الوقت- اعتاد رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على استخدام "الكذب" لتضليل الرأي العام الإسرائيلي والعالمي، وربما كان هناك شريحة داخل "الكيان الإسرائيلي" وفي العالم تصدّق ما يقول نتنياهو حتى لو كان غير منطقي، إلا أن تسارع وتيرة "الكذب" لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي في الفترة الأخيرة تحوّلت إلى فضيحة ولم يعد أحد يصدق ما يقول حتى في أكثر المواضيع حساسية، مثل الحرب مع لبنان، وعلى الرغم من أن الإعلام الإسرائيلي ليس في مصلحته "تكذيب" نتنياهو فيما يخصّ موضوع الحرب تحديداً، رأفةً بالصهاينة والمستوطنين إلا أنه طفح الكيل بالنسبة للإعلاميين الذين لم يدّخروا جهداً في "تكذيب" رواية نتنياهو الأخيرة حول ردّ "حزب الله" الأخير وقصف عربة إسرائيلية بصاروخ "كورنيت" وقتل من فيها.
نتنياهو سارع إلى تبرير ما حصل وخرج إلى الإعلام يوم الأحد الماضي ليصرّح بالقول: "أستطيع الآن أن أعلن خبراً مهمّاً: لم يُصب من طرفنا أحد ولو بخدش".
افتراء وكذب نتنياهو لم يكن مقنعاً للإعلام الإسرائيلي، خاصةً وأن الإعلام الحربي لحزب الله وثّق وصوّر عملية إطلاق صواريخ على العربة الإسرائيلية، عند طريق ثكنة أفيفيم وقتل وجرح من فيها، وعرضت قناة المنار اللبنانية مشاهداً تظهر بوضوح الهدف المرصود وكيفية استهدافه وإصابته مباشرة.
بعد ذلك انتشرت في الإعلام الإسرائيلي صور توثّق نقل جنديين إسرائيليين إلى المستشفى لتلقّي العلاج، وهنا بدأ الداخل الإسرائيلي يعيش حالة من الضياع، بين تكذيب السلطات لما جرى وإيهام المستوطنين بأن ما حصل كان مجرد تمثيلية لخداع "حزب الله" وتضليله ومنعه من توجيه ضربة ثانية للإسرائيليين، إلا أن هذا الأمر لم يكن مقنعاً للإسرائيليين الذين اتّهموا حكومتهم بتضليلهم.
وما ساهم في إشعال الداخل الإسرائيلي هو ما جاء على لسان مراسلة الإذاعة الإسرائيلية "أورلي الكلعي" التي أكدت وصول جرحى إلى مستشفى "رامبام" شمال فلسطين المحتلة.
كما نشرت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية فيديو يظهر عملية نقل جرحى عبر مروحية بعد الاستهداف مباشرة، لتتساءل القناة 12 الإسرائيلية، بأنّه طالما أعلن نتنياهو عن عدم وجود إصابات في العملية ولا حتى خدوش لأيّ جندي، "فلماذا أقلعت طائرة هليكوبتر من الحدود الشمالية إلى مستشفى "رامبام" وأخلت الجنود هناك؟".
يبدو أن "الخدش" الذي ادّعى نتنياهو أنه لم يصب أحداً، أصابه في العمق وفضح أكاذيبه ولا نستبعد أن ينهي هذا الكذب تاريخه السياسي في الأيام القليلة المقبلة، ولا نعتقد أن عمليات استنجاده بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلادمير بوتين ستنقذه من الورطة التي وقع بها نتيجة "غبائه" طالما أنه فقد ثقة الشارع الإسرائيلي به.
ففي العملية الأخيرة سرعان ما تحوّلت "التمثيلية" الإسرائيلية المفترضة إلى جدل داخليّ، يعكس بشكل كبير الأزمة السياسية العميقة على أعتاب الانتخابات.
فالرواية الرسمية حول "التمثيليّة" لم تقنع كثيراً العديد من السياسيين والعسكريين والمحللين والصحفيين الإسرائيليين، الذين وإن سلّموا جدلاً بحصولها، تساءلوا لماذا يتمّ الإعلان والحديث عنها بعد ساعات قليلة من العملية؟.
