الوقت- أكثر من ثلاثة أشهر تمضي على حصار كشمير، ولا يزال السكان في المنطقة يواجهون أسوأ الظروف من قبل القوات الهندية ويعانون من انتهاك لحقوقهم الأساسية. فقد دعت منظمة التعاون الإسلامي مؤخراً إلى وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان من قبل الهند في كشمير.
حيث تفيد التقارير بأن لجنة حقوق الإنسان في هذه المنظمة عقدت اجتماعاً خاصاً وشددت على أن مستقبل كشمير يجب أن يقرره شعوب ومسلمو هذه المنطقة وأن الهند ليس لها الحق في اتخاذ قرار بشأن ملايين المسلمين.
كما أكد ممثلو هذه المنظمة أن "سكان كشمير حُبسوا منذ 5 أغسطس في منازلهم والجيش قد فرض حظراً للتجول في أرجاء المنطقة، وقالوا إن هذا العمل سيئ ويجب أن تنهي الهند في أقرب وقت حظر التجوال في هذه المنطقة".
كما أدانت المنظمة الاستخدام الواسع النطاق للبنادق والغازات المسيلة للدموع من قبل القوات الهندية في المنطقة وأكدت أن رصاص البنادق أدى حتى الآن إلى فقدان عشرات الآلاف من الناس بصرهم.
اشتداد أزمة كشمير
يخيم في الوقت الراهن الطابع الأمني على ولايتي جامو وكشمير حيث تخضع جميع أجزائهما الى حصار شديد من قبل الجيش الهندي. ومنذ ثلاثة أشهر ونصف تقريباً، ألغت الحكومة الهندية الحكم الذاتي لولايتي جامو وكشمير. وقال وزير الداخلية الهندي أميت شاه أن هذا المرسوم وقعته الحكومة وبناء على ذلك، فإن المادة 370 من الدستور ستتغير. ومع تغيير هذه المادة من دستور الهند ، لن تتمتع ولايتا جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة، بالحكم الذاتي بعد الآن ولن يكون لهما رئيس وزراء وبرلمان.
إن جميع سكان المنطقة تقريباً يرفضون هذا القرار الهندي، ولكن الوجه العسكري لهذه الولاية لا يسمح للأهالي بإقامة أي تجمعات ومظاهرات واحتجاجات. كما أرسلت الهند حالياً 10 ألاف جندي إلى هذه المنطقة، وعطلت قناة الاتصالات الهاتفية والإنترنت في كشمير.
عقب استقلال الهند عن بريطانيا وانفصال باكستان عن هذه البلاد في عام 1947 ، قرع الجانبان طبول الحرب بشأن الملكية الكاملة لكشمير، ويعتبر "خط التحكم" الآن حداً غير رسمي بين البلدين. ولكن خلال هذه الاعوام تمكنت كشمير من الحفاظ على حكمها الذاتي، إلا أن الهند تسعى الآن إلى ضم كشمير كأحد مقاطعاتها عن طريق إلغاء الحكم الذاتي.
تحويل كشمير إلى ضفة غربية ثانية
تضمن المادة رقم 370 الخاصة بكشمير، الوضع شبه المستقل لكشمير وحقوقاً خاصة في الملكية، لكن الحكومة الهندية ألغت هذه المادة منذ تاريخ 31 أكتوبر.
وعلى هذا النحو، يبدو أن مشروع الهجرة الاستعمارية قد بدأ خدمة لأطماع الهنود المتطرفين بهدف تغيير الهيكلية السكانية في منطقة كشمير الإسلامية.
وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، بنت الهند أيضاً بعض المستوطنات الخاصة بالهنود في مناطق من كشمير. فدفعت المستوطنات الهندية إلى ان يشعر الكشميريون بالقلق من أن يتحول وطنهم إلى منطقة شبيهة بالضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل.
إن التغيير المصطنع للهيكلية السكانية في كشمير يخدم الهند وبالضبط هو الهدف الذي يسعى إليه الهنود المتطرفون حيال كشمير، ومع إلغاء الحكم الذاتي لكشمير، من المتوقع أن تتابع عملية جعل كشمير هندية بسرعة أكبر.
تكمن أهمية تغيير نسيج كشمير السكاني للهند في أن كشمير هي المنطقة ذات الأغلبية المسلمة الوحيدة في الهند، وفي حال تغير النسيج السكاني لهذه المنطقة ، فلن يكون هناك أغلبية من المسلمين في أي منطقة من الهند. وهذه القضية سيكون لها تأثير كبير في مستقبل الهند السياسي والنسيج الاجتماعي.
في الوقت الراهن، مع إلغاء الحكم الذاتي لكشمير، لن يكون لهذه المنطقة دستور منفصل ثانية، وعلى غرار الولايات الهندية الأخرى، يجب أن تتبع دستور الحكومة الهندية. كما سيتم تطبيق جميع القوانين الهندية في كشمير تحت السيادة الهندية ويمكن للمواطنين الهنود من جميع الولايات شراء المنازل والممتلكات في كشمير.
