الوقت- منذ فترة من الزمن، تتظاهر الإدارة الأمريكية في خطتها المتعرجة ضد الاتفاق النووي، كما لو أنها لم تنسحب من هذا الاتفاق.
يشار إلی أنه في 8 مايو 2018، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميًا انسحابه من الاتفاق النووي، وتم نشر بيان بهذا الشأن على موقع البيت الأبيض على الإنترنت.
في هذا السياق وفي استدلال غريب، يحاول وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" أن يثبت بشکل قانوني، أو "يزعم" بشكل أدق، أن بلاده لا تزال "تشارك" في الاتفاق النووي.
هذا الموقف يتناقض بشكل واضح مع بيان الإدارة وتصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين، الذين أكدوا في عام 2018 مرارًا وتكرارًا على الانسحاب، و"إنهاء المشاركة الأمريكية" في الاتفاق.
لذا فإن الخطة الأمريكية الجديدة هي جهد سياسي بواجهة قانونية. وفي حالات أخرى، لم تلتزم حكومة الولايات المتحدة بالقانون الدولي التزامًا يُعتدّ به.
على ما يبدو، يجادل المسؤولون في الإدارة الأمريكية بأنه نظرًا لأن القرار 2231 الذي أقر الاتفاق النووي، جعل الولايات المتحدة عضوًا أو شريكًا في هذا الاتفاق، فإن واشنطن لا تزال لديها حصة في الاتفاق النووي.
إن الولايات المتحدة لا تحاول العودة إلى الاتفاق النووي بدافع الحب والمودة، بل بدافع الاستياء والمشكلة مع بعض أحكامه. حيث من المقرر رفع حظر الأسلحة علی إيران(الأسلحة التقليدية) في أكتوبر 2020، قبل ثلاثة أسابيع تقريبًا من الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وحالياً تحاول واشنطن، التي وضعت كل بيضها في سلة الضغط القصوی علی إيران، عدم التضرُّر من هذا الاتفاق على الأقل إذا لم تتمكن من إنهائها قانونياً قبل الانتخابات. وبمعنى آخر، تريد واشنطن ألا تكون خاسرةً إذا لا تستطيع أن تکون رابحةً. ولهذا السبب يسعی البيت الأبيض لوقف حظر الأسلحة الذي تفرضه علی إيران.
من ناحية أخرى، يشکل هذا الأمر ذريعةً لتحويل الرأي العام الأمريكي عن الأداء الضعيف لإدارة ترامب في المعركة ضد کورونا، حتى تتمكن هذه الإدارة من تخفيف الضغط الشعبي على البيت الأبيض، عبر استخدام ملف يرتبط بالسياسة الخارجية.
علی أية حال، إن مزاعم واشنطن ليست مقبولةً لا قانونياً ولا منطقياً. ومن الناحية السياسية أيضاً، فمن غير المرجح أن تخضع دول مثل روسيا والصين لمثل هذا التفسير الأمريکي الزائف. وقد شددت بعض الدول الأوروبية، بما في ذلك فرنسا، حتى الآن على تنفيذ قرار الأمم المتحدة بشأن رفع حظر التسليح المفروض على إيران.
لقد أعلنت الإدارة الأمريكية رسمياً انسحابها من الاتفاق النووي، واجتمعت اللجنة المشتركة والأعضاء الآخرون في هذا الاتفاق مراراً دون حضور الولايات المتحدة. لذلك، لا يمكن للولايات المتحدة قانونياً العودة إلی الاتفاق بعد الانسحاب الرسمي منه.
