الوقت- لم يعد خافياً على أحد الصراع الحالي بين جناحي "ولاية العهد" في السعودية، لاسيّما أن الوضع الصحي للملك سلمان، لا يسمح بالمماطلة كثيراً لترجيح كفّة إبنه محمد في مواجهته القائمة مع ولي العهد محمد بن نايف. صراع ولاية العهد بين المحمدين، المقدمة الطبيعية للوصول إلى العرش، بدأ مع عزل الملك سلمان للامير مقرن بن عبد العزيز بعد فترة من إستلامه، تحت شعار الإنجازات والكفاءات التي تحقّقت على يدي المحمدين، مع العلم أن بن نايف لا يعدو عن كونه كبش محرقة في حسابات الملك سلمان لإيصال الإبن محمد إلى ولاية العهد بسلاسة ومن دون حصول أي مواجهات علنية بين أفراد الأسرة الحاكمة.
لم تكن ساحات الإشتباك بين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان بالقليلة، إلا أنه بعد فشل بن سلمان في تسطير نفسه كبطل قومي في العدوان الذي شنّه على الشعب اليمني منذ ما يقارب الستة أشهر، إضافةً إلى عدم ظهور أي نتائج إيجابية لزياراته المكوكية إلى مختلف العواصم العربية والعالمية على وضع الرياض، فضلاً عن فشله في تحقيق الإستقرار الإقتصادي للبلد، بإعتباره يترأس شركة أرامكو النفطية إضافة إلى رئاسته لمجلس الشؤون الإقتصادية، أسباب عدّة دفعت بولي العهد الثاني والملك الفعلي للسعودية، أن ينتقل من سياسة "تسطير النجاحات للإطاحة بالمنافسين"، إلى سياسة "إفشال المنافسين للإطاحة بهم"، ريثما يتحقّق أي نصر "إستراتيجي" يرفعه درجة إضافية في سلّم العرش.
محمد بن نايف صاحب الهيبة الأمنية، والذي نجح مؤخراً في تسطير جملة من الإنتصارات على الصعيد الامني كإلقاء القبض على أكبر الخلايا الإرهابية في السعودية، رغم بعض الخروقات الأمنية وتفجيرات المنطقة الشرقية، والتي أثلجت قلب بن سلمان وفق ما أفصح بن نايف لأحد أفراد الأسرة الذي لا تربطه علاقات جيدة مع إبن عمه، محمد بن سلمان، غاب عن المشهد السعودي لفترة طويلة وبات مكبّلا على الصعيدين الداخلي والخارجي، بإستثناء وزارة الداخلية التي تتولى المحافظة على إستقرار السعودية، فماذا فعل محمد بن سلمان لكسر شوكة بن نايف في الدخلية؟
من حادث رافعة الحرم إلى تدافع منى
لم يبق امام محمد بن نايف، الذي تصح تسميته برجل الإطفاء في السعودية بإعتبار أنه قد غاب أو غُيّب عن الساحة الخارجية وقُيّد في نظيرتها الداخلية، لم يبق أمامه سوى أن يبرع في تحقيق الإنجازات على المستوى الأمني الداخلي، للمحافظة على منصبه في وزارة الداخلية وولاية العهد الاولى، ريثما يحكم القضاء والقدر الذي حكم على متعب بن عبدالله "بمزاولة مكانه" بعد فشل الملك عبدالله في تعيينه كولي عهد إثر عارض صحي أودى بحياته. لكن يبدو أن طموح بن سلمان، لا يريد لابن نايف أن ينتشي بفشله (بن سلمان)، وكذلك يريد أن يسلب من ولي العهد، ووزير الداخلية ورئيس مجلس الشؤون الأمنية والسياسية، أي إنجاز أمني، لاسيّما في موسم الحج الإستحقاق الامني الاكبر الذي يقع على عاتق وزارة الداخلية التي يترأسها بن نايف.
لطالما إقتصرت حوادث الحجيج على أزمة واحدة في كل عام، حتى أنه منذ العام 2006 غابت الحوادث المؤلمة تقريبا عن موسم الحج إلى بيت الله الحرام، لاسيّما بعد إجراءات التوسعة من العقد الماضي، والتوسعة الاكبر للحرم ومراكز الشعائر الدينية هذا العام، فلماذا عادت هذه الاحداث إلى الظهور بوتيرة أكبر بعد تسع سنوات على غيابها؟ ولماذا تقع حادثتان مؤلمتان، إحداهما هي الأكبر في تاريخ الحج بعد أن كانت تحتل حادثة العام 1990 المرتبة الأولى قبل حادثة منى، في بضعة أيام فقط؟
إن حادثة سقوط الرافعة في المسجد الحرام، والتي أودت بحياة 109 اشخاص على الاقل واصابة 400 آخرين، كانت أولى الضربات الامنية الموجعة التي يتلقاها بن نايف هذا الموسم، حتى ان البعض وجّه أصابع الإتهام إلى محمد بن سلمان بالوقوف وراء الحادث، فكيف تسقط رافعة كبيرة في أهم المناطق السعودية؟ أليس من المفترض أن تكون هذه المنطقة موضع إهتمام أكبر لدى السلطات؟ لماذا لم يسجل ذلك اليوم أي حادثة مشابهة في كافّة أرجاء السعودية، بإعتبار أن السلطات السعودية إتهمت الله عزوجل بذلك، "المشيئة الالهية" والعواصف؟
لم تكن حادثة منى عن هذا الأمر ببعيد، حيث أن التقاعس السعودي في خدمة الحجاج وإيقاف القطار لساعات عدّة وفق ما أعلن المغرّد السعودي "مجتهد" أحد أبناء العائلة الحاكمة، إضافة إلى إغلاق بعض الطرقات وتوجيه الحجاج بإتجاهات معاكسة، كانت أبرز الأساليب التي أوعز بها محمد بن سلمان لوقوع حادثة منى، وبالتالي ضرب سمعة منافسه القوي محمد بن نايف.
وبالفعل، أثّرت حادثة منى على سمعة بن نايف "الطيبة" سابقاً على الصعيد الأمني، وبالتالي لا نستغرب في تداعيات حوادث الحج هذا العام عزل بن نايف من وزارة الداخلية، ولاحقاً رئاسة مجلس الشؤون الأمنية والسياسية، لإضعافه والإنقضاض عليه بعد فترة، وتحت ذرائع مدبرة، لعزله من ولاية العهد لصالح بن سلمان.