الصمت السياسي تجاه الظلم في كشمير
الوضع في كشمير هذه الأيام ليس جيداً في ضوء استمرار الحصار لأكثر من ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى تشديد الأوضاع الأمنية على السكان المسلمين في كشمير، من ناحية أخرى، يتم قمع أي احتجاجات بشدة ويقوم الجيش الهندي باستهداف المحتجين في هذه المنطقة.
وبسبب الخلل في طرق الاتصالات في كشمير وقطع الإنترنت وخطوط الهاتف من قبل الحكومة الهندية، لا يمكن تحديد العدد الدقيق للضحايا والمصابين في كشمير، لكن الأنباء الواردة تشير إلى أن نقص المرافق الطبية والصحية بات شديداً للغاية في ظل حصار كشمير.
وبالرغم من تلك الأوضاع إلا أن المجتمع الدولي لم يقم حتى اللحظة بأي إجراء لافت تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في كشمير.
صمت الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية: ما من شك أن مسألة انتهاكات حقوق الإنسان في كشمير وحصار هذه المنطقة من قبل الحكومة الهندية يعني انتهاك قرارات الأمم المتحدة بالكامل. ففي قرار الأمم المتحدة الصادر في 13 أغسطس عام (1948) ويناير (1949) تقرر ضم المناطق التي يقطنها المسلمون في كشمير إلى باكستان والمناطق التي يقطنها الهندوس الى الهند والاعتماد على جو هادئ ومحايد بهدف تحديد مدى رغبة السكان بالانضمام إلى الهند أو باكستان. وإلى أن يتم ذلك، لن تكون كشمير جزءا من الهند ولا من باكستان، ولكن إلغاء الحكم الذاتي لكشمير وضمها إلى الهند من قبل حكومة نيودلهي ينتهك عملياً قرار الأمم المتحدة. ورغم ذلك، لم تتخذ الأمم المتحدة حتى الآن أي إجراءات فعالة لإدانة الهند ومنع اجراءاتها في كشمير.
بالإضافة إلى ذلك، في مسألة انتهاك حقوق الانسان، لم يبدِ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أو أي مؤسسة لحقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية أو هيومن رايتس ووتش، أي ردة فعل تجاه انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق في كشمير بل فضلت الصمت حيال التطورات في كشمير.
صمت الحكومات: الجزء الآخر من صمت المجتمع الدولي تجاه تطورات كشمير مرتبط بعدم اظهار الحكومات الغربية والإسلامية أي ردة فعل تجاه تطورات كشمير. باستثناء الحكومة الباكستانية، التي تتابع تطورات كشمير بشكل طبيعي كجزء من تطوراتها الداخلية، كما اقتصرت ردود أفعال الحكومات الإسلامية ازاء تطورات كشمير على إيران وتركيا. رغم ذلك، التزمت الحكومات الإسلامية الأخرى، بما في ذلك الدول العربية في قطر أو السعودية أو مصر و... الصمت بشأن كشمير ، حتى بعد الإجراءات الأخيرة في كشمير، أجرى رئيس الوزراء الهندي مباحثات هاتفية مع الملك السعودي. لكن الجانبين فضلا عدم الإشارة إلى قضية كشمير في هذه المباحثات. من الواضح أن قضية كشمير بالنسبة الى بعض الدول العربية بما في ذلك السعودية تطغى عليها العلاقات السياسية مع نيودلهي، وفي ظل هذه الأوضاع جعل السعوديون حقوق الإنسان للمسلمين الكشميريين ضحية لعلاقاتهم السياسية على الرغم من مزاعم الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي.
بالإضافة إلى الحكومات العربية والإسلامية، حتى الحكومات الغربية التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان لم يكن لها حتى اللحظة أي رد فعل حاسم على انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق في كشمير، حيث صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن قضية كشمير مرتبطة بالعلاقات الهندية الباكستانية ولن يتدخل فيها. من الواضح أن الدول الأوروبية وأمريكا لا ترغب بحدوث توتر مع نيودلهي بسبب علاقاتها التجارية والسياسية مع الهند. بالإضافة إلى ذلك، تنظر واشنطن الى علاقتها بالهند كمنافس للصين لذلك تفضل ألا تبتعد نيودلهي عنها.
لذلك، بالنظر إلى التطورات الأخيرة في كشمير، يبدو أن أزمة كشمير اليوم والتي رافقتها انتهاكات لقرارات الأمم المتحدة، طغت عليها إلى حد كبير التطورات السياسية، وهذه القضية جعلت مسلمي كشمير أكثر من أي شيء ضحية للتدخل السياسي.