الوقت- يواجه الاتحاد الاوروبي تحديات كثيرة أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على وجوده وأمنه السياسي والاقتصادي والاجتماعي. كما وتشير التطورات الى وجود تململ لدى الشعوب الاوروبية من سياسات دولها والتي لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح شعوبها بقدر ما ترسم سياساتها وفقا لمصلحة الاتحاد ككل.
وبريطانيا ليست استثناءا في هذه المعادلة، حيث تعصف بها في الفترة الاخيرة مجموعة من المشاكل والتحديات الكبيرة والتي تواجه حكومة ديفيد كاميرون ومن أهم تلك التحديات مشكلة المهاجرين غير الشرعيين الذين يسعون الى دخول الاراضي البريطانية بأشكال غير قانونية وعبر أكثر من منفذ وخاصة عبر نفق المانش الرابط بين فرنسا وبريطانيا. والتي اشتهرت مؤخرا في الاعلام بأزمة المهاجرين غير الشرعيين في مرفأ كالیه الفرنسي. حيث تشير الأخبار الى أن ما يزيد عن ثلاثة الاف لاجئ معظمهم من دول افريقية وشرق أوسطية حاولوا خلال الايام الماضية اختراق الحدود للعبور عبر نفق المانش الى بريطانيا، مما أدى الى احداث فوضى وخلل في حركة النقل داخل النفق. وقد أعلن عمال مرفأ كالیه عن اضرابهم عن العمل بسبب عدم حل هذه الازمة مما أدى الى خلل في نظام النقل البحري بين فرنسا وبريطانيا. كما ويوجد اتفاق قديم بين الجانبين الفرنسي والبريطاني ينص على بقاء اللاجئين في فرنسا في حال رفضت بريطانيا استقبالهم. وهذا ما يعترض عليه الفرنسيون ويسعون لالغاء الاتفاق والسماح للمهاجرين بالانتقال بسلاسة الى بريطانيا التي ترفض الامر بشكل قاطع.
ومن الاسباب التي تجعل بريطانيا ترفض التعاون، التخوف من تسلل افراد ذوي خلفيات ارهابية الى داخل بلادهم مما يشدد في الازمة الموجودة اصلا والتي تتحمل الحكومة البريطانية جزءا كبيرا من المسؤولية فيها. حيث أنها لم تكن الى الامس القريب تحرك ساكنا اتجاه الحركات الوهابية داخل بريطانيا في موقف مريب ومثير للتساؤل. وفي موقف مشترك أعلنه وزيرا خارجية البلدين في وقت سابق عبر جريدة "صنداي تلغراف" اعتبرا فيه أن مشكلة المهاجرين غير الشرعيين ليست مشكلة فرنسا وبريطانيا فحسب وانما مشكلة كافة دول اوروبا مطالبين الدول الاوروبية الاخرى والدول المصدرة للمهاجرين (افريقية وشرق أوسطية) الى المساعدة في هذا الملف لافتين الى أن هؤلاء المهاجرين قد مروا عبر دول اوروبية أخرى كاليونان وايطاليا قبل وصولهم الى فرنسا وبريطانيا. معتبرين أن هذا الموضوع سيتحول الى مشكلة عالمية اذا لم يتم معالجته.
ولمعالجة هذه الازمة تحاول حكومة كاميرون تسهيل دخول بعض المهاجرين الى أراضيها ولكن تواجهها معارضة شعبية داخلية قوية. ووضع حكومة كاميرون ليس جيدا الى درجة يسمح لها بالتغاضي عن هذا الرفض الشعبي. خاصة أن حزب المحافظین الذي ينتمي اليه كاميرون يخشى أن يخسر الانتخابات المقبلة وذلك بعد عقدين من الزمن لم يتمكن من الوصول الى نتائج تخوله رئاسة الحكومة.
