الوقت – في الوقت الذي كان يعتقد فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنّ جريمته الموصوفة باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سُليماني ستفتح له باب الأبيض مرّة ثانية، جاءت نتيجة هذا الاغتيال بعكس ما توقّعه، وأتت رياح الشعب الأمريكي بعكس ما تشتهيه سفن ترامب، وتحوّلت جريمته تلك وبالاً عليه، فأصبح الرجل بنظر الكثير من الأمريكيين ليس أكثر من قاتلٍ مأجور، وبنظر البعض الآخر شخصاً جرّ البلاء على البلاد بجريمته تلك، فهم يعلمون أنّ إيران لن تسكت عن اغتيال أحد أبرز قادتها، وعلى هذا الأساس بدأ ترامب بمُحاولة تحسين صورته وممارسة نوعٍ من التبييض السياسي من خلال تأكيده أنّ جريمته باغتيال قاسم سُليماني كانت بهدف الحفاظ على المصالح الأمريكية، وأنّه بعد جريمته الشنيعة تلك؛ سيوقع اتفاقاً مع إيران بعد شهرٍ واحد فقط من فوزه بالدورةِ الثانية -إذا تمكن من الفوز مرّة ثانية-.
خطيئة ترامب
بعد أن انقشع غُبار جريمة اغتيال الجنرال سليماني؛ رُبّما لن نتفاجأ إذا علمنا أنّ الشعب الأمريكي، وبأغلبيته العظمى بات ينظر إلى ساسته على أنّهم مجموعة من قُطّاع الطرق الذين يقومون بعمليات قتلٍ خارج نطاق القانون، مؤكدين أنّ القانون الأمريكي نفسه يمنع ترامب وزبانيته من تنفيذ أيّ عملية اغتيال، خصوصاً بعد أن علم الشعب الأمريكي أنّ القائد سُليماني كان من أكثر المُحاربين شراسةً في محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وأنّه هو من حمى رُبّما أمريكا من وصول عناصر التنظيم إليها.
أكثر من ذلك؛ بدأ العديد من أفراد الشعب الأمريكي وخصوصاً أولئك المؤيدين لترامب باتوا يُفكرون بعدم انتخابه مُجدداً، خصوصاً وأنّ هذا النوع من الجمهور يرى أنّ انتقام إيران لمقتل سليماني لم يأتِ بعد، وأنّ عملية اغتياله برُمّتها لم تجلب للأمريكيين سوى المزيد من المصاعب، فإيران بالتأكيد لن تترك ثأرها، وبات أولئك ينتظرون سماع أخبار الانتقام المُقبل، حتى أنّ اغتيال الجنرال قاسم سُليماني بات يُشكّل لترامب قضيّة تؤرقه، ورُبما ستمنعه من الوصول إلى البيت الأبيض لدورةٍ ثانية.
تبادل أدوار
يعيش ترامب هذه الأيام أصعب أيام حياته، إذ فتح اغتيال الجنرال قاسم سليماني عليه باب جهنم، وبات هذه الاغتيال يُهدد وبشكلٍ جدي وصول ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، وبات يظهر له أنّ يُشكل ووزير خارجيته مايك بومبيو فريقاً لمواجهة التداعيات التي خلفّتها جريمة اغتيال سُليماني، فمن ناحيةٍ بدّل ترامب جلده وبات يُحاول الظهور كرجلِ سلام، بعد إعلانه أنّه سيتوصل لاتفاق سلامٍ مع إيران في الشهر الأول من وصوله إلى البيت الأبيض في حال تمّ انتخابه رئيساً، وهو بذلك يُحاول دغدغة مشاعر الأمريكيين المُناهضين لسياسات ترامب القائمة على الاغتيال السياسي والتمدد العسكري في العالم، على الرّغم من بعض الانسحابات الشكليّة من بعض مناطق العالم (كألمانيا مثلاً) لكنه في الوقت ذاته يُصرُّ على بقاء قوّاته في المناطق التي يرفض سُكّانها بقاء أيّ جنديٍّ أمريكي.
أما على المقلب الآخر؛ يخرج وزير خارجيته مايك بومبيو وهذه المرّة من القدس المُحتلّة محاولاً تبرير جريمة سيّده، لكنّه خرج بتبريرٍ عجيب لم يخطر على بال أحد، حيث ادّعا بومبيو أنّ جريمة اغتيال قاسم سُليماني أتت لأنّه مسؤول عن قتل الآلاف من المسيحيين في جميع أنحاء العالم والشرق الأوسط.
تصريح بومبيو هذا لم يفاجئ المراقبين، بالنظر إلى تاريخ قلب الحقائق من قِبل المسؤولين الأمريكيين، لكنهم وصفوا الادعاء بأن سُليماني قتل المسيحيين بأنه مستوى جديد من الكذب، حيث أكّد ريتشارد حنانيا الباحث في جامعة كولومبيا: "قال بومبيو للتو إن سليماني مسؤول عن قتل المسيحيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، أعلم أنه من المُنتظر من بومبيو أن يقول الحقيقة، لكن هذه الكذبة أتت على مستوى مختلف".
ورداً على تصريحات بومبيو أيضاً؛ أكّد الصحفي الأمريكي البارز ماكس بلومنتال أنّ بومبيو يقول إن قاسم سليماني كان مسؤولاً عن مقتل آلاف المسيحيين في الشرق الأوسط، وهذا ما فعله "المتمردون المعتدلون" تحت رعاية الناتو والدول العربية في الخليج الفارسي ساعدوا في قتل المسيحيين في سوريا، لكنّ سليماني ساعد في منع إبادة هؤلاء، وأمريكا كانت فقط تنظر.
وفي النهاية يبدو واضحاً أنّ خطيئة ترامب التي ارتكبها رُبّما بلحظة طيش، ستُشكل النهاية الحتميّة لأحلامه السياسية، خصوصاً وأنّه بات على يقين بأنّه ارتكب خطيئةً وهو الآن لا يعرف كيف يُنهي نتائجها، وباتت هذه الخطيئة تُلاحقه في كلِّ نواحي حياته السياسيّة، التي سُتُنهي ولا ريب على آماله بالوصول إلى البيت الأبيض لدورةٍ رئاسية ثانية.