الوقت- يكثر الحديث الإعلامي عن احتمال اندلاع حرب بين إيران وأمريكا، التقارير الأخيرة ليست وليدة الصدفة، بل تأتي في إطار القناعة بحرب جديدة ستغيّر وجه المنطقة، لكن واشنطن تسعى هذه المرّة لصبّ الزيت على النار.
ما بدا لافتاً لي اهتمام الشارع العربي بهذا الأمر، أكثر من الداخل الإيراني بأضعاف مضاعفة.
في الشارع العربي، يركّز الإعلام السعودي على التطورات الأخيرة محاولاً إظهار أن الحرب على الأبواب، فضلاً عن عشرات التقارير الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي، يبدو أن الرياض تعتقد أنّه بإمكانها من خلال هذا الأسلوب جرّ ترامب إلى الحرب مع إيران، غافلة عن أن الهدف الرئيس لحاملة الطائرات والقاذفات هو الدول الخليجية قبل أي طرف آخر كما سنشير في السطور اللاحقة.
وأما في الداخل الإيراني، لا أحد يحدّثك عن احتمال اندلاع الحرب، بل إن بعض الشباب المتحمّس يتمنّاها، قسم آخر يعمد إلى السخرية من ترامب وبولتون، فضلاً عن عرض أحدهم حاملة الطائرات الأمريكية أبراهام لنكولن للبيع على أحد مواقع البيع الالكتروني.
بعيداً عن هذه الخطوات "الاستعراضية"، يبدو واضحاً أن الداخل الإيراني مطمئنٌ أكثر من أي وقت مضى لسقوط خيار الحرب، خاصّة في حقبة ترامب الذي يسعى للفوز بولاية ثانية، فضلاً عن كونه قد غمز سابقاً إلى أنه يستحق جائزة "نوبل للسلام".
يدرك الإيرانيون أن أقصى ما يمكن أن يفعله ترامب التاجر هو فرض العقوبات، وبالتالي لا يأخذون التهديدات الأمريكية على محمل الجد، وأما بعض التصريحات العسكرية من القادة الإيرانيين فهي تأتي كرد على التصريحات الأمريكية التي تصدر عن بومبيو وبولتون وترامب نفسه، خاصّة في ظل الإهانات المتكرّرة التي يوجهها ترامب للنظام السعودي.
كل الوقائع تؤكد أن الحرب لا تزال بعيدة، وهنا نذكر التالي:
أولاً: إن أكثر من يخشى اندلاع حرب في المنطقة هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه، الحديث عن قدوم حاملة الطائرات والقاذفات الاستراتيجية أعادني إلى مشهد مماثل حصل قبل أشهر، عندما رفعت واشنطن السقف عالياً أمام كوريا، واستخدمت وصول السفن الحربية إلى بحر الصين، ونشر المنظومة الصاروخية في كوريا الجنوبية، وكان الهدف حينها فتح باب الحوار لا أكثر، ربّما نجح ترامب في جرّ كيم إلى المفاوضات، لكن الأخير نجح في خداعه والالتفاف على مطالبه عبر المزيد من التجارب الصاروخية ليس آخرها ما حصل قبل أيام في بحر اليابان.
لا نعتقد أن هذه التجربة ستنجح مع إيران، ولاسيّما أن قائد الثورة قد كان حاسماً في خياره قبل مدّة عندما قال: "لا حرب ولا مفاوضات".
ثانياً: يأتي رفع السقف الأمريكي بعد كشف شبكة "سي إن إن" أن واشنطن مرّرت رقم هاتف إلى سويسرا لتسليمه إلى إيران، كي تتصل بالرئيس دونالد ترامب، ردّاً على الدعوة التي وجهها بنفسه في مؤتمر صحفي، إلى القيادة الإيرانية، يسعى ترامب إلى جرّ إيران للتفاوض تحت عصا التهديد، وبالتالي إجبار طهران على الجلوس مجدّداً على طاولة المفاوضات دون قيد أو شرط، وفي النتيجة إبرام اتفاق نووي جديد وفق شروط ترامب، فهل ترامب الذي فشل مع كوريا رغم جرّها للمفاوضات، سينجح مع إيران التي سيفشل في جرّها للتفاوض أساساً؟
ثالثاً: لا شكّ أنّه ومع دخول حاملة الطائرات الأمريكية أبراهام لنكولن إلى الشرق الأوسط، وتحديداً الخليج الفارسي، فإن احتمال حصول حرب بين إيران وواشنطن سيصبح صفر بالمئة.
هل ستضع واشنطن أكثر من 5600 جندي أمريكي لقمة سائغة أمام الصواريخ الإيرانيّة؟ إن ما تحمله هذه السفينة من جنود يفوق عدد الجنود الأمريكيين القتلى منذ احتلال العراق إلى العام 2011، فهل واشنطن قادرة على تحمّل هذه الضربة خلال ساعات قليلة.
تدرك واشنطن أن استهداف هذه السفينة بوابل من الصواريخ والزوارق المفخّخة يعني نهاية الحرب لمصلحة إيران، قائد القوات الجوية في الحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده، هدد أمريكا باستهداف حاملة طائراتها في منطقة الخليج الفارسي، قائلاً: "وضع الأمريكيين، مثل قطع اللحم التي بين أسناننا".
رابعاً: إن ترامب يهدف من هذا التصعيد إلى أمرين، الأول محاولة جرّ إيران إلى الاتصال به، والثاني وهو الأهم المزيد من حلب الدول الخليجية، وتحديداً السعوديّة التي يصفها بالبقرة الحلوب.
بدت مضحكةً لي بعض المقالات في الصحف السعودية، فعلى سبيل المثال كتب طاهر الحصري في صحيفة "عكاظ" السعودية مقالاً تحت عنون "اقتربت ساعة التأديب"، غافلاً عن أن الهدف الرئيس للتهديدات الأمريكية هو تأديب بلاده والحصول على المزيد من الأموال التي يطالب بها ترامب.
خامساً: من الأهداف الأخرى لهذا التصعيد هو صفقة القرن، هناك محاولة أمريكية واضحة لإلهاء المنطقة بأحاديث الحرب مع إيران، لتمرير صفقة القرن بعد شهر رمضان كما أعلن كوشنير، هناك توجّه أمريكي واضح لإظهار إيران العدو الأول في المنطقة، وليس الكيان الإسرائيلي، وبالتالي تمرير الصفقة دون أي ضجيج شعبي، ولاسيما في الدول الخليجية التي يكون سكّانها يستعدون لحرب لن تحصل.
لذلك أمريكا تعمد إلى فبركات إعلاميّة بدءاُ من فبركة التقارير التي تقول إن إيران تحضّر لهجمات على أمريكا، والدفع بحاملة طائرات وقاذفاتB52، مروراً بإعلان بومبيو عن تقارير تفيد بهجوم وشيك على القوات الأمريكية في العراق من إيران وحلفائها، وليس انتهاءً بتوعّد نتنياهو بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية.