الوقت- مرّة جديدة يعود التدخّل الإماراتي في ليبيا إلى الواجهة من جديد، ولكن عبر البوابة الأممية هذه المرّة، لم تتوانَ أبو ظبي في يوم من الأيام في إعلان دعمها لهجوم حفتر، ليس آخرها تأكيد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش قبل أيام عن دعم أبو ظبي لهجوم حفتر على طرابلس التي تخضع لسيطرة المليشيات، وفق تعبيره.
وكالة الصحافة الفرنسية نشرت تقريراً سريّاً اطلعت عليه يرتبط بتحقيق خبراء من الأمم المتحدة في كون الإمارات ضالعة عسكرياً في الهجوم المستمر على العاصمة الليبية طرابلس من خلال طائرات مسيرة تنفذ غارات ليلية.
ويحقق الخبراء الأمميون في الاستخدام المحتمل لهذه الصواريخ إما من قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر أو من طرف ثالث داعم له، وقد قالت لجنة الخبراء في تقرير لمجلس الأمن الدولي إن الصور التي عاينتها تظهر صواريخ جو أرض تمتلكها ثلاث دول فقط هي الصين وكزاخستان والإمارات، وإن هذه الصواريخ تطلقها حصراً طائرات من دون طيار تنتجها شركة "وينغ لونغ" الصينية.
التحقيق الجديد، وفضلاً عن كونه يفتح الباب على شكاوى قد تعمد إليها حكومة الوفاق ضدّ الإمارات في محكمة العدل الدوليّة في لاهاي، يضع الإمارات في خانة الاتهام بانتهاكها مجدداً حظر الأسلحة المفروض على ليبيا من قبل مجلس الأمن الدولي، فقد ذكر موقع "ديفنس نيوز" الأمريكي أن من المرجّح أن تكون الطائرات التي تقصف طرابلس ليلاً هي طائرات صينية مسيّرة من طراز "وينغ لونغ 2" تابعة للإمارات التي أفادت تقارير سابقة بتقديمها دعماً عسكرياً لحفتر.
ما يزيد طينة الإمارات بلّةً التحقيق الجديد مع بدء أولى جلسات محكمة العدل الدولية في لاهاي، للنظر في شكوى أبو ظبي التي تطالب فيها الدوحة بسحب شكواها أمام لجنة مكافحة جميع أنواع التمييز العنصري في جنيف، بعد أن أقدمت الدوحة إلى تقديم شكوى في وقت سابق ضد الإمارات بسبب ممارسة التمييز العنصري بحق القطريين على خلفية اندلاع الأزمة الخليجية.
لا يعدّ التدخل الإماراتي في الملف الليبي بالأمر الطارئ، بل إن أبو ظبي من أوائل البلدان التي عمدت إلى دعم الجنرال خليفة حفتر للسيطرة على الحكم في طرابلس، وقد اتهمت حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج الإمارات بدعم قوات حفتر عسكرياً وبانتهاك حظر التسليح الدولي، ولا سيما بعد ورود تقارير عن شنّ طائرات مسيرة إماراتية غارات ليلية على العاصمة الليبية طرابلس.
سابقاً، أقدمت الإمارات على دعم حفتر جويّاً من خلال قاعدة أقيمت في الخادم شرق ليبيا عام 2016، كما أن أحد التقارير التي صدرت عن الأمم المتحدة في 2017، أشار إلى أن الإمارات قدّمت لقوات حفتر دعماً عسكرياً ولوجستياً شمل طائرات ومركبات عسكرية، كما أعادت أبوظبي بناء قاعدة جوية في منطقة الخادم في بنغازي. ووفق تقرير سابق، صادر عن الأمم المتحدة، فإن الإمارات زوّدت قوات "حفتر" بنحو 100 ناقلة جنود مدرعة خلال السنوات الماضية.
وأما عن أسباب الدعم، فإضافةً إلى الطموح السياسي الذي يمتلكه ولي العهد الإماراتي الأمير محمد بن زايد، يعدّ النفط الليبي أحد أسباب هذا الدعم، فقد تحدّثت مصادر مقرّبة من لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس برلمان طبرق عن دور إماراتي في قرار اللواء حفتر القاضي بتحويل تبعية حقول وموانئ النفط إلى مؤسسة النفط الموازية في بنغازي في يونيو العام الماضي، كما دعمت الإمارات بقوة معركة سيطرة حفتر على الهلال النفطي، بعد أن شاركت في التحضير لها بشكل كبير على صعيد السلاح والتمويل أيضاً.
عوداً على بدء، يشكّل التحقيق الجديد مادّة دسمة لحكومة الوفاق في رفع دعوى ضدّ الإمارات بارتكاب مجازر حرب في ليبيا، لاسيّما أنها أغرقت البلاد بالسلاح رغم الحظر الأممي الأمر الذي تسبّب بحرب دامت لسنوات، وقد كشف التقرير السنوي للجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا عن خرق الإمارات نظام العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا من خلال تجاوز حظر التسليح المفروض عليها منذ سنة 2011، وذلك عن طريق تقديم الدعم العسكري لقوات حفتر على أنها شحنات مواد غير قاتلة، هذا الخرق قد يعرّض الإمارات لعقوبات تبدأ بتفتيش أي سفن تحمل العلم الإماراتي - بالقوة - وتبحر بالقرب من السواحل الليبية، كونها تقع تلك ضمن دائرة الاشتباه في توريد الأسلحة، ولا تنتهي عند حدود العقوبات بسبب انتهاكها الحظر الأممي.
لكن لم تعدّ المسألة اليوم، تجاوز الحظر الأممي فحسب، بل الضلوع العسكري المباشر في النزاع الدائر في ليبيا، وهذا الأمر وإضافةً إلى تبعاته طويلة الأمد فيما يتعلّق بموقف الليبيين من الإمارات، فإنه يعطي لحكومة الوفاق الحقّ بالردّ على العدوان الإماراتي في عقر دار الأخيرة.