كما أعلنت حكومة كاميرون عن مجموعة اجراءات بالتنسيق مع فرنسا ومنها تركيب انظمة جديدة لمراقبة الحدود في الطرفين والاستفادة من الكلاب البوليسية بالاضافة الى دخول الجيش على خط المواجهة. حيث تقرر أن يتعاون مع القوى الامنية البريطانية في حماية الجهة البريطانية من نفق المانش. بالاضافة الى سن قانون يسمح بمحاكمة وسجن من يأوي مهاجرا غير شرعي في بيته داخل بريطانيا. ومن الناحية الفرنسية تشديد المراقبة داخل فرنسا وفي مدينة كالیه بالخصوص لمنع المهاجرين من الوصول الى مداخل نفق المانش وميناء كالیه والاستفادة من رجال أمن بلباس مدني، بالاضافة الى تعزيز التعاون الامني بين الطرفين لجهة كشف شبكات الاتجار وتهريب البشر الفاعلة على الحدود.
ومن اللافت والجدير ذكره أن اللاجئين، وكما تؤكد منظمات عالمية غير حكومية ومنها منظمة اطباء بلا حدود، يلقون معاملة سيئة جدا وغير انسانية ويعانون من ظروف حياتية صعبة جدا في منطقة كالیه الواقعة على الطرف الفرنسي من نفق المانش. كما وتشير تقارير أخرى الى غرق سفن تقل مهاجرين مقابل السواحل الاوروبية ومنها الايطالية وعلى متنها اكثر من 700 شخص بسبب عدم سماح ايطاليا لهم بدخول اراضيها والحجة عدم وجود امكانية لاستيعابهم في مخيمات اللاجئين.
وعلى صعيد آخر وضمن مسلسل التحديات التي تواجه حكومة حزب المحافظین وعلى رأسها ديفيد كاميرون، فقد نفذ موظفوا قطارات الانفاق في مدينة لندن اضرابا لمدة 24 ساعة خلال الاسابيع الماضية بسبب القانون الجديد الذي تسعى الشركة المشغلة لقطارات الانفاق اقراره وهو وضع القطارات في حالة خدمة دائمة على مدار اليوم (24 ساعة بما فيها الليل) ودون تقديم أي بدل مادي اضافي عن الخدمة الليلية. وقد أدى الاضراب الى شلل العاصمة البريطانية حيث يستفيد يوميا ما يزيد عن ثلاثة ملايين شخص من هذه القطارات في حركتهم. ومن المقرر أن يتكرر هذا الاضراب خلال الايام المقبلة ولا مؤشرات تدل على حلحلة في هذا الموضوع. خاصة وسط الازمة المالية التي تعصف باوروبا عامة بما فيها بريطانيا، ومن المقرر وكما وعد كاميرون اثناء حملته الانتخابية أن يجري استفتاء على البقاء في الاتحاد الاوروبي في حال لم يتمكن من اقرار تعديلات في قوانين الاتحاد وذلك اواخر عام 2017. وتشير الاحصاءات والتقديرات الى أن الاستفتاء اذا وقع سيكون الضربة القاضية لسقوط الاتحاد الاوروبي.
وفي النهاية من الجيد الاشارة الى تصريح الرئيس التشيكي "ميلوش زيمان" مؤخرا والذي اعتبر فيه أن موجة الهجرة غير الشرعية الى اوروبا انما سببها سياسات الغرب اتجاه دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا. وأكد أن السبب المباشر لهذه الهجرة هو التدخل العسكري الامريكي في العراق وليبيا بالتنسيق مع الدول الاوروبية، بالاضافة الى سعي واشنطن الى اسقاط الانظمة العربية ومنها "سوريا" والذي كان نتيجته اشتداد المواجهات والحرب في تلك البلاد وظهور المنظمات الارهابية وفي ذلك سبب لفرار أهل تلك البلاد وسعيهم للوصول الى اوروبا طمعا بالامن والحياة الكريمة.