الوقت- كتبت فورين أفيرز في مقال بقلم روبرت إس فورد من معهد الشرق الأوسط وعضو بارز في معهد جاكسون للشؤون العالمية وسفير الولايات المتحدة السابق في سوريا من 2011 إلى 2014: وعد دونالد ترامب خلال فترة رئاسته التي استمرت أربع سنوات أن يحرر أمريكا من نهج التأميم، وقال إن جهود أمريكا طويلة الأمد لإعادة بناء مجتمعات ما بعد الحرب واستقرارها كانت معيبة ومحكوم عليها بالفشل، وقد أوفى بوعده إلى حد كبير من خلال تخفيض عدد القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان وتقليص التمويل للديمقراطية خلال فترة رئاسته إلى حوالي مليار دولار.
وقال الكاتب: "لكن إدارة ترامب نأت بنفسها عن سياستها في عدم التأميم من أجل متابعة جهد طويل الأمد في سوريا"، وقد سعت أمريكا إلى استخدام القوة العسكرية والضغط المالي لإجبار الرئيس السوري بشار الأسد على قبول إصلاحات قانونية كبرى وإنشاء منطقة حكم ذاتي كردية في شمال شرق سوريا تحت السيطرة الأمريكية، وأصبحت المنطقة شبه دولة بجيش مستقل، وقوات سوريا الديمقراطية، ومنظمة إدارية كبيرة - تسيطر عليها وحدات الحماية الشعبية الكردية السورية وفرعها السياسي، حزب الوحدة الديمقراطي، وبعد ست سنوات وإنفاق حوالي 2.6 مليار دولار، أصبحت شبه الدولة هذه مثل طفل أمريكي نشأ تحت الحماية العسكرية الأمريكية وهو محصن ضد عداء جيرانه، وتظل منطقة الحكم الذاتي، غير القادرة على الدفاع عن نفسها، معتمدة على أمريكا في المستقبل المنظور، ومع ذلك، فإن مثل هذا الالتزام غير المحدود ليس ما تحتاجه أمريكا.
وتابع المقال: لم تكن سوريا أبداً قضية أمن قومي رئيسة لأمريكا، وكانت المصالح الأمريكية هناك دائماً مقتصرة على منع الصراع من الانتشار إلى مناطق أخرى مهمة لواشنطن، لا تساعد السياسة الأمريكية الحالية كثيراً في تحقيق هذا الهدف البارز، إضافة إلى ذلك، فإن هذه السياسة لم تضمن الإصلاح السياسي في دمشق، ولم تعد الاستقرار لسوريا، ولم تواجه فلول داعش، وسيكون من الأفضل للرئيس جو بايدن تغيير هذه السياسة، أي سحب مئات القوات الأمريكية الموجودة حالياً في سوريا والاعتماد على روسيا وتركيا لمحاربة داعش.
وقال الكاتب: الاستراتيجية الأمريكية في شمال شرق سوريا مصممة على ما يبدو لتدمير فلول داعش، وعدم السماح للتنظيم بالوصول إلى ملاذ آمن لشن هجماته، على الرغم من أن الحملة العسكرية الدولية التي دامت عدة سنوات قد دمرت المجموعة الإرهابية إلى حد كبير، إلا أن أعضاءها الناجين يواصلون تنفيذ هجمات متفرقة صغيرة النطاق في سوريا والعراق، ومن المقرر أن يساعد الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، ووحدات الحماية الشعبية الكردية، هذه الجماعات في محاربة داعش بالحد الأدنى من المساعدات الخارجية ودون الحاجة إلى غطاء عسكري أمريكي واسع النطاق.
وأضاف: على الرغم من أن هذه الاستراتيجية مرغوبة سياسياً، إلا أنها معيبة للغاية، حيث أدى حلفاء الولايات المتحدة الأكراد في سوريا إلى تفاقم التوترات الإقليمية القائمة منذ فترة طويلة بين العرب والأكراد، ولا سيما بين المجتمعات العربية، هناك استياء واسع النطاق من الهيمنة السياسية الكردية - التي أصبحت ممكنة بفضل الدعم الأمريكي - والسيطرة الكردية على حقول النفط، إضافة إلى ذلك، احتج العرب المقيمون في المنطقة على فساد قوات سوريا الديمقراطية وعمليات مكافحة الإرهاب المتهورة وأساليب التجنيد، وشنت القوات الكردية بدورها تفجيرات بسيارات مفخخة ضد مدن تركية خاضعة لسيطرة الجيش التركي، في مثل هذه الظروف، وعلى الرغم من الاختلافات العرقية والقبلية، يمكن لداعش التجنيد من المجتمعات المحلية، إذا كانت سياسات أمريكا لمصلحة الهيمنة شبه الحكومية الكردية في شرق سوريا، فستواجه أمريكا دائماً هذه المشكلة.
