الوقت- كثيرة هي الاخبار التي سمعنا بها مؤخراً حول معاناة اللاجئين السوريين في الوصول إلى حدود أوروبا هرباً من الحرب المستعرة في البلاد، وقد كان آخر فصول هذه المعاناة حادثة مقتل أكثر من 70 مهاجراً خنقاً داخل شاحنة تبريد نمساوية، أثناء محاولتهم عبور الحدود للوصول إلى إحدى الدول الأوروبية. وهذه الحادثة تضاف إلى حوادث مماثلة قضى خلالها الكثير من اللاجئين غرقاً أثناء محاولاتهم عبور البحر المتوسط إلى السواحل الأوروبية على متن مراكب الموت التي يقودها مجموعة من المهربين الجشعين، وقد نشرت وسائل اعلام مشاهد لهؤلاء المهاجرين وقد ارتسم الذعر على وجوه الأطفال والنساء والموج يتخطف قواربهم الصغيرة أمام السواحل الأوروبية، أما السلطات الأوروبية فقد تعمدت في بعض الحالات ترك المهاجرين يغرقون في البحار بغية ردع الآخرين.
فإذا كان هذا حال اللاجئين ممن يمتلكون بعض المال ليدفعوه للمهربين لقاء إيصالهم إلى أوروبا، فماذا يكون حال اللاجئين المعدمين الذين يعيشون في مخيمات اللجوء، ويموت أطفالهم من البرد في الشتاء، وتنعدم لديهم أدنى مقومات العيش الكريم، ويتم استغلالهم وابتزازهم من بعض ضعاف النفوس.
إن ما يعاني منه اللاجئون السورييون يحصل على مرئى نظر جميع الأنظمة العربية والغربية التي أدعت حرصها ومساندتها للشعب السوري، ونخص بالذكر الدول الخليجیة الغنية بالنفط، التي ضخت عشرات مليارات الدولارات لتسعير الحرب في سوريا، بحجة "جلب الديمقراطية" للشعب السوري، في حين أنها تغلق حدودها أمام اللاجئين السوريين، لتتحمل الدول العربية الأكثر فقراً (لبنان والأردن) عبء استضافتهم.
فلماذا لا نرى قطر التي تستعد لاستضافة المونديال وبدأت بتشييد الملاعب والمنشآت وانفاق المليارات من أجل هذا "الحدث العظيم"، تنتفض لاستضافة الشعب السوري، الذي تدعي مساندته وحمايته والذود عن كرامته، وتخصص قناتها الجزيرة ساعات مطولة من بثها من أجل دعم ما تسميها "ثورة الكرامة" في سوريا.
ولماذا لا تفتح السعودية أبوابها أمام هؤلاء اللاجئين وهي الدولة الغنية وصاحبة أكبر انتاج للنفط في العالم، في حين نراها تدعم الجماعات التكفيرية بالسلاح والمال، وتعمل مع قطر وتركيا لاغراق الجماعات المسلحة المعارضة للنظام بالآلاف من صواريخ تاو المضادة للدروع أمريكية الصنع (يبلغ ثمن الصاروخ الواحد 60 ألف دولار)، والتي وفقاً لمصادر ميدانية غدت تُستخدم لاستهداف الافراد من كثرتها.
لماذا نرى الدول الخليجية تتحمس لارسال السلاح للجماعات المعارضة في سوريا، ولدعوة حلف الناتو لقصف ليبيا، ولشن عدوانها الغاشم على اليمن، ولدعم الارهاب في العراق، وكله بحجة اهداء الديمقراطية للشعوب العربية، في حين نراها توصد أبوابها في وجه الشعوب العربية، وإن فتحوها، فبشكل محدود جداً ومن خلال نظام الكفيل والتعامل مع الوافدين كمواطنين من الدرجة الثانية.
من الطبيعي أن لا يشعر بعض قادة وملوك العرب بمعاناة الشعب السوري وبقية الشعوب التي تسببوا في شقائها، ولن يهتز لهم جفن أمام المآسي التي يتعرضون لها في رحلة اللجوء إلى أوروبا عبر مواكب الموت، فرحلة بعض أمراء الدول الخليجیة إلى أوروبا تختلف عن رحلات السوريين، فهم يدخلونها عبر المطارات ويقضون فيها أوقاتهم في الفنادق الفخمة، ويتجولون بسياراتهم الفارهة في شوارع باريس ولندن، وينفقون فيها آلاف الدولارات بحثاً عن الاستجمام والمتعة والهرب من حر الصيف، وقد أثارت الرحلات التي قام بها العديد من الأمراء الخليجيون إلى أوروبا الكثير من الاستياء في الأوساط الشعبية، نتيجة البذخ والاسراف الحاصل فيها، في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها المنطقة، فقد توجه الشهر الماضي الملك السعودي سليمان بن عبد العزيز إلى الجنوب الفرنسي لقضاء عطلته، مصطحباً معه أكثر من ألف شخص من حاشيته، مما دفع السلطات الفرنسية لإغلاق الشاطئ أمام رواده لينعم الملك السعودي بالراحة والطمئنينة، الأمر الذي لاقى الكثير من الاستياء في أوساط سكان المنطقة.
أما ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فقد حط الرحال في أيار/مايو السابق في باريس، لقضاء شهر العسل مع زوجته الثانية، غداة العدوان السعودي على اليمن، في خطوة لاقت انتقادات شديدة حتى في أوساط الأسرة السعودية الحاكمة.
ولم يكن أمير قطر السابق، حمد بن خليفة آل ثاني ببعيد عن هذه الأجواء، حيث شوهد يتجول في كرواتيا وهو يرتدي "البنتاكور"، ليروّح عن نفسه ويكسب بعض الراحة بعيداً عن أوضاع المنطقة الملتهبة.
قد يحق للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن تعيّر الدول الاسلامية بخذلانهم للشعب السوري والفلسطيني، وأن تتباهى بأن الغرب أكثر رأفة بالمسلمين من المسلمين أنفسهم، وقد نُسب إليها أنها قالت: "يوماً ما سنخبر أحفادنا عن هروب اللاجئين السوريين والفلسطينيين عبر مواكب الموت إلى أوروبا على الرغم من أنّ مكة وارض المسلمين أقرب إليهم".
أما نحن فسنخبر أحفادنا يوماً ما بخيانة أنظمة خليجیة بحق شعوبنا، وأن هذه الدول لم ترفع سيفاً في تاريخها بوجه أمريكا أو الکیان الاسرائيلي، وأنهم كانوا على الدوام "أشداء على المؤمنين رحماء بالصهاينة والكافرين".