الوقت- بعد أيام قليلة على بدء العدوان التركي على سوريا، أعلنت حركة المقاومة الإسلاميّة حماس موقفها من هذه العملية.
وتطرّق البيان إلى جملة من النقاط التي حاولت فيها حماس ممارسة سياسة إمساك العصا من الوسط، والابتعاد عن التدخل في الشؤون غير المرتبطة بالقضية الفلسطينية حيث تضمّن بيان الحركة خمس نقاط، وهي كالتالي:
تثمّن الحركة المواقف التركية من القضية الفلسطينية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني، والذي كان آخرها موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام لقاء قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تتفهم الحركة حق تركيا في حماية حدودها والدفاع عن نفسها وإزالة التهديدات التي تمسّ أمنها القومي أمام عبث جهاز الموساد الصهيوني في المنطقة، والذي يسعى إلى ضرب الأمن القومي العربي والإسلامي.
تؤكد حماس على وحدة أرض سوريا الشقيقة على كامل ترابها وحدودها الوطنية.
تدعو الحركة إلى المسارعة لحل النزاعات والخلافات في المنطقة وبين الدول للتفرغ للدفاع عن قضايا الأمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، وفي القلب منها القدس التي تتعرّض لعدوان متواصل، وخاصة المسجد الأقصى المبارك من قبل الاحتلال ومستوطنيه.
تؤكد الحركة رفضها للوجود الصهيوني والأمريكي في المنطقة، وتعتبره عامل تفجير وتوتير، وفي هذا الإطار تشدد الحركة على ضرورة استكمال الانسحاب الأمريكي من المنطقة.
مضامين البيان
في الحقيقة، تعرّضت حركة حماس لضربة قوية بسبب مواقفها السابقة من الأزمة السورية، وتدخّلها في شؤون لا تهمّ القضية الفلسطينية، وهو ما حاولت تلافيه اليوم، وإن حاولت "ردّ الجميل" التركي في بيانها حيث برّرت العدوان التركي على الأراضي السوريّة، لكنها في الوقت عينه قد أكّدت على وحدة أرض سوريا الشقيقة على كامل ترابها وحدودها الوطنية.
حاولت حماس في بيانها التصويب على الأكراد أعداء تركيا والخارجين عن سلطة الدولة السورية، لتلافي أيّ تبعات سواء من سوريا أم من تركيا، لذلك شدّدت في النقطة اللاحقة على ضرورة المسارعة إلى حل النزاعات والخلافات في المنطقة وبين الدول للتفرغ للدفاع عن قضايا الأمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين.
في الشقّ الآخر من البيان، وضعت الحركة يدها على الجرح عندما اعتبرت أن الوجود الصهيوني والأمريكي هو عامل تفجير المنطقة.
رغم أن حركة حماس حاولت إظهار بعض الحياديّة، إلا أن التحيّز للجانب التركي قد بدا واضحاً، لاسيّما أنّها ثمّنّت المواقف التركية من القضية الفلسطينية، وهو ما نثمّنه جميعاً، لكن الحركة التي اقتصر بيانها في الشقّ السوري على جملة يتيمة، لم تثمّن فيه سنوات الدعم السوري للقضية الفلسطينية عموماً، وحركة حماس على وجه الخصوص.
لا تنتظر دمشق المديح من الحركة أو من أيّ فلسطيني، بل تدرك جيداً أن ما تقدّمه من دعم يأتي في سياق واجبها العروبي.
إن صدور هذا البيان بعد أسبوع على بدء العدوان التركي يشير إلى أن الحركة لم تكن تودّ الدخول في هذه القضية التزاماً بسياسة الحياد التام، لكن يبدو أنها قد تعرّضت لضغوطات تركية لتأييد هذا العدوان، لاسيّما أن أنقرة كانت تبحث عن أيّ مؤيد لها إثر موجة الغضب الإقليمية والدولية عليها بعد تحرّكاتها الأخيرة، ما يؤكد هذا الأمر هو صدور بيان حماس بعد إصدار 12 فصيلاً فلسطينياً بياناً عارضوا فيه الاعتداء التركي، وانتشار معلومات عن إبلاغ الحركة تركيا رغبتها بعدم إصدار بيان باسمها حول العملية العسكرية، لكن يبدو أن الضغوط التركيّة كانت أقوى، لا بل إنّ بعض المصادر تحدّثت عن دعوات عنصرية من بعض الناشطين الأتراك ضدّ أنقرة للتحرك ضد عدد من الفلسطينيين في تركيا بسبب بيان الفصائل الفلسطينية حيث حذّرت الفصائل من تحوّل العدوان إلى احتلالٍ نهائي في ضوء الأطماع التركية بالأراضي السورية والتي لم تتوقف منذ اقتطاع لواء الاسكندرون وضمّه إلى تركيا عام 1939 .
الغضب التركي ظهر في كلام الصحفي التركي اسماعيل كيا الذي شنّ هجوماً شديداً على بعض الفصائل الفلسطينية بسبب استنكارها للعملية العسكرية التركية في سوريا متهماً إياها بأنها أصبحت في يد طهران والأسد.
وقد قال "كيا" على صفحته في موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر "الأغبياء في بعض الفصائل الفلسطينية الذين زجّوا أنفسهم ببيانات تدين العملية العسكرية التركية في سوريا هل يعلمون أن في تركيا عشرات آلاف الفلسطينيين من طلاب ومرضى وجرحى يتعالجون في مستشفياتها وعاملون في مجالات مختلفة باتوا الآن يتعرّضون لمضايقات على الأرض وحملات تحريض على وسائل التواصل الاجتماعي؟".
في الخلاصة، يبدو أن حركة حماس تعلّمت من أخطائها السابقة إبّان الأزمة السورية، لذلك تحاول الوقوف على الحياد من التطورات الإقليمية التي لا تخصّ القضية الفلسطينية بشكل مباشر وهو ما أقرّته في وثيقتها السياسية عام 2017، عبر "النأي بالنفس" عن شؤون الدول الأخرى.
حماس بدت منحازة في بيانها بعض الشيء وكأن عليها أن تسدد فواتير مسبقة لتركيا، لكنها في الوقت عينه أظهرت جانباً من الحياد والرصانة السياسيّة في بيانها يحول دون عرقلة علاقتها مع محور المقاومة.