الوقت- تساقط ربيع العلاقات الدافئة بين إسلام أباد والرياض في وقت أسرع مما كان متوقعاً. وظهر التزعزع في العلاقات الباكستانية السعودية، أثناء زيارة مسؤول عسكري باكستاني رفيع المستوى الى الرياض، عندما لم يتمكن من لقاء ولي العهد السعودي خلال هذه الزيارة للمملكة، ورفض محمد بن سلمان مقابلته.
في حين كانت الزيارة الرسمية الأولى لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بعد أداءه القسم، نحو السعودية، أشارت التقارير في ذلك الوقت إلى أن السبب وراء زيارة عمران خان السعودية في أول زيارة خارجية له، هو لطلب الحصول على مساعدة مالية من هذا البلد.
وبعد هذه الزيارة، قام عمران خان أيضًا بزيارة أخرى إلى السعودية قبل أقل من عام خلال مؤتمر اقتصادي، وكانت هذه الزيارة قد حدثت في وقت رفض فيه العديد من رؤساء الدول الحضور الى هذا المؤتمر الاقتصادي بسبب مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، لكن رئيس الوزراء الباكستاني، على عكس القادة السياسيين الآخرين، كان من الضيوف البارزين القليلين في مؤتمر الرياض.
حتى ذلك الحين خلال زيارة ولي العهد السعودي لإسلام أباد في فبراير من العام الماضي، وقع ولي العهد محمد بن سلمان، اتفاقيات اقتصادية بقيمة 20 مليار دولار مع باكستان، وكانت جميع المؤشرات تدل على أن العلاقات السعودية الباكستانية كانت تتجه نحو التقدم.
لكن الوضع تغيّر فجأة بشكل كبير منذ بضعة أشهر الى أن وصلت الى عدم استقبال ولي عهد السعودية للجنرال قمر جاويد باجوا، رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية، الذي كان في زيارة الى السعودية.
كيف تحوّل ربيع العلاقات إلى الخريف؟
منذ العام الماضي، عندما اشتدت قضية كشمير وزادت حدة قمع وتقييد المسلمين في هذه المنطقة من قبل الهند، بذلت باكستان جهودًا كبيرة لإثارة قضية كشمير، باعتبارها ذات اغلبية مسلمة، في العالم الإسلامي، ولكن رغم كل الجهود الباكستانية ، فإن السعوديين فضلوا الحفاظ على علاقات ودية مع الهند والامتناع عن إبداء رد فعل وإدانة الأحداث في كشمير. هذا الصمت السعودي في وجه التطورات في كشمير دفع إسلام آباد إلى انتقاد هذا التجاهل واعتبار السكوت عن جريمة كشمير "غير مقبول".
بعد ذلك، أصبحت السعودية متشائمة من تشكيل تحالف إسلامي جديد، واشتد هذا التشاؤم خاصة عندما حضرت باكستان وتركيا وإيران وقطر وماليزيا مؤتمر التعاون الإسلامي في العاصمة الماليزية، وأدانت التطورات في كشمير واستنكروا سكوت الدول الإسلامية الأخرى.
إلا أن السعودية غابت عن القمة، حيث عدّت أن ماليزيا ليست مكانًا مناسبًا لعقد مؤتمر التعاون الإسلامي ورفضت الحضور. في الواقع ، كانت السعودية قلقة من عزلتها عن دول في المنطقة مثل عزلها عن إيران وتركيا وقطر، واعتقدت أن القمة كانت محاولة لإنشاء تحالف إسلامي جديد.
في الوقت نفسه، أصبحت علاقات باكستان مع تركيا، وهي خصم تقليدي آخر للسعودية، أكثر دفئًا في الأشهر الأخيرة ، حتى أن أردوغان تعهد بدعم باكستان خلال زيارته لإسلام أباد. كما كانت الهند ايضًا جزءًا آخر من هذا التشابك المتعدد الأوجه للعلاقات الباكستانية السعودية، حيث وقّعت صفقة مع شركة النفط السعودية أرامكو بعد التطورات في كشمير ، وأظهرت الرياض في الوقت نفسه أنها لا تولي أهمية لقضية كشمير.
أسبقية السياسة على الاقتصاد!
إن برود العلاقات السعودية الباكستانية يظهر قبل كل شيء أن الذي يحدد قيمة العلاقات بين البلدين، ليست العلاقات الاقتصادية والتجارية، بل العوامل السياسية التي لها وزن أكبر بكثير على العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
بعبارة أخرى، تحاول السعودية ضم باكستان إلى تحالفها الإقليمي، بشرط ألا تقترب باكستان من إيران وقطر وتركيا وماليزيا. وهذا هو نفس الأسلوب التدخلي الذي تنتهجه واشنطن في علاقاتها مع الرياض، ويبدو أن نمط رسم العلاقات الخارجية للدول الأخرى قد وصل من البيت الأبيض إلى المملكة العربية السعودية، وأن الرياض استنسخت أسلوب تحديد العلاقات الخارجية للدول الأخرى من واشنطن، ولكن ما هو موضع شك، هو هل للسعوديين وزن ونفوذ كافيين لممارسة الضغوط على باكستان أم لا.
بمعنى آخر، على الرغم من الوعود الاقتصادية السعودية لباكستان ، يبدو أن إسلام آباد ، بسبب عدم وفاء الرياض بهذه الوعود ، تفضل هذه الأيام أن تكون أكثر فاعلية في التحالف الإقليمي بين تركيا وإيران وقطر، على الرغم من أن إسلام أباد في الوقت نفسه، لا تسعى إلى خلق توتر في العلاقات مع المملكة العربية السعودية ، لكن استقبال السعوديين البارد لزيارة قام بها مسؤول عسكري باكستاني رفيع المستوى، يظهر أن الرياض لا تقدر العلاقات الدافئة مع باكستان.