الوقت- مع بدء سلسلة الهجمات الصاروخية التي نفذها أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية "أنصار الله" على أهداف داخل العمق السعودي في الأيام الأخيرة، يعتقد خبراء أن صنعاء تبنت سياسة دفاعية جديدة ومنذ بداية الحرب في اليمن وغزو السعودية لهذا البلد الفقير، غيّر اليمنيون سياساتهم الدفاعية بناءً على الإجراءات السياسية وساحة المعركة. وفي الخطوة الأولى، كان "الدفاع" استراتيجية أبطال الجيش واللجان الشعبية لعدة أشهر ومن خلال اتباع هذه الاستراتيجية استطاعت حكومة الإنقاذ في صنعاء تحرير العديد من المحافظات اليمنية التي كانت قابعة تحت احتلال قوات تحالف العدوان السعودي ومرتزقته. لقد كانت سياسة الدفاع غير المتكافئة والعمليات المكثفة هي الاستراتيجية اليمنية الثانية التي استمرت حتى بداية عام 2020. ومنذ بداية عام 2020، استندت سياسة الدفاع اليمنية في شكل دفاع مشترك والقيام بعمليات عسكرية للرد على كل هدف تابع للمعتدين، بحيث إذا هاجمت السعودية مطاراً في اليمن، فإن اليمنيين يقومون بتنفيذ عمليات هجومية داخل الأراضي السعودية وبهذا الامر اصبحت المطارات السعودية تحت نيران المدفعية أو الصواريخ أو الطائرات بدون طيار التابعة لأبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية.
ولقد استمرت هذه السياسة حتى قبل أيام عندما أعلن متحدث باسم الجيش اليمني أننا نحذر شركات الطيران من استخدام المطارات السعودية حفاظا على سلامتها. ولقد اكتملت هذه التصريحات بتنفيذ عدد من الضربات الجوية بطائرات بدون طيار يمنية وبصواريخ بعيدة المدى داخل العمق السعودي، حيث تعرضت عدة أهداف في أبها وجدة وعدة أماكن أخرى لهجمات الطائرات اليمنية متطورة بدون طيار، وأصبح الوضع في المطارات السعودية معقدًا وخطيراً للغاية. وبما أن اليمنيين أظهروا على مر السنين أنهم سيوقفون الهجمات على السعودية إلى حد ما أثناء الحج، إلا انهم بالتأكيد زادوا خلال الفترة الماضية من هجماتهم بطائرات دون طيار والصواريخ لإنهاء الحرب وممارسة ضغط على الرياض لفك الحصار المفروض على اليمن.
ومع ذلك، يمكن تحليل ثلاث نقاط مهمة للغاية في هذه الهجمات:
النقطة الأولى: منذ النصف الثاني من الغزو السعودي لليمن، قررت قوات المقاومة اليمنية إدراج الأهداف الاقتصادية السعودية في قائمة ردودها بالإضافة إلى الرد العسكري. وكانت الهجمات على أرامكو وأنابيب النفط جزءًا من استراتيجية كانت ناجحة إلى حد ما لكنها فشلت في إنهاء الحرب. وتختلف الهجمات على المطارات السعودية وقطع الروابط الجوية السعودية اختلافًا كبيرًا عن الأهداف السابقة. فعلى مر السنين، بذلت المملكة العربية السعودية جهودًا كبيرة لإظهار أعلى مستوى من الأمان على أراضيها، وتكبدت تكاليف باهظة لإثبات ذلك. ويمكن لهذه الهجمات أن تزيد من حدة موجة اليأس وتضع ضغوطًا نفسية لا حصر لها على "بن سلمان"، خاصة وأن هذا الاخير يعتزم جذب استثمارات أجنبية كبيرة في عام 2021.
النقطة الثانية: كما صرح مسؤول في المجلس السياسي اليمني الأعلى، لن يسلم المؤيدون للسعوديون من الهجمات في هذه الحرب. وهذا يعني أننا نشهد تحولًا في ساحة المعركة حيث سوف تنتقل الحرب من حرب محصورة في اليمن والسعودية إلى حرب إقليمية. ويمتلك اليمنيون سيطرة جيدة على مضیق "باب المندب"، وإذا أرادوا إطلاق صواريخهم على أهداف یزيد بعدها عن 1000 كيلومتر فإنهم قادرين على ذلك، وهذه القوة في البحر تسببت في زيادة قلق الدول الموالية للرياض.
