الوقت- أعلنت موسكو وأنقرة عن اتفاق لإنهاء العملية العسكرية التركية على الأراضي السورية وجاء هذا الإعلان في أعقاب انتهاء مدة الخمسة الأيام لوقف إطلاق النار في شمال سوريا التي أعلن عنها الرئيس التركي "أردوغان" الأسبوع المنصرم.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن الجانب التركي والجانب الروسي اتفقا على استمرار عملية وقف إطلاق النار في شمال سوريا وهذا الأمر يؤكد بأن المحادثات التركية مع روسيا قد آتت ثمارها، ومن ناحية أخرى، لفتت تلك المصادر الإخبارية إلى أن الأكراد والحكومة السورية يعملون في وقتنا الحالي على أساس الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها مؤخراً بين الجانبين الروسي والتركي وذلك لمساعدة الجيش السوري على الدخول إلى المناطق الشمالية السورية، والآن وبعد التوقيع على ذلك الاتفاق الجديد، كيف يمكن تقييم التطورات المستقبلية في سوريا؟
اتخاذ روسيا زمام المبادرة
أحد الآثار المهمة لهذا الاتفاق هو الانسحاب الكامل لأمريكا من المعادلات السياسية المتعلقة بالتطورات الميدانية السورية والتحول الرسمي لروسيا إلى لاعب رئيس في المستقبل السوري، في الواقع، إن توقيع أنقرة لهذا الاتفاق الأخير مع الجانب الروسي يؤكد بأنه على الرغم من أن الجانب التركي قد يقوم ببعض المحادثات والاتفاقات المؤقتة مع واشنطن، إلا أنها في نهاية المطاف تقوم بالتوقيع على الاتفاق الأخير والدائم مع الجانب الروسي، وذلك لأن أمريكا أثبتت خلال الفترة الماضية أنها طرف غير موثوق به، حيث قامت واشنطن خلال الأيام الماضية بخيانة الأكراد السوريين والتخلي عنهم وأيضاً قامت بخداع الجانب التركي عندما أعلنت بأنها سوف تسحب جميع قواتها من شمال سوريا، إلا أنها بعد ساعات من التوقيع على الاتفاق الأمريكي التركي، أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بأن جزءاً من القوات الأمريكية ستبقى في شمال سوريا للسيطرة على آبار النفط ولمساعدة الأكراد.
وبعبارة أخرى، يمكن القول هنا بأن أمريكا هي الخاسر الجيوسياسي الأكبر في هذه الصفقة الروسية التركية التي تم التوقيع عليها قبل عدة أيام، وكما أعلن وزير الدفاع الروسي "سيرجي شيفيجو"، فقد حان الوقت للأمريكيين لمغادرة سوريا.
الجدير بالذكر أن تلك الاتفاقية تشير أيضاً إلى أن الأكراد سيكون لهم حليف جديد وضامن جديد، في الواقع، بعد أن سحبت أمريكا قواتها من سوريا وتركت الأكراد فريسة سهلة للجيش التركي، ستكون روسيا الآن في قلب اهتمام الأكراد الذين سوف يشكلون معها تحالفاً قوياً ومتيناً لمواجهة الغزو التركي.
المكاسب السورية من هذه الاتفاقية
بالتأكيد وعلى الرغم من انتقاد الحكومة السورية مراراً وتكراراً لعمليات الجيش التركي شمال حدودها على مدار السنوات الماضية ووصفها بأنها عدوانية، إلا أن الاتفاق الحالي سيكون له فوائد ومكاسب لا يمكن إنكارها بالنسبة لدمشق، فمن ناحية، نجحت روسيا في دفع أحد أعداء دمشق الأكثر حماساً لقبول شرعية حكومة "الأسد" وقبول بدء المحادثات مع دمشق، حيث أعلنت أنقرة مؤخراً وجود قنوات اتصال بين أنقرة ودمشق للمساعدة على تنفيذ بعض التنسيقات العسكرية بين الجانبين.
