الوقت - في حين أن التطورات السورية باتت محور الاهتمام، بسبب عمليات تحرير إدلب وتدخل تركيا العسكري لدعم الإرهابيين، زار وفد من شرق ليبيا برئاسة نائب رئيس الحكومة "عبد الرحمن الأحيرش"، ووزير الخارجية والتعاون الدولي في الحكومة الليبية "عبد الهادي الحويج" مع القيادة في دمشق، واتفق الجانبان بعد عدة أيام من المفاوضات يوم الثلاثاء على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وفي هذا السياق فتحت ليبيا سفارتها في سوريا أولاً.
في هذا المراسم وفي کلمة هامة، أشار نائب وزير الخارجية السوري "فيصل المقداد" إلى عودة رفع العلم الليبي إلى السماء السورية، معتبراً إياها مقدمة لإعادة أعلام الدول الأخرى.
تزامُن هذا التطور الهام للعلاقات الخارجية لدمشق في العلاقات مع الدول العربية، مع تأجيل قمة الجامعة العربية في الجزائر إلی الصيف المقبل، بذريعة الخوف من انتشار فيروس كورونا، وبينما تشير مصادر مطلعة إلى أن السبب الرئيس هو إصرار الجزائر على عودة سوريا إلى الجامعة وعقد اجتماعها المقبل بحضور دمشق، يشير بشكل عام أولاً إلى انعکاس الآفاق الإيجابية للاستقرار الكامل للأوضاع في سوريا وإعادة سيطرة النظام الحالي علی البلاد، وثانياً نتاج أهمية سوريا المتزايدة في لعبة المنافسات الجيوسياسية بين الأقطاب المتنافسة الرئيسة في العالم العربي، وثالثاً التغيير السياسي في جزء من العالم العربي.
سوريا طليعة المعركة ضد الإرهاب
مع بداية الأزمة في سوريا في عام 2011، وبسبب موقعها المهم في المنافسات الإقليمية، أدى التدخل الأجنبي الواسع النطاق لتفاقم الأزمة في هذا البلد والإطاحة بنظامه، إلى حرب دموية وانتشار الإرهاب والكوارث المروعة.
وقد لعبت الدول العربية المعارضة للنظام السياسي في دمشق، بقيادة السعودية والإمارات وقطر دوراً مهماً في إخراج دمشق من جامعة الدول العربية، وكذلك إجبار الدول العربية الأخرى على قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.
ولكن هذه العملية ومع إدراك الحكومات للتهديد المشترك الذي يمثله نشر الإرهاب، وضرورة المواجهة الجماعية لهزيمته، قد زادت من أهمية دور الحكومة والشعب السوريين في طليعة مكافحة الإرهاب، الأمر الذي کلف سوريا الکثير على مرّ السنين الماضية.
ونتيجةً لذلك، يمكن أن يعزى أحد الأسباب الرئيسة لاستعداد الدول العربية لتحسين علاقاتها مع دمشق، إلى سيطرة النظام علی البلاد والاستقرار النسبي فيها، بعد سنوات من محاربة الإرهاب، والآن فإن دول المنطقة مثل ليبيا التي تواجه بشكل ما هذه الظاهرة المشؤومة، تدعم جهود سوريا لقمع الإرهابيين الذين تدعمهم أنقرة والغرب.
سوريا مفتاح مواجهة الإمبراطورية التركية
تأتي زيارة وفد رفيع المستوى من حكومة شرق ليبيا إلى سوريا وإعادة فتح سفارتها، فضلاً عن الجهود المبذولة لعودة دمشق إلی الجامعة العربية، وسط تصاعد الحرب بالوكالة بين القوى المتنافسة في ليبيا في الأشهر الأخيرة، وبعد عملية ضخمة لقوات خليفة حفتر للسيطرة علی طرابلس وهزيمة حكومة الوفاق الوطني.
ليبيا التي هي واحدة من أهم موارد النفط في العالم، ولها موقع جيوسياسي مهم على ساحل البحر المتوسط، وهو المكان الذي يتم فيه استخراج الغاز، بعد الإطاحة بحكومة معمر القذافي من قبل الحكومات الغربية، انقسمت الآن إلى دولتين متوازيتين في الشرق والغرب، وتبعاً لذلك تشکلت الاصطفافات الدولية لدعم كل حكومة. حيث دعمت كلّاً من روسيا والسعودية والإمارات ومصر القوات التابعة للجنرال خليفة حفتر في الشرق، في حين أن تركيا هي الداعم الرئيس لحكومة الوفاق الوطني الليبية.
الحرب بالوكالة بين هذه الحكومات لهزيمة الخصم في ليبيا، أدّت إلى إرسال المرتزقة وحتى إرسال الإرهابيين المتورطين في الحرب في سوريا إلى ليبيا من قبل أنقرة.
وفي ظل هذه الظروف، أدركت حكومة حفتر والحكومات الداعمة له الدور المهم لسوريا كنقطة محورية مهمة للتدخل العسكري المباشر من قبل أنقرة في التطورات الإقليمية، وبالتالي فهم يريدون تحسين العلاقات مع دمشق، من أجل إفشال خطط أردوغان في سوريا أولاً، ومن ثم منع نقل الإرهابيين إلى ليبيا. بحيث في اجتماع المسؤولين السوريين والليبيين، استعرض المجتمعون معركة البلدين ضد الإرهاب والتدخل الأجنبي فيها، وتم التأكيد على أن ما يحدث في سوريا وليبيا هو حدث واحد.
وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة أنه في حدث هام بالأمس، تحدث موقع "العربي الجديد" الإخباري نقلاً عن مصادر حصرية، عن الجهود المصرية بقيادة "عباس كامل" رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، لتشكيل تحالف أمني استخباري لمواجهة النفوذ التركي في المنطقة العربية.
ووفقًا للمصدر، عقد اجتماع في الأسبوع الماضي في القاهرة تحت عنوان "المنتدى العربي الاستخباري"، حول موضوع التدخل التركي في المنطقة، حيث تم فيه إعداد توصية خاصة للقادة السياسيين في الدول المشارکة.
وقيل إن اجتماع القاهرة أوصی بأن تعود سوريا إلى جامعة الدول العربية في المقام الأول وإنهاء تعليق عضويتها على الفور، وثانياً يجب على دمشق حضور القمة العربية المقبلة، التي ترأسها الجزائر.
كذلك، أعلن العربي الجديد في وقت سابق عن زيارة عباس كامل السرية للجزائر والمغرب وشرق ليبيا، بهدف تشكيل تحالف استخباراتي وعسكري لمواجهة الوجود التركي في ليبيا.
تغييرات تدريجية في معادلات القوة في جامعة الدول العربية
لقد شهد العالم العربي تغيرات مهمة على مدار العقد الماضي، مما أدى إلى ارتفاع الأصوات المستقلة في جامعة الدول العربية وتراجع دور وهيمنة الدول العربية الغنية الأعضاء في مجلس التعاون.
وکانت تونس والجزائر والسودان من البلدان التي شهدت الإطاحة بالنظم الديكتاتورية القريبة من السعودية والإمارات، في الموجة الثانية من الاحتجاجات والثورات الشعبية. وهذا الأمر سيعزز على المدى الطويل موقع الدول المستقلة في الجامعة، والتي تدعو الآن إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية في أقرب وقت ممكن، بدور عراقي ولبناني بارز.