الوقت - هنالك شائعات تتردد حول محادثات تركيا وراء الكواليس مع الرئيس السوري "بشار الأسد"، من خلال قنوات دبلوماسية تعتبر روسيا وسيطاً.
وتأتي هذه الشائعات وسط تقارير تحدثت في الأيام الأخيرة بأن زعماءً أتراك قد التقوا مع أردوغان وتحدثوا حول الحاجة إلى التفاوض مباشرةً مع بشار الأسد، لتخفيف مشكلات تركيا في سوريا، من بينها يمكن الإشارة إلى بيان "دوغو برينجك" رئيس حزب "الوطن"، وكذلك الاقتراح المباشر لزعيم حزب "السعادة" الإسلامي "كاراميلا أوغلو".
يشار إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق قد انقطعت بعد الحرب الأهلية السورية في مارس 2012 ولم يتم تطبيعها بعد.
لكن بالإضافة إلى الخلافات التي نشأت بعد الأزمة في سوريا، هناك أيضاً قضايا أخرى مثيرة للخلاف تقليدياً في تاريخ العلاقات بين البلدين، بما في ذلك ضم تركيا لمحافظة "هاتاي" في عام 1939، والذي لم تعترف به سوريا، ولا تزال تطالب بعودة سيادتها عليها.
كذلك، يمكن الإشارة إلى خلافات المياه الناجمة عن مشاريع السدود التركية المتعددة في جنوب شرق الأناضول، أو مزاعم أنقرة بشأن دعم سوريا لحزب العمال الكردستاني.
العلاقات التركية السورية تحسّنت بشكل كبير منذ أكتوبر 1998، عندما طردت السلطات السورية زعيم حزب العمال الكردستاني "عبد الله أوجلان" من شمال البلاد.
ومع ذلك، أدّت الحرب الأهلية السورية إلى تفاقم العلاقات بين البلدين مرةً أخرى، وصولاً إلى إنهاء العلاقات الدبلوماسية.
رغم ذلك، في الوقت الحالي وبعد عودة الهدوء النسبي إلى مناطق كثيرة من سوريا، بالإضافة إلى تقدّم تعاون تركيا مع روسيا وإيران كحليفين مهمين لدمشق خلال سنوات الأزمة الثماني، زادت الآمال بشأن تطبيع العلاقات بين الجارين بشكل كبير.
صحيفة "آيدنليك" التركية ذكرت في مايو من هذا العام، أن الرئيس السوري بشار الأسد كان قد صرّح في اجتماع مع ممثلي وسائل الإعلام بالقول: "نحن لا نتفاوض مع تركيا عبر روسيا أو إيران فحسب، فقد تفاوض الضباط الأتراك والسوريون معاً في مناسبات عديدة."
كما أعلن في اللقاء عن استعداده للاجتماع مع أردوغان، وقال: "نحن على استعداد للتعاون مع تركيا ... إذا كان ذلك في مصلحة سوريا، فيمكننا مقابلة أردوغان."
ورغم وجود شائعات في وقت سابق، كما في 2016، عقب زيارة رئيس المخابرات التركية "هاكان فيدان" إلى دمشق، حول إمكانية عقد لقاء بين أردوغان والأسد بوساطة الرئيس الروسي "بوتين"، والذي لم يتم تنفيذه، إلا أن الأوضاع الآن توفّر الأرضية لمثل هذا اللقاء أكثر من أي وقت مضى.
وإحدى هذه الأرضيات هي جهود تركيا لحل قضية اللاجئين، حيث يسعى أردوغان بجدية إلى عودة اللاجئين إلى سوريا في أقرب وقت ممكن.
إذ تستضيف تركيا حالياً 3.6 ملايين لاجئ سوري، والخوف من اندلاع مواجهات أخرى في إدلب قد يؤدي إلى موجة جديدة من اللاجئين فضلاً عن هجمات الإرهابيين على الأراضي التركية.