تساؤل منطقي، لماذا قد يُقدم الاحتلال على فضح رواية كان من المفترض أن تبقى سريّة لتنجح في تحقيق هدفها المنشود؟.
أبرز ردود الفعل الداخلية الإسرائيلية على تمثيلية العدو المفترضة، جاءت على لسان نائب رئيس الموساد السابق رام بن باراك، الذي عبّر عن تخوّفه من أنّ "نشر مناورة التضليل يمكن أن يدفع حزب الله كي يقوم بعملٍ مجدداً".
القائد السابق لوحدة العمليات الخاصة بالجيش الإسرائيلي عومر بارليف، أشار إلى أنّ "التفاخر بمناورة التضليل يلحق أضراراً بنا"، متسائلاً: "ما هدف المناورة إذا لم تبثّ شعوراً بالهدوء لمدنيي إسرائيل؟".
وفي الوقت الذي أشارت فيه وسائل إعلام إسرائيلية، إلى أنّ "مناورة التضليل" التي قام بها جيش الاحتلال الإسرائيلي "لم يكن يجب أن تكشف"، رأى عضو الكنيست يئير لبيد، أنّ الكشف عنها هو لـ"كسب نقاط في الانتخابات وهذا يسمّى عدم مسؤولية".
من جهته اعتبر الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية يوني بن مناحيم، أنّ جيش بلاده "قام بحرب نفسية على مدنيي "إسرائيل" وليس على حزب الله، في مناورته التضليلية أدخل كل الدولة في ضغط زائد على رئيس الأركان الذي وافق بأن هذا الهراء لا يوجد منه فائدة عملانية أو استخبارية، بل يمكن أن تنتج عنه أضرار فقط".
تساحي دافوش المراسل العسكري في إذاعة الجيش الإسرائيلي، كتب ساخراً على تويتر: "مناورة تضليل جميلة للجيش الإسرائيلي. ما الأمر المنطقي في نشر هذا التضليل بعد بضع ساعات مما حصل؟ خاصة وأن الدم لم يبرد بعد؟، ليفهم حزب الله أنه وقع في فخ وتُثار الرغبة لديه بتنفيذ ردّ إضافي بسبب الشعور بالإهانة؟ استراتيجية علاقات عامة؟".
حاول نتنياهو أن يقول من خلال تكذيبه لما حصل بأن الجيش الإسرائيلي قوي وقادر على اختراق العمق اللبناني والسوري دون أن يكون هناك أي قدرة على ردعه، وحاول أن يوصل رسالة بأن تهديدات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لا تؤثّر به، كما قال بعد كلمة السيد نصرالله في ذكرى انتصار حرب تموز، فتوجّه الى الجمهور الإسرائيلي بالقول "نحن لا نتأثر بتهديدات نصر الله».
أضاف نتنياهو أن الأمين العام لحزب الله "يعلم جيداً لماذا يطلقها (التهديدات) من داخل سردابه".
أبرز مفاعيل تأثر "إسرائيل" بجاهزية حزب الله ورسائل أمينه العام، أنها امتنعت عن تكرار عدوانها على لبنان والمقاومة خلال 13 عاماً، رغم أنها كانت وما زالت تواصل بناء جاهزيتها لهذه المهمة طوال السنوات الماضية.
في السياق نفسه، وفي محطات محددة، ارتدعت "إسرائيل" نتيجة رسائل الأمين العام لحزب الله، عن تنفيذ قرار توسيع نطاق "المعركة بين الحروب" إلى لبنان، رغم أنها حاولت ذلك.
كما أن هناك "كذبة أخرى وردت أمس في حديث نتنياهو، وهي أن "إسرائيل" أنفقت مئات الملايين على تحقيقه، وهذا لم يكن وليس له أي أساس"، بحسب الصحيفة التي قالت: "هل كل هذا ردّاً على سؤال بسيط سأله الصحفي عميت سيغال لرئيس الوزراء حينما قال له: أنت تتباهى بأنك تفهم في الاقتصاد، وأنك كسبت في صفقة في غضون ثلاث سنوات قرابة 4 ملايين دولار، فكيف حصل أنك غير مستعدٍ لأن تدفع لمحاميك من جيبك؟"، وسبق أن طالب نتنياهو بالتبرع له من أجل الدفاع عنه في قضايا الفساد المتهم بها.