الوقت - للسنة الخامسة على التوالي، عقد الاتحاد الأوروبي مؤتمراً حول الدعم المالي لسوريا في بروكسل يومي 29 و 30 مارس 2021.
وحضر المؤتمر ما لا يقل عن 77 وفداً، بما في ذلك من 50 دولة، و 10 منظمات إقليمية ومؤسسات مالية دولية، و 17 وكالة من وكالات الأمم المتحدة، لدراسة الجوانب الرئيسية للأزمة السورية بشکل افتراضي.
كما حضر المؤتمر ثمانية ممثلين عن المجتمع المدني من سوريا ودول أخرى في المنطقة. وعلى صعيد آخر، كان وفد أمريكي حاضر كواحد من ضيوف المؤتمر.
هذا المؤتمر، الذي يهدف ظاهرياً إلى جمع الأموال لدعم سوريا والمساعدة في تخفيف آثار الأزمة، لم يسفر عن نتائج تذكر حتى الآن، وظلَّ في أكثره لفتات إنسانية وعرضاً زائفاً للدفاع عن حقوق الإنسان.
ومع ذلك، فإن السؤال المطروح الآن هو، ما هي أهداف الاتحاد الأوروبي من عقد هذا الاجتماع للعام الخامس على التوالي؟ للإجابة على هذا السؤال، يمكننا أن نذكر ثلاثة محاور رئيسية كأهداف الاتحاد الأوروبي في الوضع الجديد.
مؤتمر شكلي مع دفاع متناقض عن حقوق الإنسان
ينعقد المؤتمر الذي يرعاه الاتحاد الأوروبي حول تقديم الدعم المالي لسوريا تحت شعار "دعم اللاجئين السوريين"، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة والأوربيون في السنوات الأخيرة هم الذين زادوا من معاناة السوريين، بفرض عقوبات اقتصادية على بلادهم.
حيث أدت العقوبات المفروضة علی سوريا في إطار خطة قيصر، وکذلك عقوبات الاتحاد الأوروبي المستقلة، إلى تفاقم الأزمة في سوريا في السنوات الأخيرة.
إضافة إلى ذلك، لم يتحقق أي تأثير ملموس حتى الآن من مؤتمر الاتحاد الأوروبي هذا، ويبدو أن الغرض الرئيس لهذه البلدان هو تقديم عرض إنساني لأنفسهم كمدافعين عن حقوق الإنسان.
ووفق الأمم المتحدة، في المؤتمر الرابع حول الدعم المالي لسوريا، الذي عقد في حزيران 2020، تعهد المشاركون بدفع 5.5 مليارات دولار لسوريا خلال العام نفسه، لكن لم تصل أي مساعدة عملياً.
في مؤتمر هذا العام، أُعلن عن تقديم أكثر من 10 مليارات دولار لسوريا، وتقرَّر إنفاق 4.2 مليارات دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية داخل سوريا، و 5.8 مليارات دولار لدعم اللاجئين السوريين في الخارج والدول المضيفة لهم في المنطقة.
لكن بالنظر إلى حجم المساعدات من الدول الحاضرة في المؤتمر، نرى في الممارسة العملية أنه لم يتم تحصيل مثل هذا المبلغ فحسب، بل إن إنفاق هذا المبلغ أيضاً في هالة من الغموض.
ووفق التقارير الصادرة بعد الاجتماع، تعهدت ألمانيا بتقديم 1.74 مليار يورو، والولايات المتحدة بتقديم 596 مليون دولار، والاتحاد الأوروبي بمبلغ 560 مليون دولار، وقطر 100 مليون دولار، والإمارات تعهدت بتقديم 30 مليون دولار من التمويل.
ويبدو أن مجموع هذه التعهدات أقل بكثير من 10 مليارات يورو التي تم الإعلان عنها كهدف للمؤتمر.
ومع ذلك، فإن الدول الأوروبية والولايات المتحدة، التي زادت معاناة المواطنين السوريين بفرض عقوباتها، تعد بتقديم مساعدات مالية من ناحية، ومن ناحية أخرى تصوِّر أنفسها مدافعين عن حقوق الإنسان، معلنةً أن المساعدات ستصل إلى 5.6 ملايين لاجئ سوري في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر.
مؤتمر سياسي لانتزاع الشرعية من بشار الأسد
في الظاهر، تظهر الدول الأوروبية والولايات المتحدة أن هدفها من عقد المؤتمر حول الدعم المالي لسوريا هو هدف إنساني واقتصادي، ولكن بإلقاء نظرة فاحصة، يمكن تقييم هذا المؤتمر على أن له أهدافاً سياسيةً.
في السنوات الأخيرة، أعربت الدول الغربية عن قلقها العميق بشأن التقدم الذي أحرزته الحكومة المركزية وإدراك المواطنين السوريين لطبيعة الجماعات الإرهابية التي يدعمونها في سوريا؛ لأنهم يدركون بوضوح أن شرعية وشعبية بشار الأسد بين المواطنين السوريين تتزايد بشكل کبير.
وفي مثل هذه الظروف، يمكن تحليل هدف الاتحاد الأوروبي من عقد هذا المؤتمر حول الدعم المالي لسوريا، على أنه آخر محاولة من الغرب لانتزاع الشرعية من دمشق، وتمهيد الطريق للإطاحة بشار الأسد من السلطة.
محاولة خلق العقبات أمام القوى الشرقية
في السياق الحالي للتطورات في غرب آسيا، أثيرت قضية التأثير الاستراتيجي للصين وروسيا في المنطقة أكثر من أي وقت مضى.
لقد أبدت روسيا عبر انخراطها في الأزمة السورية منذ عام 2015، والصين من خلال إطلاقها لخطة "حزام واحد-طريق واحد"، اهتمامًا كبيرًا بوجودهما الجاد غرب آسيا.
في المقابل، تشعر الدول الأوروبية والولايات المتحدة بقلق عميق بشأن تأثير هذين الخصمين القويين على مستوى العالم وفي منطقة غرب آسيا.
لذلك، من خلال عقد مؤتمر الدعم الاقتصادي لسوريا، يبدو أنهم يحاولون منع القوتين الشرقيتين من التأثير على دمشق، من خلال خلق منصة لتأسيس الحكومة التابعة لهم في سوريا المستقبل.