الوقت- يجري حاليا في لبنان تعويم الفوضى وتغليبها على أي حل فالشارع الملكوم بما جرى لم يعد يطيق بقاء الطبقة السياسية الحاكمة للبلاد، ورغم أنه لا يفكر بما بعد ذهاب هذه الطبقة السياسية ومن يدير البلد ولكن جل طموحاته اليوم اسقاط هذه الطبقة ورحيلها، ولكن ما هو البديل؟.
البديل ظهر في خطاب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، من خلال اجراء تغير للنظام السياسي خلال شهر وإلا سيحل المشكلة ماكرون بنفسه وكأنه الحاكم الفعلي للبنان والوصي عليها، ولكن لا يمكننا لوم ماكرون كثيرا في ظل الانقسام اللبناني الحاصل وتشرذم المشهد السياسي واختلاف الحسابات بين الأفرقاء، فكل يغني على ليلاه والبلد يزداد خراباً يوما بعد، ليزيد المشهد قاتمةً استقالة المزيد من الوزراء والنواب تلبية لمتطلبات الشارع، ولكن هل هذه الاستقالات بريئة بعد أن اقترح رئيس الحكومة حسان دياب انتخابات نيابيّة مُبكّرة في غُضون شهرين تأتي بطبقة سياسيّة وبرلمان جديد كخطوة رئيسيّة على طريقِ حلّ الأزمة، وإعادة بعض الثّقة الغائبة للنّظام السياسي، ولكن هُناك جهات سارعت لتقويض هذا الحل بذريعة ضرورة الإتيان، أو إقرار قانون انتخابي جديد، تتم على أساسه انتخابات برلمانيّة، مع ضرورة إجراء تحقيق جدّي ومُحاسبة جميع المُتورّطين في الإهمال، وسُوء الإدارة، ويذهب بعض الذين يُؤيّدون عرقلة هذا المشروع إلى المُطالبة بتحقيقٍ دوليٍّ لإظهار الحقائق والتّشكيك في الوقت نفسه بالمُؤسّسات الوطنيّة اللبنانيّة، الأمنيّة والسياسيّة للقِيام بهذه المَهمّة، رِهانًا على النّسيان وعُنصر الوقت، وتعود دار أبي سفيان على حالها.
الاستقالات قد تحمل رسائل أخرى، خاصة وانها جاءت بعد حديث دياب عن العمر القصير للحكومة، وبالتالي يمكن القول بأن هذه الاستقالات ظهرت وكانها استجابة لمطلب الشارع، وكي تستفيد تلك القوى السياسية التي ينتمي اليها الوزراء انتخابيا في الانتخابات المبكرة القادمة. النواب الذين استقالوا كانت لهم الاسباب الانتخابية نفسها. بالاضافة الى تصوير التغييرات المقبلة بانها اتت على وقع انهيار الحكومة ومجلس النواب وليست تغييرات تم الاتفاق عليها بوجود الحكومة والرئيس، اضطلاع القوى السياسية كافة.
حتى كتابة هذه السطور هناك تسعة استقالات في مجلس النواب، (مروان حمادة، سامي الجميل، نديم الجميل، الياس حنكش، ميشال ضاهر، نعمة افرام، ميشال معوض وهنري حلو وديما جمالي).
القوات اللبنانية تعتبر أن الاستقالات في شكل عشوائي وغير مدروس لن تؤدي إلى استقالة مجلس النواب، بل إلى انتخابات فرعية لملء الشغور الحاصل، فقد أكدت مصادرها أن اتصالات تجري بينها وبين الاشتراكي والمستقبل في سبيل البحث في استقالة الأطراف الثلاثة من المجلس، إذ ستؤدي استقالة كهذه إلى فقدان المجلس لميثاقيته السنية والدرزية، وستؤدي إلى استقالة أكثر من ثلث أعضاء المجلس، ما يزيد من صعوبة إجراء انتخابات فرعية لعدد كبير من النواب، ويمهّد بالتالي لانتخابات مبكرة.