في الواقع، يعتقد العديد من الخبراء السياسيين أن هذه الاتفاقية، تعتبر بمثابة اعتراف نهائي تركي بشرعية حكومة "الأسد"، وحول هذا السياق، قال "آرون شتاين"، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد "فيلادلفيا" لأبحاث السياسة الخارجية في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست": "إن أردوغان، الذي كان أحد خصوم الأسد خلال الحرب السورية، عليه الآن إعداد الرأي العام التركي لمثل هذا الحدث المتمثل بقبول شرعية الأسد".
وفي سياق متصل، ستكون قضية مواجهة عودة تنظيم "داعش" الإرهابي إنجازاً آخر للحكومة السورية من هذا الاتفاق، حيث ينص أحد بنود هذه الاتفاقية، أنه ينبغي على البلدين اتخاذ العديد من التدابير الأمنية المشتركة لمنع تغلغل الجماعات الإرهابية في الأراضي السورية.
وتشير البيانات إلى أن 11000 سجين معظمهم من عناصر "داعش" يقبعون في السجون الشمالية الشرقية السورية، حيث كان من الممكن أن تؤدي العمليات العسكرية التركية إلى هروبهم وخلق تحدٍ جديد للحكومة السورية، ومن ناحية أخرى، وفي ضوء وجود الكثير من العناصر التكفيرية في محافظة "إدلب"، فإنه يمكن للاتفاقية أن تمنع أنقرة من دعم تلك العناصر الإرهابية المنتشرة في "إدلب" وبالتالي توفر الفرصة أمام قوات الجيش السوري لتحرير "إدلب" من الاحتلال الإرهابي، وفي هذا الصدد، قال الرئيس "الأسد" للرئيس الروسي" "سوريا ستواصل محاربة الإرهاب وتحرير الأراضي السورية بكل الوسائل القانونية اللازمة".
والتأكيد على الحفاظ على وحدة أراضي سوريا هو بالتأكيد إنجاز رئيس آخر للحكومة السورية من ذلك الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين تركيا وروسيا، وعلى الرغم من أن "أردوغان" ومسؤولين أتراك آخرين قالوا مراراً إنهم لا يعتزمون البقاء في سوريا واحتلال الأجزاء الشمالية من البلاد، إلا أن الحكومة السورية كانت دائماً تشعر بالقلق إزاء أهداف تركيا العسكرية، وفي هذه الاتفاقية الأخيرة، تعهّدت تركيا مرة أخرى باحترام السلامة الإقليمية والسيادة السورية على جميع أراضيها، ومن ناحية أخرى، وبموجب هذه الاتفاقية الجديدة، تتحمل روسيا والحكومة السورية مسؤولية الإشراف على انسحاب المسلحين الأكراد من المنطقة الآمنة، والتي ستغطي مساحة تقدر بمئات الأميال من الفرات إلى الحدود العراقية، على عمق 20 ميلاً، وهذا بدوره يعني أن الجيش السوري سيعود إلى تلك المناطق التي لم يكن في الماضي من الممكن الدخول إليها بسبب الوجود العسكري الأمريكي في تلك المناطق.
قلق الأكراد من بعض بنود ذلك الاتفاق الجديد المبهمة
بطبيعة الحال، يعدّ وقف هجمات تركيا على الأكراد السوريين ميزة مهمة في الاتفاقية الأخيرة، ومع ذلك، فإن هناك بعض المخاوف لدى الأكراد، مثل هدف "أنقرة" المتمثل في إعادة اللاجئين السوريين وإعادة توطينهم في المنطقة الآمنة والتغيير السكاني الذي سيحصل في المنطقة، ومن ناحية أخرى، إن نوايا "أردوغان" لتغيير التركيبة السكانية للمنطقة بالكامل واضحة وجلية، لكن من ناحية أخرى، فإن التركيز على العودة الطوعية للاجئين قد يقيد الأيادي التركية لتنفيذ تلك الاتفاقية، ولهذا فإن الأكراد لا يزالون قلقين من نتائج ذلك الاتفاق، ولهذا فلقد قال "كمال عاكف"، المتحدث باسم الشؤون الخارجية في الإدارة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال وشرق سوريا، لوكالة الأنباء الكردية "هاوار": "ستعلن إدارة الحكم الذاتي الكردية قريباً عن موقفها من هذا الاتفاق".