الوقت- تحركات دبلوماسية وإعلامية وسياسية متسارعة تشهدها العلاقات السعودية_السورية هذه الأيام، والجميع يتحدث عن عودة العلاقات بين البلدين بشكل تدريجي، بعد مضي أكثر من 8 سنوات على قطع العلاقات بين البلدين والذي ترافق بتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية وسحب السفير السعودي من دمشق واغلاق السفارة، إلا أن العلاقات اليوم تعود بالاتجاه المعاكس، اذ ان هناك تحركات تحدثت عنها وكالات روسية داخل مبنى السفارة السعودية في دمشق والذي قيل انه تمهيد لفتح السفارة، ليتبع ذلك زيارة مفاجئة قام بها رئيس الاتحاد الصحفيين موسى عبد النور مع الوفد المرافق له للمشاركة في اجتماعات الأمانة العامة التابعة لاتحاد الصحفيين العرب في الرياض.
بالتأكيد كان هناك تمهيدات لهذه التحركات منذ مارس/آذار الماضي، حيث كانت الأجواء ايجابية بين السعودية وسوريا خلال مشاركة وفود البلدين في اجتماع البرلمان العربي في عمان، ويبدو أنه كان هناك تعليمات موجهة حينها للجانب السعودي من قبل قيادته بعدم إطلاق أي تصريحات تنال من الطرف الآخر، وإن يكون التعامل وديا تجاه بعضهم، وظهر ذلك جليا خلال أعمال الاجتماع الذي تشارك فيه سوريا لأول مرة منذ تجميد عضويتها في البرلمان العربي العام 2011، اذ رحبت كل من السعودية والإمارات بمواصلة دعم بناء مقر الاتحاد البرلماني العربي في دمشق الذي جمد العمل به منذ سنوات ليحل محله مقر مؤقت في العاصمة اللبنانية بيروت.
وبالتزامن مع هذا التقارب الذي ظهر في عمان، أصبح عودة ملف الحجاج السوريين الى الحكومة السورية معلنا، بعد أن كانت الحوارات بشأنه تتم بعيدا عن الاعلام، واعلنت وزارة الداخلية السورية عبر التلفزيون الرسمي السوري البدء بتلقيها طلبات الحج لهذا العام، ما يؤشر إلى أن الرياض سحبت ملف الحجاج السوريين من الائتلاف السوري المعارض.
أهداف السعودية المعلنة وغير المعلنة من عودة العلاقات مع دمشق!!
أولاً: السعودية أدركت وأيقنت تماما بأن الحكومة السورية هي صاحبة اليد العليا في سوريا وكل هذه الجعجعة التي تحدث في سوريا من قبل جماعات أو دول ستزول بالتدريج، ورغم محاولات السعودية الدائمة للنيل من سوريا وقيادتها على طول عمر الأزمة عبر جماعات عسكرية وسياسية كانت تدعمها وتوفر لها الغطاء السياسي، إلا أنها فشلت في هذه التجربة ولم تتمكن من تحقيق أياً من أهدافها، وحلمها بسقوط النظام في سوريا أصبح من الماضي، لذلك كان لابد من التعامل مع المنتصر قبل فوات الآوان.
ثانياً: الامارات افتتحت سفارتها في سوريا منذ عام تقريبا وكذلك فعلت البحرين، وقبل أيام شهدت العاصمة السورية "دمشق" احتفالا كبيرا لليوم الوطني الإماراتي في فندق داما روز، حضره ممثلون عن الخارجية السورية وكبار المسؤولين السوريين، إلى جانب مسؤولين إماراتيين وعرب، ولاشك بأن هذا الأمر لم يحصل دون التشاور مع القيادة السعودية التي دفعت الامارات لتمهيد الأجواء، ليتبع ذلك دعوة السعودية بشكل رسمي للصحفيين السوريين، والغاية الأساسية هنا هي تهيئة المناخ السوري عبر الصحافة والاعلام لعودة العلاقات السعودية_السورية، والتأثير في الرأي العام السوري بمباركة من البلدين.
ثالثاً: بعد أن تاكدت السعودية مئة في المئة بأن القيادة السورية هي صاحبة الكلمة العليا في سوريا، بدأت الهرولة نحوها، وذلك للحاق بركب التحولات الجديدة التي ستتمخض عن المرحلة القادمة والتي ستفرز لا محالة تحالفات جديدة لاتريد السعودية ان تكون خارجها، لانها اكتشفت أن الحضن الامريكي لا ينفع، لذلك ستعيد اللعب على موضوع "العروبة" ووحدة المصير المشترك.
رابعاً: كما حاولت السعودية بالنسبة لإسقاط دمشق كذلك حاولت بكل ما أوتيت من حنكة وقوة من حصار ايران وعزلها بمساعدة الولايات المتحدة الامريكية، لكنها فشلت ايضا في هذه الخطوة، وتعلم انها لا تستطيع مواجهة ايران عسكريا وان الحرب اليمنية لم يعد بالإمكان انهائها عن طريق الصواريخ لذلك لابد من الحلول الدبلوماسية، والأهم أن السعودية فشلت في ارضاخ دمشق وتطويعها لخدمة السياسة السعودية والابتعاد عن طهران لذلك وجدت ان الحل هو التقرب من دمشق، تمهيدا ربما لفتح حوار مع طهران.
وبالعودة إلى الزيارة الأخيرة لرئيس الاتحاد الصحفيين في دمشق والوفد المرافق له، فقد أثار ظهور "عبدالنور" مجددا تساؤلات حول الأخبار المتداولة عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق والرياض، واعتبر موقع وكالة "قاسيون" السورية أن دعوة اتحاد الصحفيين السعودى لنظيره السورى، بمثابة "غزل سياسي" أو محاولة فتح قنوات جديدة وإرسال رسائل سياسية غير مباشرة، تشى بخطوات أخرى، قد يكون منها إعادة فتح السفارة السعودية فى دمشق.
وكانت صحيفة "الوطن" السورية نقلت منذ أيام عن مصدر دبلوماسى عربى بدمشق، تأكيده أن حديثا يتطور حول عودة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق والرياض، وقوله:"إن افتتاح السفارة السعودية ليس ببعيد".
اليوم وبعد اتساع رقعة الإرهاب، أجبر الكثيرون ممن دعموه لوجيستياً ومالياً على الأراضي السورية على أن يتراجعوا للوراء ويستعيدوا تصريحات الرئيس الأسد على مدار السنوات الماضية بأن "الإرهاب سيطول داعميه فى ديارهم"، هنا نقول ان الذي أملى على الغرب وحلفاؤه المراجعة هو فشلهم فيما خططوا مؤخرا، أي نجاح سورية وحلفائها في المواجهة.
في السياق ذاته إن ثبات واستقرار هذه المنطقة رهين بالعلاقات الايجابية بين كل من دمشق والسعودية، وان التنمية المستديمة في الدول العربية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال علاقات إيجابية وثابتة ومستقرة مع سورية، وعلى البلدان العربية التي تعيش في حالة من التردد في التعاطي مع دمشق إلا أن تعترف بقوتها سياسياً واقليمياً، وكما لجأت بعض الدول إلى لغة الحوار مع دمشق فمن المناسب أن يلجأ محور أعداء دمشق إلى المنهج نفسه وليس المواجهة أو الصراع معها من أجل تحقيق أمن المنطقة.