وسط هذه الاستقالات يأتي الاعلام الفاشي والذي لا يملك اي مهنية ليأجج الصراع القائم في لبنان ويشجع المتظاهرين على الاستمرار في حراكهم والسيطرة على المزيد من الوزارات، وصناعة مشاهد تمثيلية لعنف الجيش تجاه المواطنين مع العلم ان المحتجين قتلوا عنصرا امنياً، وبالتالي هناك من يغذي هذه المظاهرات ويستغل وجع الناس ليمرر اجندته، فالمُتظاهرون الغاضبون، حملوا اتّهامات جاهزة ضد الحكومة، والرئيس اللبناني، وحمّلوا النظام الذي يقولون إنّه بيد "حزب الله" مسؤوليّة انفجار مرفأ بيروت، والتدهور الاقتصادي الحاصل في البلاد، وانهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار.
نفي السيّد حسن نصر الله تماماً، مسؤوليّة حزبه، عن الانفجار، ويُؤكّد أن لا علم له، بأي تفصيل داخل المرفأ، هذا النّفي فتح على "سيّد المُقاومة" باب الانتقادات الواسعة، حيث تقول وجهة نظر خُصومه، بأنّ أمنه، هو المسؤول عن حماية المرفأ، وبالتالي حمايتهم من الكوارث المُتفجّرة، تأتي بوزن حمايتهم من "العدو الإسرائيلي"، وإلا على الحزب أن يتخلّى عن قوّته، والمعنى التخلّي عن سلاحه.
في استعراض المشهد، هناك ثلاث آراء يجري تقديمها، فيما لو قرأ مُراقبون المشهديّة اللبنانيّة، وهي كالتالي:
المُوالون للحكومة، والعهد الرئيس ميشيل عون، ومحور المقاومة، الذين يريدون تحقيقاً شفّافاً، حول حقيقة ما جرى في المرفأ، وتقديم المسؤولين عنه للعدالة، ودون استجلاب تحقيق دولي، وتدويل الأزمة بالتالي.
المُعارضون للرئيس عون، والحكومة، لكن يحملون أجندات من خلال دعواتهم تدويل التحقيق، والتشكيك بالتحقيق المحلّي، وتصويب أصابع الاتّهام نحو حزب الله، ومُحاولة إعادة مشهد اغتيال رفيق الحريري، والاستفادة من التفجير، وتفجير الشارع، من خلال صدامات مع قوى الأمن، و إلقاء نظرة على تصريحات سمير جعجع الأخيرة تأتي في السّياق.
الطّيف الأخير، والذين يُحاولون الحياد، والوقوف بوجه الطبقة السياسيّة كلها، ومُحاربة الفساد، وهؤلاء، لعلّهم، قد جرى مُصادرة مطالبهم، وخلطها بأجندات سياسيّة، أنهت حراكهم السلمي، ووضعته في إطار العنف، الفئة التي احتلّت وزارة الخارجيّة، قد لا تُمثّلهم، فدخولهم كما يرى البعض كان مصحوباً بما عُرِف بالمُتقاعدين العسكريين، وهؤلاء فئة جرى تسليط الضوء عليهم بشكلٍ لافت على الشاشات الخليجيّة، وقدّمت تحرّكاتهم، وكأنها ضد عناصر الجيش اللبناني، حيث ساهم هؤلاء بشكلٍ أو بآخر باحتلال الوزارة، وكان هُناك مخطّط لاستكمال احتلال الوزارات تباعاً، تحت زعم شعار إعادة السلطة للشعب، وإسقاط النظام، وهو ما رفضه البعض الآخر من اللبنانيين، خشية الفوضى.
عدسات شاشات الإعلام المُوجّهة، كانت قد سلّطت عدساتها، وتابعت تغطياتها، الجُموع الغاضبة التي خرجت احتجاجاً على ما وقع من كارثة في مرفأ بيروت، كان الشعار الأبرز الذي رفعه بيافطات كبيرة بيروت مدينة خالية من السلاح و أنّ هذا الشعار لم يجر رفعه بشكلٍ عفويّ، والهدف هو خلق حالة رأي عام، تُحمّل هذا السلاح مسؤوليّة الانفجار، و يقول المُوالون لحزب الله و المُقاومة، سلاح الحزب مكانه فقط الجنوب، ومُسلّطٌ على إسرائيل، في عمليّة ردع، تمنع الأخيرة من العدوان على لبنان. هنا تُطرح التساؤلات، هل یقف الکیان الاسرائیلی خلف هذا الانفجار، تضامن العالي النّادر لهذا الکیان يُثير الشّكوك أيضاً، وسعي الحثيث لتقديم المُساعدات.