الوقت- نشطت تركيا في أفغانستان منذ بعض الوقت بعد تغيير الموقف الأمريكي في المفاوضات مع طالبان وتدخلت في دول قريبة منها في المنطقة حتى تصل هذه المفاوضات إلى نتيجة. وفي هذا الصدد، من المقرر عقد قمة اسطنبول في تركيا في أقل من أسبوعين بهدف متابعة محادثات السلام في أفغانستان.
حيث تم اقتراح عقد قمة اسطنبول من قبل وزارة الخارجية الأمريكية وقدم زلماي خليل زاد، نيابة عن الخارجية الأمريكية، هذه الخطة الجديدة إلى السلطات الأفغانية لما يسمى خروج أفغانستان من الوضع الحالي، حتى يتمكنوا من التعبير عن آرائهم بشأنها في أسرع وقت ممكن.
من ناحية أخرى، أعربت الحكومة الأفغانية، التي عارضت في السابق بشدة عقد مؤتمر سلام في تركيا وتشكيل حكومة مؤقتة، عن استعدادها للحضور، وقال حمد الله محب مستشار الأمن القومي الأفغاني في مؤتمر صحفي في العاصمة كابل إن الحكومة ستحضر الاجتماعات في تركيا وموسكو.
والسؤال الذي يطرح نفسه.. لماذا حولت امريكا مسار القمة من الدوحة الى اسطنبول؟
فشل محادثات الدوحة: الاجتماع المرتقب في اسطنبول هو خطة أمريكية قدمتها حكومة بايدن. على مدى الأشهر القليلة الماضية، استمرت محادثات السلام الأمريكية والمحادثات مع طالبان من ناحية وحكومة كابول وطالبان من ناحية أخرى في الدوحة في إطار خطة ترامب للسلام على الرغم من أن اجتماعات الدوحة كانت غير مثمرة حتى الآن. لذلك فإن الخطة الأمريكية الجديدة لعقد قمة سلام أفغانية في اسطنبول بتركيا تشير إلى فشل قمة الدوحة المستمرة منذ أكثر من عام.
ومن ناحية أخرى، لم تكن إدارة بايدن، منذ بداية فعاليتها، سعيدة للغاية لمتابعة محادثات السلام على أساس خطة الرئيس الأمريكي الأسبق في الدوحة، وأعلنت في عدة مناسبات عن مراجعتها واعادة النظر في خطة صلح ترامب وطالبان للسلام.
في الواقع، بموجب خطة ترامب، تعهدت امريكا بسحب قواتها من أفغانستان في جدول زمني قصير الأجل، لكن إدارة بايدن الديمقراطية تعارض انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وبالتالي تعتبر خطة ترامب السابقة مع طالبان غير مكتملة. بمعنى آخر، تسعى إدارة بايدن إلى انتهاك اتفاق ترامب مع طالبان ومواصلة وجودها العسكري في أفغانستان، وبالتالي اقترحت عقد اجتماع في اسطنبول لاستئناف جولة جديدة من محادثات السلام الأفغانية على أساس أهدافها المقصودة للحلول دون مغادرتها لأفغانستان. ويمكن وصف اجتماع اسطنبول بأنه اعتراف بفشل مفاوضات الإدارة الأمريكية السابقة مع طالبان في قطر.
لعب امريكا ببطاقة أفغانستان: يلعب الأمريكيون بورقة أفغانستان أينما يريدون. ومن المثير للاهتمام أنه في السنوات الأخيرة، لم تكن تركيا لاعباً فاعلاً وحاسماً في التطورات في أفغانستان، لكنها استضافت الآن أحد أهم اجتماعات السلام في أفغانستان بناءً على اقتراح من امريكا. في الواقع، من خلال التأكيد على عقد قمة سلام أفغانية جديدة في تركيا، حاولت امريكا إدخال تركيا في لعبة الساحة الأفغانية من أجل منح الأتراك ميزة مهمة.
تتمتع إدارة أردوغان بعلاقات باردة وبعيدة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، والآن تحاول إدارة بايدن خلق ساحة لعب للأتراك في أفغانستان، بدلاً من التنافس مع الحلفاء الغربيين والأوروبيين في البحر الأبيض المتوسط، في آسيا الوسطى والتي تعد كفناء خلفي لروسيا. حيث إن وجود تركيا في آسيا الوسطى والمنافسة مع روسيا هما الشرطان اللذان يرغب فيهما قادة الولايات المتحدة، وتعد أفغانستان فرصة جيدة لتركيا للعب دور أكثر بروزا وجدية في تطورات آسيا الوسطى في التنافس مع روسيا.
قمة اسطنبول المتزلزلة: في الوقت نفسه لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أن قمة اسطنبول التي لم تبدأ بعد، متزلزلة وفي الحقيقة هذه القمة مجهولة المصير.
الانتقاد الأول لاجتماع اسطنبول وجهه أحمد ولي مسعود، السفير الأفغاني السابق لدى المملكة المتحدة والرئيس الحالي لمؤسسة أحمد شاه مسعود، الذي وصف الاجتماع بالمهم، لكنه قال: "للأسف، في رسالة وزارة الخارجية الامريكية تم ذكر طالبان والسيد غني فقط كاطراف في المحدثات في اسطنبول ولم يتم ذكر الجماعات الأخرى في البلاد، وكذلك الطرف الرئيس في الصراع اي المقاومة الوطنية.
هذه الملاحظة التي أدلى بها أحمد ولي مسعود تظهر مدى هشاشة وعدم توازن القمة الأمريكية في اسطنبول، لأن الأمريكيين لم يأخذوا في الاعتبار دور وموقف جميع المجموعات العرقية والجماعات السياسية في هذه القمة.
ومن ناحية أخرى، في ظل حالة تشتد فيها الخلافات الداخلية في أفغانستان أكثر فأكثر من ذي قبل، هل سيتمكن اجتماع اسطنبول من حل هذه الخلافات؟ الجواب على هذا السؤال واضح وهو النفي، لأن قمة اسطنبول لن تستضيف كل المجموعات العرقية والسياسية في أفغانستان، وفي هذا السياق ومع استمرار الخلافات الداخلية في أفغانستان، من الصعب أن نتخيل أن قمة اسطنبول يمكن أن تحل العقدة العمياء للسلام في أفغانستان.