وأردف المقال: إن "الاستراتيجية الأمريكية بها عيب رئيس آخر"، لا يقتصر تنظيم داعش على المناطق التي تسيطر عليها أمريكا وقوات سوريا الديمقراطية، كما تواصل المجموعة الإرهابية العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية وحلفائها، بما في ذلك روسيا وإيران، وهي منطقة تبعد حوالي 200 ميل غرب نهر الفرات، إذا كان هدفنا هو منع عودة ظهور داعش أو استخدام هذه المجموعة الإرهابية لسوريا كقاعدة لمهاجمة مناطق أخرى، فإن انتشار القوات الأمريكية في الجزء الشرقي من سوريا لن يحل هذه المشكلة، كما أن مقاطعة الحكومة السورية لن تنجح أيضاً، لأن القيام بذلك سيعطي قوات الحكومة السورية موارد أقل لمحاربة الجماعة المتطرفة.
وتابع: يجب أن يعتمد بايدن أكثر على روسيا وتركيا، كما يفتقر النهج الأمريكي الحالي إلى هدف نهائي قابل للتحقيق، دون الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي، من المرجح أن تواجه وحدات الحماية الشعبية وقوات سوريا الديمقراطية حرباً على جبهتين أو ثلاث جبهات ضد تركيا والحكومة السورية، متجاهلة محاربة داعش لتجنب مثل هذا الخروج، يجب على أمريكا البقاء في شرق سوريا إلى أجل غير مسمى مع دعم القوات الكردية، وسيتعين على أمريكا تخصيص المزيد من الموارد لهذه المشكلة إذا سعت روسيا أو تركيا أو إيران أو الحكومة السورية إلى زيادة الضغط العسكري على القوات الأمريكية أو شبه الكردية، كان هذا هو الحال عندما بدأت الوحدات العسكرية الروسية في مضايقة الدوريات الأمريكية في صيف عام 2020 ونشرت القيادة المركزية الأمريكية وحدات مسلحة حديثًاً لردعها، ومن المرجح أن يزداد هذا الاتجاه سوءاً في السنوات القادمة.
وأضاف: بالنظر إلى أوجه القصور هذه في سياسة ترامب تجاه سوريا، تحتاج الإدارة الجديدة إلى نهج مختلف - نهج يواجه داعش بنجاح دون إشراك القوات الأمريكية في حرب أخرى لا نهاية لها، يجب أن يعتمد فريق بايدن ، نظراً لتركيزه على الدبلوماسية، على روسيا وتركيا أكثر من الاعتماد على الحفاظ على الاستراتيجية الأمريكية الحالية، على الرغم من أن هذا يبدو غير سار، إلا أن الاعتراف بمصالح البلدين في سوريا يمكن أن يؤدي إلى نتائج أفضل.
وقال الكاتب: روسيا ليست بأي حال من الأحوال شريكاً مثالياً، لكن دعمها للرئيس السوري يجعلها قوة قابلة للحياة لتحمل مسؤولية محاربة داعش، فموسكو ملتزمة بضمان بقاء الحكومة السورية، وستشكل عودة ظهور داعش (ربما من خلال الاستيلاء على حقول النفط السورية واستغلال أرباح النفط) تهديداً خطيراً للرئيس السوري، وللاستفادة من هذه المصلحة المشتركة المحدودة، يجب على حكومة بايدن التوصل إلى اتفاق لتسليم مهمة محاربة داعش على جانبي نهر الفرات إلى روسيا، ويتطلب هذا بالضرورة زيادة الوجود العسكري الروسي في شرق سوريا، ويجب على أمريكا التفاوض على انسحاب قواتها خطوة بخطوة ووضع جدول زمني لتسليم السيطرة لروسيا.
وأردف الكاتب بالقول: ومع ذلك، فإن تفويض المسؤولية عن مهام مكافحة داعش في شرق سوريا لا ينفي الحاجة إلى منع سوريا أن تصبح مركزاً لهجمات داعش ضد حلفاء أمريكا أو مصالحها، لمواجهة هذا التهديد، يجب على أمريكا إقناع تركيا بضمان أمن حدودها الجنوبية. ولدى أنقرة، مثل موسكو، دوافع واضحة للتعاون فقد نفذ داعش أيضاً هجمات إرهابية داخل تركيا، ومع ذلك، سيكون من الصعب تغطية خط حدودي يبلغ طوله 600 ميل بالكامل، لذلك سيتعين على واشنطن تقديم الدعم التكنولوجي والاستخباراتي لتركيا لمراقبة الأنشطة الإرهابية. مثل هذا الجهد يتطلب تعاوناً مكثفاً، وكان التفاعل مع الأتراك صعباً حتى قبل دعم أمريكا لوحدات الدفاع الشعبي، التي تعتبرها تركيا إرهابية، لكن التعاون سيصبح أسهل عندما تتوقف أمريكا عن مساعدة القوات الكردية بشكل مباشر، فالهدف الرئيس لتركيا هو منع الأكراد من إقامة كيان مستقل في سوريا.