ويضاف إلى ذلك أن ما يقرب من ثلاثة ملايين مدني في إدلب يخضعون لسيطرة الإرهابيين، والخشية من موجة جديدة من الاشتباكات جعلتهم يتجمّعون بعشرات الآلاف بالقرب من الحدود التركية.
وبطبيعة الحال، فإن مشاركة الحكومة السورية المركزية، التي تتوق إلى تسريع عملية عودة اللاجئين، يمكن أن تساعد تركيا على حل هذه المشكلة.
كما تشعر أنقرة بالقلق من تهديد قواتها في 12 مركزاً للمراقبة حول إدلب، وكذلك حول الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد السوريون على طول حدودها، وهذا يتطلّب التنسيق بين دمشق وأنقرة لمنع حدوث مواجهة غير مقصودة بين هذه القوات، والوساطة الروسية لهذا التنسيق قد لا تعالج التهديد بالكامل.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "أيدنليك" عن الأسد قوله: "لدى الضباط الأتراك فهم أكبر لما يحدث في سوريا بالمقارنة مع السياسيين، وهناك خلافات كبيرة حول سوريا في حكومة أردوغان."
في الأسبوع الماضي، استقال خمسة من كبار المسؤولين العسكريين الأتراك من مناصبهم، ما دفع خبراء للتكهن بأن أحد الأسباب الرئيسة لذلك، هي الوضع الصعب للقوات التركية في شمال سوريا.
من ناحية أخرى، إن عدم إحراز أي تقدم حقيقي في تفعيل نتيجة المفاوضات بين أمريكا وتركيا، حول إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، كما تريدها أنقرة، بسبب التعاون الأمريكي الواسع مع الميليشيات الكردية السورية، يمكن أن يدفع أردوغان نحو إجراء محادثات مباشرة مع الحكومة السورية لتمهيد الطريق أمام هذا الملف.
وفي هذا السياق، يمكن اعتبار ضوء دمشق الأخضر لأنقرة علامةً على استعداد أردوغان للقيام بذلك.
في هذا الصدد وقبل يوم من القمة الثلاثية في أنقرة، بعثت الحكومة السورية برسالتين منفصلتين إلى رئيس الأمم المتحدة ومجلس الأمن، للاحتجاج على التعاون الكردي مع أمريكا في شرق الفرات، واعتبار ما يسمى بـ "قوات سوريا الديمقراطية" حركةً إرهابيةً، الأمر الذي أثار قلق المؤسسات السياسية والعسكرية الكردية، بحيث أصدرت هذه القوى بياناً اعتبرت فيه خطوة دمشق محاولةً للتوصل إلى اتفاق مع تركيا.
وفي حقيقة أخرى، من ضرورات تطبيع العلاقات التركية السورية، يمكن الإشارة إلى العلاقات المتنامية بين أنقرة وموسكو، في جميع المجالات الاقتصادية والعسكرية والأمنية وكذلك الطاقة في السنوات الأخيرة.
وفي العام الماضي، التقى بوتين وأردوغان عدة مرات، وكانت إحدى النتائج الرئيسة لها بيع ونقل منظومة الدفاع الصاروخي إس 400 إلى أنقرة. لذلك، يجب أن يتم حل الخلاف الرئيس بين البلدين في سوريا في مكان ما.
وأخيراً، يمكن الإشارة إلى القضية الاقتصادية الخاصة بإعادة إعمار سوريا ومجاورة سوريا لتركيا، حيث لدى تركيا أطول حدود مشتركة مع سوريا، وهنالك روابط جغرافية وتاريخية مختلفة بين البلدين الجارين.
ولهذا، تريد تركيا بطبيعة الحال المشاركة الاقتصادية في إعادة بناء سوريا خلال فترة ما بعد الأزمة، ولا يمكن أن تظل غير مبالية بجهود منافسيها في هذا المضمار.