الوقت- معادلة جديدة رسمتها حركة حماس في العدوان الأخير، فقد نجحت صواريخ المقاومة في فرض معادلة توازن رعب تجلّت على أكثر من صعيد.
لم تعد أي حرب إسرائيلية - فلسطينية كسابقاتها، فقد نجحت فصائل المقاومة الفلسطينية في تكريس معادلات جديدة، تضع رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير حربه وقائد أركانه في عنق الزجاجة، ولاسيّما أن الجبهة الداخليّة الإسرائيلية ليست قادرةً اليوم على تحمّل هذا الكم والنوع من الصواريخ.
رغم إدراك الإسرائيلي عجزه الدخول في حرب واسعة مع حركة حماس، إلا أنه لم يكن يتوقّع أن تنجح حماس في تقييده إلى هذا الحد، برّاً وبحراً وجوّاً.
صحيح أن الطائرات الإسرائيلية كانت قادرة على استهداف أي موقع في غزة، مدنياً كان أم عسكرياً، لكن القيادة الإسرائيلية تعلم جيداً أن استهداف المدنيين سيقابله استهداف للمستوطنين، وفي حال ارتكبت الطائرات الإسرائيلية مجزرة بحق المدنيين، فرد فصائل المقاومة لن يكون على مستوطنات الغلاف مع غزة، بل ستكون إحدى المدن الفلسطينية المحتلّة هي المستهدفة، وربّما تكون تل أبيب.
كثيرة هي المعادلات التي ترسّخت في العدوان الأخيرة، وكل الطرق الإسرائيلية تؤدي إلى الردع الفلسطيني، وفي هذا الإطار لا بدّ من ذكر التالي:
أوّلاً: في الكم والنوع، رسمت المعادلة الجديدة خطوطاً مختلفة عن تلك التي كرّستها المعادلات الصاروخية السابقة، صواريخ المقاومة باتت أكثر عدداً وقدرة تدميرية، وبالتالي، يشكّل هذا التحوّل فرصةً كبيرة للمقاومة الفلسطينية في رسم خطوط حمراء للكيان الإسرائيلي.
كذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أن المنظومة الصاروخية لحماس باتت أكثر دقّة، وبالتالي فإن هامش الخطأ بات أقل من السابق، وأمام هذا الوضع، اعترف الخبراء والمحللون الصهاينة بتطوّر أسلوب المقاومة ونوعية الأسلحة التي استخدمتها من طائرات من دون طيار إلى صواريخ كورنيت، والإقرار بأنها تعلّمت كيفية مواجهة الجيش الإسرائيلي.
ثانياً: إن أي تحرّك برّي غير مضمون وسيغرق جيش الاحتلال في حرب استنزاف من العيار الثقيل لما تملكه فصائل المقاومة من قدرات قتالية وعسكرية، نجحت عزّة في فرض إرادتها بالقوة الممهورة بسواعد المقاومين الذين أثبتوا جدارتهم وكفاءتهم في الميدان الذي سمح لهم بتحديد موعد نهاية الحرب، فقد اعتبر محللون عسكريون ومن بينهم "آفي بنياهو" المتحدث السابق باسم الجيش أن هذه النهاية، وبالشكل الذي أعلنتها فيه الفصائل قبل أي مصدر إسرائيلي عن موعد الدخول في وقف إطلاق النار تُمثل انتصاراً على مستوى الصورة، وتؤكد أن فصائل المقاومة باتت تمتلك المبادرة على مستوى البدء في جولات التصعيد، وعلى مستوى إنهائها مذكّراً بالتجربة الإسرائيلية مع حزب الله في هذا الشأن، ربما يكون نتنياهو من يحدد ساعة الصفر في أيّ حرب قادمة، لكنّه بالتأكيد ليس هو من يحدد نهايتها.
ثالثاً: بدا لافتاً حجم التنسيق بين فصائل المقاومة عبر الغرفة المشتركة، ولعلّ هذا التنسيق قد بدا واضحاً في مستوى اختلافه عمّا سبقه، في السابق كانت المقاومة الفلسطينية تعمد إلى قصف عدّة مستوطنات ببضع صواريخ.
اليوم، لم تعد هناك خشية فلسطينية من نفاد مخزون الردع الصاروخي، وبالتالي تعمد إلى استهداف إحدى المناطق المحتلة بعدّة صليات من الصواريخ لدبّ الرعب في تلك المنطقة بأكملها وإلحاق عدد أكبر من الخسائر.
نجحت هذه الاستراتيجية خلال العدوان الأخير، سواء في رفع مستوى الهلع الإسرائيلي، أم بتكبيد الجانب الإسرائيلي عدداً أكبر من الخسائر.
رابعاً: لا أمن في المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة بالمجان. ففي حين رفصت حماس المنحة المالية القطرية كـ"رسالة مزدوجة لنتنياهو وعباس أن سياسة تبادل الأدوار في خنق غزة وابتزازها والمزايدة عليها لن تفلح وأنها قادرة على مفاجأة الجميع"، وفق ما غرّد الناطق باسم الحركة سامي أبو زهري حينها، عمدت المقاومة إلى قصف مستوطنات الغلاف بالصواريخ لإجبار الكيان على إدخال الأموال القطرية وتطبيق تفاهماته بالقوة إذا أراد التهدئة.
خامساً: عادةً ما تتعطل الحياة في غزة إبان الحروب، ولكن الداخل الإسرائيلي من الغلاف إلى حيفا سيكونون على موعد مع شلل شبه كامل، وإيقاف خطوط المواصلات والنقل، كما حصل مؤخراً في الجنوب الإسرائيلي، فقد تم إيقاف عدد من خطوط المواصلات العامة جنوب الاحتلال الإسرائيلي نتيجة التصعيد، إضافة لفتح الملاجئ كافة في مستوطنات غلاف غزة، ووقف المدارس في مستوطنات الغلاف.
أثبت العدوان الأخير هشاشة الجبهة الداخلية الصهيونية وعدم قدرة المستوطنين الصهاينة على تحمّل حرب الاستنزاف وممارسة الضغط على حكومتهم.
سادساً: نجاح الحرب النفسية.. لا تقتصر معادلة المقاومة على الشقين العسكري والأمني، بل تعدّ الحرب النفسية أحد هذه الميادين، فقد أفاد تقرير صادر عن مركز مساعدة المصابين بصدمة نفسية في "إسرائيل" بأنه خلال أيام العدوان الإسرائيلي على غزة، الأسبوع الماضي، وصل إلى المركز ألف شخص على الأقل جرّاء إصابتهم بالهلع.
ووفقاً للتقرير، الذي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإنه خلال العام 2018 الفائت، استقبل هذا المركز أكثر من 4000 توجّه جديد من أشخاص عانوا من أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة النفسية، مسجلاً بذلك ارتفاعاً بنسبة 25% قياساً بالعام الذي سبقه.
لا شكّ أن المراكز النفسية الإسرائيلية ستكون عاجزة أمام حجم المراجعين في أي حرب مقبلة في الجنوب، وأما على الشمال ففي حال نشوب أي حرب مع حزب الله المستشفيات هي التي ستكون عاجزة.