النقطة الثالثة: على عكس العمليات السابقة، استندت الأهداف المعلنة في مطاري أبها وجدة بالكامل على المخابرات القتالية والاستخبارات الأمنية. ولم يخض اليمنيون في التفاصيل، لكن ضربات الطائرات بدون طيار على المطارين استندت إلى أهداف كان مخطط لها مسبقًا، ومن المرجح أن نسمع خلال الايام القادمة عن وقوع ضربات صاروخية مكثفة على الرياض. وبما أن السعودية لا تتمتع بالشفافية اللازمة في إخفاء إنجازات العمليات العسكرية اليمنية، فعلينا أن ننتظر ونرى ما تنشره صنعاء حول هذه العمليات. ومع ذلك، يمكن القول بأن هذه العمليات مهمة للغاية وذلك لانها تعتبر بمثابة تحذير للقادة السعوديين.
وعلى صعيد متصل، أعلنت حكومة صنعاء مساء يوم السبت الماضي، عن استعدادها لوقف الطيران المسير والصواريخ الباليستية مقابل شرط وحيد. وقال القيادي "محمد علي الحوثي" في تغريدة على حسابه بموقع "تويتر": "مستعدون لوقف القصف مقابل القصف إن توافرت الجدية"، مضيفاً إنه "حتى الآن القصف بالطيران الأمريكي والبريطاني والأوروبي مستمر والمعارك مستمرة". كما لفت "الحوثي" إلى أن "الطيران المسير والصواريخ ستتوقف إذا أوقفت دول العدوان قصفها على المحافظات والجبهات". وقبل أيام، كان "الحوثي" قد أكد لتحالف العدوان أن السلام لا يتحقق إلا عبر "الخطوات العملية والاتفاقات الموقعة". حيث كتب في تغريدة على "تويتر": "السلام لا تصنعه الدعوات وإنما الاتفاقات الموقعة، وأي دعوة لا نرى تطبيقها على الميدان فهي تعبير عن شعور فقط، ومن الممكن أن نبادل الشعور بشعور إذا تأكدنا من سلامة المقصد لمن يدعو للسلام فقط، ونبادل الخطوات العملية لإيقاف العدوان والحصار بخطوات عملية متزامنة إذا تم الاتفاق والتوقيع عليها".
الجدير بالذكر أنه منذ مطلع فبراير الجاري تصاعدت هجمات قوات صنعاء الصاروخية على مناطق سعودية بالصواريخ الباليستية والمقذوفات والطائرات المسيرة، وتقول حكومة صنعاء إن هذه الهجمات تأتي ردا على غارات التحالف المستمرة ضدها في مناطق متفرقة من اليمن. حيث أكد وزير الخارجية في حكومة صنعاء، "هشام شرف"، أن هجمات قوات صنعاء ضد السعودية والقوات الموالية لها ستتوقف عندما يوقف التحالف بقيادة الرياض ضرباته على اليمن. وقال شرف في مؤتمر صحفي: "أوجه رسالة اليوم للإدارة الأمريكية الجديدة وللسعوديين، عندما تتوقف ضرباتكم عن الأراضي التي تسيطر عليها حكومة الإنقاذ الوطني، ستتوقف ضرباتنا نحوكم بشكل بسيط جدا". وأشار شرف إلى أنه لا يمكن تجاهل حكومة صنعاء وحركة "أنصار الله" في أي عملية سلام في اليمن. وقال: "أنصار الله هم طرف مهم جدا في عملية السلام".
إن كل هذه الاخبار وكل هذه المعلومات تؤكد للعالم أجمع بأن أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية أصبحوا قوة لا يستهان بها في المنطقة وأن وجود قوات أمريكية وبريطانية في السعودية لحماية المنشآت النفطية لن يُجدي نفعاً وذلك لأن تلك الأنظمة العسكرية الغربية أثبتت خلال السنوات الماضية عدم كفاءتها وعدم قدرتها على التصدي للطائرات الانتحارية المسيرة والصواريخ المجنحة التابعة لأبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية. كما أن تلك التقارير الاخبارية أثبتت للعالم أجمع بأن العويل السعودي لن ينفعها وأنه يجب على قادة الرياض الاعتراف والاقرار بالهزيمة والخروج من اليمن قبل أن تصل قوات صنعاء إلى مدينة الرياض. وتؤكد تلك التقارير أن استمرار الضربات الصاروخية الموجعة على الداخل السعودي، سوف تزيد الكثير من الضغوط على الرياض التي تعاني من الكثير من المشاكل الاقتصادية والسياسية على الساحة العالمية وفي نهاية المطاف، سوف تُجبر الرياض على القبول بالهزيمة.