الوقت - بعد فترة طويلة من المشاورات، وباستخدام كل الأدوات الصلبة واللينة لإقناع مجلس الأمن بالموافقة على استمرار حظر الأسلحة علی إيران، واجه البيت الأبيض أمس هزيمةً قاسيةً وغير مسبوقة في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية، والتي كانت بمثابة إخفاق كبير لترامب وفريقه المناهض لإيران.
صوتت أمريكا وجمهورية الدومينيكان لمصلحة مشروع القرار، بينما صوتت الصين وروسيا ضده، وامتنع أعضاء آخرون في مجلس الأمن عن التصويت، ورفضوا المسودة الأمريكية للمرة الثانية خلال الأشهر الأخيرة.
يمكن رؤية حجم هذه الهزيمة لسياسة ترامب الخارجية، في غضب بومبيو من نتيجة التصويت. حيث انتقد التصويت بعد هزيمة بلاده المهينة في مجلس الأمن، وقال: إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مسؤول عن الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. اليوم، فشل المجلس في أداء مهمته الأساسية المحددة. لقد رفض مجلس الأمن قراراً معقولاً بتمديد حظر الأسلحة على إيران والذي استمر 13 عاماً.
انتصار إيران.. أمريكا في مأزق استراتيجي
يمكن اعتبار الخيبة الأمريکية في مجلس الأمن، فشلاً تامًا من کل النواحي في سياسة واستراتيجية الضغط الأمريكي على إيران بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، وفي المقابل انتصار الاستراتيجية العقلانية للجمهورية الإسلامية في عدم الانسحاب الکامل من الاتفاق النووي بالتزامن مع اتخاذ خطوات لتقليص التزاماتها، ومحاولة استغلال الخلافات المحتملة بين الأطراف المتبقية في الاتفاق النووي مع أمريكا.
لقد انسحب ترامب من الاتفاق النووي بتفاؤل وثقة تامة بفاعلية سياسة الضغط على إيران، ولكن في الأيام القليلة الماضية، شهد هذا الملف حدثين مهمين وضعا نهايةً وفشلاً كاملاً لهذه السياسة، وهما استقالة "برايان هوك" من رئاسة مجموعة العمل الخاصة بإيران في الخارجية الأمريكية، وكذلك الفشل في مجلس الأمن.
لا يملك ترامب حالياً استراتيجيةً واضحةً لوقف برنامج إيران النووي، ومع الانسحاب من الاتفاق النووي، أصبح من المستحيل عملياً عليه استخدام آلية الزناد لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران.
من ناحية أخرى، فإنّ شرعية العقوبات أصبحت موضع تساؤل من قبل المجتمع الدولي، بسبب وضوح الإجراءات غير القانونية والقسرية للبيت الأبيض، وبالإضافة إلى جيرانها، فإن القوى الشرقية الكبرى مثل الصين وروسيا مستعدة للتعاون مع إيران، وخاصةً التعاون العسكري.
نهاية القوة الناعمة.. والعزلة التاريخيّة للبيت الأبيض
من بُعد آخر، فإن إحدى النتائج الحتمية لفشل أمريكا في تمديد حظر الأسلحة على طهران، هي الفجوة الكبيرة في صورة القوة العظمى الأمريكية.
وعلى الرغم من أنه مع تراجع قوة أمريكا على مدى العقدين الماضيين، زادت قدرة القوى الدولية الأخرى على لعب الدور في مواجهة السياسات الأحادية الأمريكية على الساحة الدولية، إلا أنه قلما نجد مرحلةً اتخذت فيها الدول الصغيرة وحلفاء أمريكا موقفاً معارضاً علنياً لسياسات البيت الأبيض، وتجد واشنطن نفسها غير قادرة على حشد هذه الدول إلى جانبها.
إن امتناع دول صغيرة من حيث لعب الدور على الساحة الدولية عن التصويت، مثل سلوفينيا وتونس، أو امتناع دول أوروبية عن التصويت، والتي انتقدت دائماً برنامج إيران الصاروخي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، يظهر تراجع القوة الناعمة لأمريكا وكذلك عزلتها السياسية خلال عهد ترامب.
كانت الدول الأوروبية نفسها من بين الواضعين والمتبنين لقرار مجلس الأمن رقم 2231، ورغم ذلك رفضت التعاون مع البيت الأبيض، لتظهر بذلك الصدع الذي حدث في التحالف عبر الأطلسي.
خلال الحرب الباردة ولمواجهة السياسات السوفيتية والقرارات المقترحة من قبل الاتحاد السوفيتي، کانت أمريكا تمنع تمرير القرارات دون استخدام حق النقض مباشرةً، وذلك من خلال حشد الأعضاء الآخرين إلی جانبها، ولكن البيت الأبيض بات حالياً غير قادر حتى على إقناع حلفائه التقليديين في الناتو.
في الواقع، مع تولي ترامب منصبه، ارتفعت الأصوات المعارضة، حتى بين الدول الصغيرة، ضد سياسات البيت الأبيض الأحادية وغير القانونية والمزعزعة للاستقرار.