الوقت – إن لم تستحِ فافعل ما شئت، هذا هو الحال الذي وصل إليه الكيان الإسرائيلي برفقة عيال زايد، فبعد جريمة ابن زايد تجاه فلسطين والعرب والمُسلمين؛ خرج الكيان ليُطالب الفلسطينيين بعقد مفاوضات سلام لإنهاء مأساة الفلسطينيين، وكأنّهم هم السبب في المُعاناة التي يعيشها الفلسطينيون إن كان داخل الأراضي الفلسطينية، وإن كان خارجها، وبالطبع فإنّ الكيان وكما يعلم الجميع لم يهتم يوماً بعقد أيّ نوعٍ من المفاوضات التي من المُمكن أن تؤدي إلى سلامٍ فعلي، بل كلُّ ما يبتغيه قضم الوقت بانتظار أن يتغيّر الحال، واليوم هو بانتظار أن تهدأ العاصفة التي أثارها تطبيع الإمارات مع الكيان الإسرائيلي.
الصيد في الماء العكر
يرى الكيان الإسرائيلي أنّ الغضب الذي أبدته السلطة الفلسطينية جرّاء إعلان الإمارات التطبيع مع الكيان وسحب سفيرها من أبو ظبي فارغاً، ويعتقد أن هذا الأمر ما هو إلّا مسرحيّة تُحاول السلطة من خلالها إظهار نفسها على أنّها مُدافعة عن حقوق الفلسطينيين، غير أنّ واقع الحال يحكي قصصاً مُختلفة، فمع إعلان اتفاق التطبيع السياسي بين الكيانين الإماراتي والإسرائيلي، تداعت السلطة الفلسطينية وبقيّة فصائل المُقاومة وأكّدت أن التنازل عن الحق الفلسطيني لم يكن يوماً من شأن أيّ دولة، ولا يحق لأيّ دولة التحدث باسم الفلسطينيين.
أكثر من ذلك؛ فقد أبدت السلطة الفلسطينية وبقيّة الفصائل حالة من الوحدة بعد إعلان الاستسلام الإماراتي، مؤكدين التنسيق بين السلطة في الضفة الغربية وفصائل المقاومة في غزّة، وهو الأمر الذي لم يحسب له الكيان حساباً، فقد كان يتوقع أن تُساير السلطة الموقف الإماراتي، غير أن رياح الواقع أتت بعكس ما تشتهيه سفن الكيان الإسرائيلي.
نتنياهو ومن خلفه اليمين المُتطرف يعتقدون أنهم بدعوته هذه سيقومون بإحراج الفلسطينيين أمام العالم بعد الترحيب الكبير بخطوة الإمارات التطبيعية من قِبل دول محسوبة على الكيان الإسرائيلي، ولا سيما أمريكا وبريطانيا وفرنسا، خصوصاً أنّ كل الاتفاقات التي جرت بين الجانبين كانت برعاية أمريكيّة صِرفة.
اليوم؛ وبعد إعلان السلطة الفلسطينيّة رفضها لاتفاق الإذعان الإماراتي، يُجدد نتنياهو مطالبته للسلطة الفلسطينيّة بالجلوس على طاولة المُفاوضات، مُعتقداً أن جميع التصريحات التي أُطلقت ليست أكثر من ذرٍّ للرماد في العيون بعد كميّة التنازلات التي قدّمتها السلطة للكيان الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته وبأمرٍ من الكيان وأمريكا أرسلت مصر وفداً إلى قطاع غزّة بحجة بحث التهدئة، غير أنّه من المُتوقّع أنّ يكون هدف الوفد هذا ليس التهدئة بين فصائل المُقاومة والكيان الإسرائيلي، إنّما مُحاولة من السيسي الداعم لاتفاق التطبيع إجبار فصائل المُقاومة أن تخفض من حدّة تصريحاتها ضد الكيان الإماراتي.
تبييض سياسي
ما إن تمّ إعلان التطبيع الكامل بين دويلة الإمارات والكيان الإسرائيلي؛ حتى بدأ الكيان يُحاول إيهام العالم أنّ هذا التطبيع سيجلب السّلام والأمن للمنطقة، مُحاولاً رمي الكرة إلى الملعب الفلسطيني، وليقول أنّه جاهزٌ لعقد مفاوضات سلام مع الفلسطينيين، وأن عليهم أن يتقدموا هم أيضاً خطوة بالاتجاه ذاته، مُتناسياً كل الجرائم التي ارتكبها طوال 72 عاماً بحق الفلسطينيين.
أكثر من ذلك؛ طلب المُفاوضات هذا أتى ليقول للعالم إنّ التطبيع مع الكيان الإسرائيلي بدأ يؤتي أُكله؛ وإنّ أيّ تطبيع إضافي مع الكيان من شأنّه أن يزيد فرص السّلام في المنطقة، غير أنّ هذه الإعلان تناسى أنّ رئيس وزراء الكيان ذاته أكّد عقب توقيع اتفاق التطبيع المشؤم أنّ مشاريع الضّم التي تُعتبر بالنسبة له برنامجاً سياسيا، لم يتم إلغاؤها، وإنّما تمّ إيقافها مؤقتاً حسب تأكيده، الأمر الذي يؤكد أنّ هذا الإيقاف المؤقت لم يكن إلّا لحفظ ماء وجه عيال زايد، وإيجاد مخرج لجريمة التطبيع التي ارتكبوها.
وفي النهاية؛ فإنّ أيّ اتفاق للسلام مع الفلسطينيين لن يكون أفضل من سابقيه الموقعين في كامب ديفيد ووادي عربة، وهما الاتفاقان الذين أنهيا حالة الحرب بين مصر والكيان من جهة، وبين الأردن والكيان من جهةٍ ثانية، لكنّهما لم يخلقا سلاماً في المنطقة على الإطلاق، بل على العكس؛ فقد زادت من حالة الحنق لدى الشارع في مصر والأردن، وبقي الكيان يُتاجر بهذه الاتفاقيات خصوصاً في البازار الانتخابي داخل الكيان، واليوم وبعد إعلان التطبيع الإماراتي؛ يُحاول نتنياهو الاستفادة أيضاً من مُحاولة إحراج الفلسطينيين أمام العالم من جهة، وتبييض صورته أمام المُستوطنين اليهود من جهةٍ ثانية تجهيزاً لانتخابات مُبكرة بات يظنُّ نتنياهو أنّه سيكسبها ويتخلص من عقدة أزرق أبيض التي باتت تخنقه، غير أنّه من غير المُتوقّع أن تلقى دعوة الكيان هذه أيّ إجابة من قبل السلطة الفلسطينية، حيث إنّ أيّ إجابة من شأنها أن تُنهي المُستقبل السياسي لمحمود عبّاس وسلطته.