وحتی إذا افترضنا أن الولايات المتحدة تريد العودة إلى الاتفاق النووي، فهل هي مستعدة لرفع جميع العقوبات النووية وغير النووية الجديدة والقديمة التي أعيد فرضها أو تجددت في عهد ترامب؟
مثل هذا الأمر غير محتمل ومستحيل تقريبًا. لأن الولايات المتحدة لم تسمح بتسهيل وصول المساعدات الدولية إلی إيران أثناء تفشي فيروس کورونا، وذلك حتی لا تضعف سياستها الخاصة بممارسة الضغط القصوی، فضلاً عن رغبتها في رفع العقوبات بسبب العودة إلی الاتفاق النووي. وإذا لا تريد واشنطن رفع العقوبات، فما هذا النوع من العودة والمشاركة في الاتفاق النووي؟
الولايات المتحدة، التي انتهكت من جانب واحد الاتفاق النووي ومنعت الآخرين من الالتزام به، تريد أن تظهر وکأنها عضو في هذا الاتفاق، ليس من أجل الالتزام ببنوده، بل لمزيد من الانتهاك. إذن، أي نوع من العضوية هذا والذي لا يتم للوفاء بالالتزامات بل لنقض العهود؟ ولذلك، فإن مسألة العضوية مرفوضة من الناحية القانونية والمنطقية.
لقد انتهكت الولايات المتحدة مراراً التزاماتها بموجب الاتفاق النووي. ونفس الانسحاب من الاتفاق النووي وإجراءات الولايات المتحدة بعد الخروج، يتضمن مجموعةً متنوعةً من الانتهاكات.
کما انتهكت واشنطن الاتفاق النووي حتى قبل المغادرة. حيث أن فرض القيود والحظر على السفر إلى إيران أو سفر الإيرانيين إلى الولايات المتحدة، والذي كان جزء منها أثناء إدارة باراك أوباما واستُکمل لاحقًا في إدارة ترامب، يعدّ أحد الانتهاكات قبل الانسحاب.
إدارة ترامب وبينما أکدت التزام إيران في تقريرين لها، تحدثت ضد الاتفاق مرات عديدة، ومن خلال انتهاك الفقرة 29 من نص الاتفاق النووي التي توصي بتطبيع العلاقات الاقتصادية الإيرانية مع الدول الأخرى، شجعت أو هددت الدول بعدم التجارة مع إيران.
ومن المثير للاهتمام أن الولايات المتحدة تتذرَّع الآن باتفاقٍ قامت هي بانتهاکه والانسحاب منه. والآن تريد العودة إلى الاتفاق للرد على عدم امتثال إيران. لكن النقطة الهامة هي أن جميع الإجراءات الإيرانية، بما في ذلك خفض الالتزامات النووية، لا تزال تتماشى مع شروط الاتفاق النووي.
حيث تنص المادة 36 من الاتفاق النووي على أنه، "إذا اعتقدت إيران أن أيًا من أعضاء مجموعة 5+1 أو جميعها لم يمتثلوا بالتزاماتهم بموجب هذا الاتفاق النووي، فيمكن لإيران إحالة الأمر إلى اللجنة المشتركة للتسوية".
ثم تشير هذه الفقرة إلی مدى زمني محدد، واجتماعات اللجنة المشتركة للاتفاق النووي، وتقول إنه "إذا لم تتم تسوية الأمر بصورة مرضية للمدعي، وإذا كان المدعي يعتقد أن الأمر مصداق لـ "عدم امتثال أساسي"، فيمكن له حينئذ أن يعتبر الأمر غير المحسوم كأساس للوقف العام أو الجزئي للوفاء بالتزاماته بموجب الاتفاق النووي، أو إخطار مجلس الأمن الدولي بأنه يری أن هذا الأمر يُعتبر مصداقاً لـ "عدم الالتزام الأساسي".
لذلك، فإن إجراءات إيران تقع في إطار الاتفاق النووي، وبالتالي فإن الحجة الأمريكية في هذا الصدد ليست مقبولةً.
وختاماً، يُعتبر الموقف الأمريكي وخطة الولايات المتحدة الأخيرة، ظاهرةً مضحكةً تشوبها الفکاهة، أكثر من كونه ظاهرةً قانونيةً. حيث كانت الولايات المتحدة حتى الأمس القريب تهاجم الاتفاق النووي، ولكنها اليوم تتظاهر بالعضوية فيه.