزروعة بين عامي 2010 و 2018، أي في انخفاض بنسبة 20% تقريباً، وتعتبر زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية لتلبية احتياجات الاستهلاك المحليّ من السلع الغذائية إحدى المقومات الرئيسة للأمن الغذائيّ.
وفي لبنان الغارق بالأزمات السياسيّة والاقتصاديّة، فإنّ الوضع ليس أفضل حالاً، حيث تسببت الأزمة المالية التي تمر بها البلاد في خسارة الليرة اللبنانيّة حوالي 90% من قيمتها، وبالمقابل ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 417% خلال العام الفائت، ورغم استيراد لبنان الكثير من المواد الغذائية، لكن المنتجات المحلية ارتفعت أسعارها بشكل جنونيّ، وفي الفترة الأخيرة، شهدت بعض المتاجر اللبنانيّة شجارات بين الناس على مواد غذائية أساسيّة مدعومة مثل زيت الطهي الذي توزعه بعض المتاجر الآن تحت حراسة مسلحة، وأسفر ذلك عن مقتل رجل في 13 أبريل/ نيسان الجاري.
يشار إلى أنّ مجموعة من العوامل والمحددات تتحكم في كميات الإنتاج الزراعيّ وحجم الفجوة الغذائيّة في الدول العربية تتمثل في قلة المساحة المزروعة وشح الموارد المائية وتدني كفاءة الريّ وقلة مساحة الأراضي المرويّة، ويعاني القطاع الزراعيّ من "فجوة تكنولوجيّة" بحسب مختصين، تتمثل في عدم تلبية مخرجات البحوث الزراعية لمتطلبات التنمية الزراعيّة، وتدني إنتاجية المحاصيل والثروة الحيوانيّة في أغلب الدول العربية التي تحتاج المناطق الزراعية فيها إلى استكمال البنى الأساسيّة والخدمات الزراعيّة وزيادة نسبة الاستثمارات المخصصة للقطاع الزراعيّ، وهذا كله ينعكس على الاقتصاد المحليّ وبالتالي على دخل الفرد وأمنه الغذائيّ.
ولا يمكن فصل قضيّة "الفجوة الغذائيّة" عن مشكلة "الأمن الغذائيّ"، من خلال كميات الإنتاج المحليّ من السلع الغذائية الرئيسية، وصافي الاستيراد منها الذي يمثل ما يعرف بالفجوة الغذائية، الناتجة عن العجز في انتاج السلع الغذائية الرئيسة، فمن أهم العوامل والمشكلات التي تعيق تحقيق الأمن الغذائي في العالم العربي، هي الخلل الكبير في إدارة المحددات الطبيعية التي تشمل الأرض والمياه، بالإضافة إلى القوى البشرية والتقنية المرتبطة بكفاءة البحوث الزراعية، والأوضاع المعيشية والخدمية في الريف ومدى كفاءة السياسات الزراعية والاستثمار، في ظل غياب شبه التام لوحدة العرب الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتنمويّة، رغم أنّ مساحة الدول العربية الإجمالية تبلغ حوالي 4.1 مليار هكتار، وتقدر مساحة الأراضي القابلة للزراعة بنحو 197 مليون هكتار، حيث تشكل المساحة المستغلة منها حوالي 5.36% فقط.
خلاصة القول، لم يغب العالم العربيّ الذي تعيش بعض دوله ثراءً فاحشاً أبداً عن خارطة الجوع العالميّة التي تكشف عنها باستمرار منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، والظاهر أنّ الجوع يزحف بقوة في البلدان العربية يوماً بعد آخر، بالأخص تلك التي أدمتها الاضطرابات السياسية والحروب، وإنّ البلدان العربية التي تستورد حوالي 60% من حاجياتها الغذائيّة ستجد صعوبات جمة دوماً في تحقيق أمنها الغذائي، وخاصة في الدول التي تعاني من عدم الاستقرار والنزاعات المسلحة كسوريا واليمن، والتي يصبح فيها تأمين الغذاء صعباً، في وقت يستحيل فيه التحكّم في الأسعار ومراقبتها.