الوقت-بعد تزايد حالات إسقاط تماثيل الشخصيات التاريخية من قبل المتظاهرين المناهضين للعنصرية في مختلف المدن الأمريكية، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الآن أمراً خاصاً يأمر بحماية المباني والآثار والمنحوتات.
وكتب الرئيس تغريدة له على موقع تويتر قال فيها: "لقد وقّعت على أمر تنفيذي قويّ للغاية لحماية الآثار والنصب التذكارية والتماثيل الأمريكية ولمكافحة العنف الإجرامي الذي حصل مؤخراً".
ووصف ترامب المتظاهرين الغاضبين والمُحتجين على التمييز العنصري في الهيكل السياسي والاجتماعي لأمريكا، بأنّهم متمردون ومشاغبون، نتيجة احتجاجاتهم التي تنتشر مثل حرائق الغابات على خلفية القتل الوحشي الذي تعرّض له شاب أمريكي أسود البشرة من قبل شرطة مدينة مينيابوليس، وهدد ترامب بإصدار أوامر قمع شديدة من خلال القوات الخاصة.
ما هي التماثيل التي اُسقطت؟
ترتبط معظم التماثيل والمعالم الأثرية التي هاجمها أو أسقطها المتظاهرون المناهضون للعنصرية في جميع أنحاء أمريكا بطريقة أو بأخرى بالمدافعين عن العنصرية في فترة ما قبل إلغاء قانون العبودية وحروب الانفصال (1861-1865) بين الولايات الشمالية والجنوبية في هذا البلد.
حيث احتشدت مجموعة من المتظاهرين المناهضين للعنصرية في أمريكا حول تمثال جورج واشنطن، مؤسس أمريكا وأول رئيس لها، في بورتلاند في ولاية أوريغون، في 31 يونيو إذ قَلَب المتظاهرون التمثال وسحبوه على الأرض بعدما حرقوا رأسه.
وفي يونيو الحالي، حاولت مجموعة من المتظاهرين المحتجين على وفاة جورج فلويد في واشنطن هدم تمثال أندرو جاكسون، الرئيس السابع لأمريكا، في لافاييت بارك مقابل البيت الأبيض، وردد المتظاهرون هتافات ضدّ جاكسون وهم يحاولون الإطاحة بالتمثال لكن الغاز المسيل للدموع أوقفهم، وكان أندرو جاكسون رئيساً للحزب الديمقراطي بين عامي 1829 و 1837.
وفي فرجينيا، كتب المتظاهرون شعارات على قطعة من الصخور التي كانت محلّاً لبيع العبيد والتي يعود تاريخها إلى 176 عاماً، ما دفع مسؤولو المدينة إلى اتخاذ قرار برفعها من المدينة ونقلها إلى المتحف، ومن الشخصيات البارزة الأخرى التي توجّه إليها المحتجون كان تمثال روبرت إيلي، وهو قائد عسكري مؤيّد للعبودية والرّق في ولاية فرجينيا.
وأثناء الاحتجاجات الأخيرة، كتب الناس شعارات على أعمدة التمثال وتجمّعوا حوله، ومن المقرّر رفع التمثال عن مكانه قريباً.
كما تم إسقاط تمثال تشارلز لين، قائد البحرية في اتحاد الكونفدرالية الجنوبية، الذي دافع عن العبودية في حينها، في لين بارك في برمنغهام، ألاباما، في 31 مايو 2020 بعدما تم نصبه في مكانه الحالي عام 2013.
بشكل عام، أحتج المتظاهرون في الأسابيع الأخيرة الماضية، أمام التماثيل المتعلقة بالاتحاد الجنوبي من قبل المناهضين للعنصرية في جميع أنحاء أمريكا.
وفي هذا السياق، تمّ هدم تمثال روبرت إي لي في مدرسة روبرت إي لي الثانوية في ألاباما، بالإضافة الى تمثال للأدميرال رافائيل سيمز في ألاباما حيث نُقل من مركز المدينة بناء على طلب من العمدة، وتم هدم بناء بنتونفيل التاريخي المتعلق بإحياء ذكرى الاتحاد في ولاية أركنساس، كما تم نقل مبنى الكونفدرالية أثينا في ولاية جورجيا من قبل العمدة ومجلس المدينة، بالاضافة الى نقل النصب التذكاري لاحترام المرأة الكونفدرالية وجميع الرموز الكونفدرالية من مدينة فلوريدا من قبل العمدة، وأخيرا هدم مبنى الكونفدرالية في تكساس وغيرها الكثير.
تم بناء الغالبية العظمى من هذه الكونفدراليات خلال فترة الرئيس جيم كرو (1977-1877). كانت قوانين جيم كرو قوانين محلية شرعت الفصل العنصري في جنوب الولايات المتحدة. وتم تمرير هذه القوانين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والتي كانت تستخدمها السلطة التشريعية لحكومة البيض للولايات المتحدة لإلغاء حق التصويت وإلغاء الحقوق السياسية والاقتصادية للسود. واستمرت قوانين جيم كرو حتى عام 1965، عندما بدأت الحركة السود.
هل ترامب قلق على التراث الثقافي؟
إن تدمير الممتلكات العامة، وخاصة الأعمال الفنية الحضرية، هو نتيجة للأحداث التي تكررت عبر التاريخ، أو أن مثل هذه الأعمال الفنية أصبحت منصة يتجمع حولها المتظاهرون، وقد أدى ذلك إلى صراع سياسي وثقافي بين المؤيدين والرافضين لهذه الأفعال.
يرى المؤيدون لهذه الأفعال أن بناء هذه المباني والتماثيل والنصب التذكارية تحت عنوان التراث الثقافي والتذكاري، ليست سوى وسائل لتحقيق غايات سياسية منها ترهيب المواطنين الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية ولتأكيد أفضلية البيض على السود في البلاد، لكن منتقدي هدم تماثيل المؤيدين للعنصرية يعتقدون أنّه بغض النظر عن المحتوى الذي تروّج له الآثار، فهي أعمال فنّية تتعلق بجميع سكان البلد ولها قيمة تاريخية، وتم إنفاق أموال على بنائها.
وفي تغريدة على تويتر قبل يومين، كتب ترامب لدعم التحف الثقافية: "إنّه لأمر محزن للغاية أن تسمح الولايات للعصابات المتجولة والفوضويين بهدم تماثيل وآثار ماضينا دون معرفة طبيعة إنجازاتهم"، "بعض هذه الأعمال الفنّية رائعة، لكن جميعها، سواء أكانت جيدة أم سيّئة، تمثّل تاريخنا وتراثنا."
لكن هل قلق ترامب هو ذات القلق الذي يحمله المدافعون عن الآثار الثقافية؟ يبدو من غير المحتمل أنّ منشأ ترامب السياسي والشعبوي الذي قاده إلى البيت الأبيض كان يشكّله عموماً رأسماليون، ولوبيات تصنع الأسلحة، وجماعات يمينية متطرفة، ولوبياتصهيونية، ومعارضون للعولمة، العديد من هذه المنظمات لديها نزعة الأفضلية، أي أفضلية الدور القيادي الذي تلعبه أمريكا في العالم والأفضلية العنصرية، وهذا يعني أنّ ترامب يتطلّع إلى تقديس المحتوى العنصري لهذه الآثار، وليس التراث الثقافي والسياحة.