وتابع المقال: يجب على بايدن تجنب مفاجأة شركاء أمريكا الأكراد بهذه الاستراتيجية الجديدة، يجب على إدارته إبلاغهم بالخطوات الوشيكة التي تتخذها أمريكا في أسرع وقت ممكن، قوات سوريا الديمقراطية ووحدات الحماية الشعبية شركاء جيدون في محاربة داعش، وسيكون من الحكمة أن يتعاون الروس معهم بموجب اتفاقية جديدة، موسكو لديها خبرة في هذا المجال، ولقد أنشأ الروس ووجهوا "طبقة خامسة" من المقاتلين الموالين لدمشق ويراقبونها الآن، وهي تقوم بمهام في جميع أنحاء سوريا، كما يمكن لموسكو، بالتنسيق مع الحكومة السورية، إنشاء "رتبة سادسة" جديدة تتكون من عناصر من قوات سوريا الديمقراطية تحت قيادة روسية، وعلى الرغم من المساعدة القيمة للأكراد في محاربة داعش، إلا أن أمريكا ليست ملتزمة بتقديم الدعم العسكري لهذه الجماعات لفترة غير محددة من الزمن وبأموال دافعي الضرائب الأمريكيين، كما أنه من المصلحة الوطنية لأمريكا القضاء على التهديدات الإرهابية، وليس ضمان تشكيل حكومة في شرق سوريا.
وأضاف الكاتب: يجب أن يكون لدى إدارة بايدن رؤية واقعية لقدرة أمريكا على التوصل إلى إجماع سياسي في سوريا، لطالما سعى المسؤولون الأمريكيون إلى الإطاحة بالحكومة السورية ولكن دون نجاح يذكر، سعت إدارة ترامب بدورها إلى إجبار دمشق على تغيير سلوكها باستخدام العقوبات المالية والسيطرة على حقول النفط السورية، كان لهذه الإجراءات تأثير ضئيل على الرئيس السوري، حيث نجح الأسد في إطالة أمد المحادثات، وتعثرت محادثات الأمم المتحدة في جنيف التي كانت تأمل واشنطن فيها، من وجهة الرئيس الأسد، الحرب وهي لعبة محصلتها صفر حيث تؤدي مطالب الإصلاح أو الحكم الذاتي بالضرورة إلى عدم الاستقرار، وتحدي الحكومة السورية، وهو أمر غير مرغوب فيه، وهكذا، فإن الحكومة السورية تكافح مع الافتراض غير السار بأن الإصلاحات ستقصر عمر الرئيس الأسد، كما أن سيطرة أمريكا أو قوات سوريا الديمقراطية على حقول النفط الصغيرة في شمال شرق سوريا لا تغير هذه الحسابات.
وتابع المقال: يزعم المحللون أن انسحاب أمريكا من سوريا سيسمح لإيران وروسيا بالاتحاد هناك، حيث تتجاهل هذه الحجة العلاقات السياسية والعسكرية الطويلة الأمد بين البلدين مع دمشق وهي العلاقات التي من غير المرجح أن تضعفها الضغوط الأمريكية، حيث تربط روسيا وسوريا علاقات وثيقة منذ الحرب الباردة، وكان المستشارون الروس نشطين في سوريا حتى قبل بدء الحرب الحالية في عام 2011، وكذلك لإيران أيضاً تاريخ طويل في سوريا.
وختمت فورين أفيرز مقالها بالقول: إن "بايدن يمكنه بالطبع الحفاظ على استراتيجية إدارة ترامب"، لكن القيام بذلك قد يعني إهدار مليارات الدولارات مع تصاعد التوترات بين الأطراف المختلفة في سوريا وفشل القتال ضد داعش، فأمريكا لديها أهداف محدودة في سوريا ينبغي أن تكلف واشنطن أقل بكثير، ومهما كانت الأموال التي تريد أمريكا إنفاقها، فيجب إنفاقها على معالجة محنة اللاجئين، ومن الأفضل السماح لروسيا وتركيا بحماية مصالحهما الوطنية من خلال قبول مشاركتهما وتحمل مسؤولية محاربة داعش.