الوقت- رافق مشهد التطورات السياسية في العراق في السنوات الأخيرة، خاصة بعد سقوط دولة الخلافة التي أعلن عن قيامها تنظيم داعش الارهابي في البلاد، العديد من الأزمات والعقبات، وظل تأثير الأزمة حتى الآن يثقل كاهل المجتمع العراقي والحكومة العراقية. ومما زاد من تفاقم الأزمة في العراق، بقاء البلاد لأكثر من خمسة أشهر في فراغ دستوري بعد الأزمة التي خلفتها استقالة عادل عبد المهدي وعدم تعيين خليفة يخلفه، حيث كان العراق أثناء هذه الفترة على حافة الهاوية.
ومع ذلك، عندما تم تعيين السيد مصطفى الكاظمي، الصحفي ورئيس جهاز المخابرات والأمن العراقي، رسمياً من قبل الرئيس العراقي برهم صالح في 9 أبريل 2020، لتشكيل حكومة جديدة، انبثق نور أمل الخروج من أزمة خلافة عبد المهدي. ونجح الكاظمي، الذي كان أمامه حتى 8 مايو / أيار لتشكيل الحكومة ونيل الثقة فيها، من كسب ثقة البرلمان العراقي في 6 مايو 2020.
وفي ظل الظروف الجديدة، يراقب الجميع عن كثب أعمال وقرارات الكاظمي، ويأمل الجميع أن يتمكن الرئيس الجديد من إدارة التطورات في العراق في مجال السياسة الداخلية والخارجية. وعلى الرغم من أن معظم المراقبين السياسيين يرونه رئيسا مؤقتا خلال الفترة الانتقالية أو رئيسا للحكومة حتى موعد الانتخابات البرلمانية الجديدة، يبدو أن قراراته في المستقبل من شأنها أن تضمن إعادة انتخابه رئيسا للوزراء.
وفي هذا الإطار، كان من أهم الإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء العراقي الجديد في الأيام الأخيرة، لقاءه بقادة الحشد الشعبي وعلى رأسهم رئيس هيئة الحشد السيد فالح الفياض، الذي غطته وسائل الإعلام والمراقبون السياسيون على نطاق واسع. والآن السؤال هو، ما هي انعكاسات لقاء الكاظمي بقادة الحشد على معادلات العراق المستقبلية؟ قبل التطرق الى هذه القضية، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أن مصطفى الكاظمي يمضي بطريقة إيجابية نحو إكمال تشكيل الحكومة، كما أنه يُظهر أهدافه وسلوكه السياسي في شكل أفعاله.
الحشد الشعبي والكاظمي: رسائل لقاء تاريخي
إن لقاء الكاظمي بفالح الفياض وارتدائه زي قوات الحشد الشعبي، لها أهمية كبيرة، في ظل الوضع الحالي الذي تسعى فيه الإدارة الأمريكية بجد لجعل قرارات وأفعال رئيس الوزراء الجديد تصب في صالحهم وفي صالح سياساتهم، ولا يمكن تقييم هذا الحدث على أنه لقاء عادي بين شخصيتان سياسيتان في الساحة العراقية.
في المستوى الأول، كان لتكريم مصطفى الكاظمي من قبل هيئة الحشد الشعبي أهمية بالغة للغاية لمعارضي محور المقاومة، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني، الذين يسعون بشدة إلى حل هذه الهيئة من قبل الحكومة العراقية.
حيث كانوا يأملون في أن يتم تنفيذ هذه الغاية من خلال رئيس الوزراء العراقي الجديد، أو على الأقل، أن يقترب الكاظمي من المحور السعودي ويبتعد عن الحشد الشعبي، لكن هذه الخطوة واللقاء بقادة الحشد وارتداء زي هذه القوات حملت رسالة واضحة الى أعداء محور المقاومة. وأظهر هذا الإجراء أن الكاظمي لا يتقاطع بأي حال من الأحوال مع الحشد الشعبي ولا يريد حل هذه الهيئة.
في المستوى الثاني، أظهرت تصريحات مصطفى الكاظمي خلال لقائه مع فالح الفياض أنه يعتقد أن قوات الحشد الشعبي هم أبطال الوطن، الذين منعوا سقوط بغداد أثناء احتلال داعش للبلاد، وكذلك كان لهم اليد العليا في احباط مؤامرات الكيان الصهيوني في تقسيم العراق في المستقبل.
في الواقع، اضافة الى ان مصطفى الكاظمي لا يتقاطع مع الحشد الشعبي، فقد عد هذه القوات أنها ضرورية في مواجهة التهديدات الأمنية. كما إن شجاعة الحشد الشعبي في الهجمات التي حدثت في الأسابيع القليلة الماضية، بعدما استأنفت قوات داعش أنشطتها العسكرية بمؤامرة أمريكية سرية في العراق، هي دليل واضح على أن الحشد الشعبي يصبو لخدمة العراق والعراقيين، وهو ما أشاد به الكاظمي.
في المستوى الثالث، يظهر ان خطوة الكاظمي الرمزية هذه تعزز بطريقة أو بأخرى موقع وقوة الحشد الشعبي في الهيكل السياسي للعراق. وهذا يعني أنه في المستقبل، لن تُطرح قضية حل هذه الهيئة الشعبية، بل وربما سيحتل الحشد الشعبي مكانة خاصة في الآلية الجديدة في العراق. وفي الواقع، إن تعزيز سلطة وموقف الحشد الشعبي في العراق سيضمن تمكين العراق على مختلف المستويات، وحتى في المستقبل يمكن أن يحتفظ مصطفى الكاظمي بمنصبه رئيسا للوزراء.
الرد على مزاعم تبعية الكاظمي لواشنطن
على صعيد آخر، نشر موقع الشرق الأوسط تقريرًا في الأيام الأخيرة، جاء فيه أن مصطفى الكاظمي قد يكون دمية بيد الولايات المتحدة. وبعد هذا التقرير، شهدنا زيارة رئيس الوزراء العراقي الجديد الى فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، التي تُعد أهم قوة سياسية تعارض الحضور والتعاون مع الولايات المتحدة.
وبمعنى آخر، يمكن اعتبار خطوة رئيس الوزراء العراقي، أنها إشارة ورسالة واضحة لجميع وسائل الإعلام والدول المؤثرة في العراق، رسالة مضمونها ان الكاظمي سياسي مستقل يعمل في إطار المصالح الوطنية للبلاد وسيدعم أي قوة تخدم البلاد. جدير بالذكر أن الكاظمي، بعد ارتداء زي الحشد الشعبي ، أظهر أنه يوافق على طرد الجنود الأمريكيين من هذا البلد.