الوقت- بإمكان الحكومات والأنظمة أن توقع الاتفاقيات التي تريدها حتى دون العودة لشعوبها على اعتبار أنها أنظمة قمعية وديكتاتورية، ولكن في النهاية تبقى الشعوب وتذهب الأنظمة، وما تقوم به بعض الأنظمة الخليجية من تطبيع مع العدو الصهيوني، سيكون له نتائج عكسية لا محالة، ربما تطول لكن شرارتها تلوح في الأفق، فالجميع يعلم موقف الشعب الكويتي على سبيل المثال من التطبيع، وكيف انتصر للقضية الفلسطينية في مجلس الأمة الكويتي ووسائل التواصل الاجتماعي عندما وقعت الإمارات اتفاقيتها مع إسرائيل، والبحرين التي وقعت أيضاً على اتفاقية التطبيع تخشى شعبها حد الجنون، ولذلك رأيناها توقع تفاهمات مع العدو الصهيوني وليس تطبيعاً كاملاً خوفاً من ردة فعل الشعب البحريني الناقم أساساً على آل خليفة، أما الامارات التي تمارس رقابة مخيفة على شعبها وتقمع جميع الاصوات الداخلية المناهضة للتطبيع، أعلنت حكومتها يوم أمس المصادقة على التطبيع مع العدو الصهيوني بشكل كامل وتبادل الدبلوماسيين بينهما وفتح السفارات.
الإمارات وبدعم من السعودية تسوّق للعالم العربي بأن الفلسطينيين ناكرين للجميل ولا يقدرون مدى مساندة الامارات والسعودية لهم، ولكن الواقع مختلف، والجواب الحقيقي لهذا التسويق، رأينا يوم أمس في المسجد الأقصى عندما قام شاب مقدسي بطرد وفد اماراتي، دخل المسجد تحت حراسة أمنية من شرطة الاحتلال، الوفد المؤلف من 4 إماراتيين، قصد "المسجد الأقصى" وأدّى الصلاة فيه، وعندما جال هؤلاء داخله، حاملين هواتفهم لالتقاط الصور، طالبهم المقدسي بالمغادرة فوراً، مردّداً شعارات ضد التطبيع والمطبعين، حيث قال الشاب بصوت واضح خلال مقطع الفيديو وهو يخاطب الإماراتي قائلا :"ما تحكي معاي.. المطبعين اللى زيك ما بسمحلهم يحكوا معي"، ثم يكمل المقدسي مخاطباً الإماراتي "ابعد ابعد..يالله بره.. يالله يا مطبع انقلع".
وعبّر المقدسيون عن رفضهم أن تكون زيارة العرب والمسلمين للأقصى بحراسة الشرطة الصهيونية، وبتنسيق مع سلطات الاحتلال، مرددين شعارات "ضد التطبيع".
الفيديو سرعان ما انتشر على المنصات التفاعلية، ولاقى أصداء واسعة وترحيباً، وتبعاً لما تم تداوله، فإن شرطة الاحتلال باتت تخصص فترة ما بعد الظهر لإدخال الإماراتيين الى المسجد، بهدف "حمايتهم"، في وقت حصلت فيه عملية الطرد بعد صلاة العصر، يذكر أنّ وفداً إماراتياً آخر، كان قد زار القدس، وتجوّل في "المسجد الأقصى"، الأسبوع الماضي، تحت حماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي، في وقت لا تزال فيه حادثة طرد مطبع سعودي في أواخر شهر تموز الماضي، حاضرة في الأذهان، عندما قصد برفقة ستة صحافيين عرب آخرين القدس، واثار الفيديو وقتها ضجة كبيرة على السوشال ميديا.
السياسة التي تتبعها الإمارات والسعودية في تبرير التطبيع هي تخوين الفلسطينيين ووصفهم بأنهم "ناكرو الجميل"، عن أي جميل يتحدث ال سعود وال زايد، هل التآمر على القضية الفلسطينية وتصفيتها يعدّ "جميلا"، لا نعلم ما هي المعايير التي ينطلق منها هؤلاء الحكام، فهم مفضوحون لدرجة لم يعد بإمكان أي شركة إعلامية في العالم مهما بلغت من حرفية من تغطية خيانتهم للفلسطينيين والعرب والمسلمين، ولهذا السبب لم يجدوا أمامهم سبيلاً سوى مهاجمة الفلسطينيين للتستر على فضائحهم.
أمر معيب ومهين لجميع الاماراتيين أن يأتي وفد بلدهم بحماية اسرائيلية لزيارة أرض عربية، حتى في الأفلام لا يمكن تصديق هكذا مشهد، علماَ أن حكام الامارات يقولون أنهم يفعلون كل هذا لخدمة الفلسطينيين، أين هي الخدمة التي قدموها، والاسرائيلي لا يزال يبني المستوطنات، أين الخدمة والاسرائيلي لم يعطِ أيّ أهمية لمبادرة السلام العربية ولم يقبلها أصلاً ومع ذلك طبعت معه الإمارات، وحتى السعودية التي أطلقت هذه المبادرة تنتظر بفارغ الصبر أن تقدم على التطبيع، ولكنها لا تزال في مرحلة تهيئة الأجواء، وانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية، فهي تريد القيام بهذه الخطوة في ظل وجود رئيس أمريكي جديد لكي تنال رضا سيد البيت الابيض الجديد، وربما يكون بايدن لا أحد يعلم، وعندها أل سعود بحاجة كبيرة لمثل هذه الخطوة، ولكن سيكون خطابهم السياسي يعاني من ازدواجية غير مبررة، وخاصة أن المملكة تعلن دعمها للقضية الفلسطينية في العلن، ولكن السؤال ماذا سيقدم هذا التطبيع للسعودية؟.
السعودية يجب أن تعلم جيداً ان الدعم الأمريكي المستمر لها غير مضمون، ويمكن أن ترفع أمريكا الغطاء عن آل سعود في أي لحظة، كما فعلت الأمر نفسه مع صدام وحسني مبارك والقذافي وغيرهم.
الأمر الثاني السعودية تريد أن تكون قوة اقليمية لقيادة المنطقة، وهذا هدف اسرائيلي ايضا واماراتي، وبالتالي ستتضارب المصالح دون أدنى شك بين هذه الدول فيما بينها وبينها وبين دول اخرى.
الأمر الثالث مسألة مواجهة الخطر الايراني، الجميع يعلم أن هذا الموضوع كذبة صنعها الغرب وصدقتها الأنظمة الخليجية وحتى الغرب نفسه لم يعد يصدقها، فالجميع يعلم أن اسرائيل هي الأخطر على الكرة الأرضية بأسرها، نظراً لخططها ومنهجها، وهي تريد أن تأخذ مناطق من السعودية وفقاً لمشروعها الكبير، مقابل ذلك ماذا ستحظى السعودية؟، ربما جائزة "صديق إسرائيل" التي قدّمها مايك إيفانز مؤسس المنظمة اليهودية الصهيونية، مركز أصدقاء صهيون التراث، إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ولا شيء أكثر من ذلك.
في الختام؛ الشعوب العربية لا تزال حية، وهذا الضغط الذي يمارسه الحكام، سيؤدي إلى الانفجار، وسنسمع حينها الصوت الحقيقي للشعب السعودي والاماراتي والعربي بصورة عامة دون ان يكون هذا الشعب مكبوتاً أو مقموعاً من قبل أنظمة ديكتاتورية تدّعي الحرية والانفتاح وهي أبعد ما تكون على ذلك، وخسارة السعودية في الحصول على عضوية في مجلس حقوق الإنسان مؤخراً خير دليل على ذلك.