الوقت- قال موقع غلوبال ريسيرش الكندي على لسان الكاتب "انزو كالاندرا" إن تاريخ الاقتصاد السياسي الدولي يتألف من عدة أنظمة مالية، كل منها يقابل مرحلة معينة من التطوّر الرأسمالي وامتلاك سمات تعكس المرحلة المذكورة.
واستطرد الكاتب قائلاً: من أجل إلقاء الضوء على ديناميكيات نظام الدولار، سأقارن طبيعته أحادية القطب مع معيار الذهب بين عامي (1870-1914)، وسوف أحلل الأحداث السياسية / التاريخية الرئيسية التي أدت إلى إنشاء هيمنة الدولار، مثل الحرب العالمية الثانية وأزمة النفط لعام 1973، وهنا أزعم أن الميل إلى إزالة الدولار أمر حتمي بسبب التناقضات الداخلية في الاقتصاد السياسي النيوليبرالي، وأن دول العالم الثالث تحت قيادة الصين تضع الأسس لنظام نقدي متعدد الأقطاب وخالٍ من الغرب، والسيطرة الاستعمارية.
وتابع الموقع بالقول: لقد أودت الوحشية والامبريالية الأمريكية بحياة الملايين من أجل الحفاظ على هيمنة الدولار، فمن حيث قطبية السلطة، يختلف الدولار اليوم قليلاً عن معيار الذهب، ففي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فرضت بريطانيا، باعتبارها الدولة الإمبريالية الرائدة على العالم نظاماً اقتصادياً ملائماً يسيطر عليه مصرفها المركزي.
وأضاف الموقع أنه وبالمثل، فإن أمريكا باعتبارها مهيمنة عالمياً فإن ذلك يساعدها على ترسيخ الدولار كعملة واعدة ويمنعها من الشعور بالتقلبات السلبية للسوق العالمية، ويمكن التمييز هنا، على أي حال، بأن قوة أمريكا تمتد في الواقع إلى أبعد مما فعلت بريطانيا على الإطلاق، حيث لم تكن بريطانيا قادرة على إنتاج الذهب (على الرغم من الجهود الممتدة لقرون من التجارب)، أو خلق قيمة من فراغ.
هذا وتم تأسيس معيار الذهب والحفاظ عليه من خلال الهجوم العنيف على الدول الصغيرة، وبالمثل، فإن أمريكا تجري بانتظام حروباً إمبريالية للحفاظ على هيمنة الدولار.
إن العراق وليبيا هما المثال الأكثر أهمية عن البلدان التي دمرّت بوحشية على مذبح الدولار.
وبالتأكيد إن هذه الحروب، التي تتنكر في شكل محاولات "نشر الديمقراطية"، ترتبط بشكل مباشر بمسائل الاقتصاد السياسي الدولي.
في الفترة التي سبقت غزو العراق، أعلن صدام حسين عن نيته في تداول نفطه باستخدام اليورو بدلاً من الدولار، وفي وقت لاحق، عند مناقشة النفط، سأبين لماذا كانت فكرة تداول النفط في أي شيء ما عدا الدولار تعتبر تهديداً كبيراً للهيمنة الأمريكية، يكفي القول إن "حرب العراق تدور حول التهديدات الاقتصادية الكلية غير المعلنة ولكنها تشمل الدولار الأمريكي".
وأضاف الموقع الكندي قائلاً: بدأت الحرب الأمريكية الفرنسية على ليبيا بعد أن أعلن القذافي نيته في تجارة النفط الليبي باستخدام عملة إفريقية أساسها الذهب، وتظهر رسائل هيلاري كلينتون الخاصة بالبريد الإلكتروني قلقاً شديداً إزاء "التهديد الهائل المتمثل في احتياطيات القذافي من الذهب والفضة، والتي تقدّر بـ" 143 طناً من الذهب، ومقداراً مماثلاً من الفضة "، التي طرحت على الفرنك الفرنسي(CFA) ، الذي يتم تداوله كعملة إفريقية أساسية".
تعمل هذه الأمثلة على إظهار التوزيع غير المتساوي للسلطة في ظل النظام الدولي الحالي، حيث يتم استغلال وتدمير البلدان المحيطية بوحشية إذا رفضت الامتثال.
لقد كانت جميع أنظمة السوق العالمية الرأسمالية متوقفة على الاستغلال الذي لا يرحم للعالم الثالث، وظلّت حقائق الاستغلال الرأسمالي ثابتة دون تغيير على مرّ القرون، من اكتشاف الفضة في أمريكا الجنوبية، إلى معيار الذهب، من خلال النيوليبرالية، وتمثل جهود إزالة الدولار التي تقودها الصين إمكانية كسر هذا النمط التاريخي القمعي للسياسة النقدية كأداة للاستعمار والإمبريالية.
والآن بعد أن وضعنا نظام الدولار إلى جانب الأنظمة النقدية السابقة، دعونا نلقي نظرة أعمق على أصوله ووظائفه، وكانت أمريكا الدولة الغربية الوحيدة التي لم يكن لديها قتال على أرضها خلال الحرب العالمية الثانية، ونتيجة لذلك، كانت في موقع فريد للمساعدة في تعافي أوروبا، وكانت المؤسس الرئيسي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي وفرّ السيولة للأسواق الدولية التي أعيد تنشيطها.
خلال مؤتمر بريتون وودز، دعا جون ماينارد كينز لإنشاء بنك دولي بعملته الخاصة تسمى "بانكور" لخدمة هذا الهدف، "ولكن كان هناك بلد واحد – على الرغم من أنه كان أكبر دائن في العالم - أقل ترحيباً به، حيث ردّ رئيس الوفد الأمريكي في بريتون وودز، هاري ديكستر وايت، على فكرة كينز على هذا النحو: "لقد صرنا على هذه النقطة تماماً".
حيث أدّى هذا التعنت من جانب أمريكا إلى ربط سعر الدولار بالذهب عند 35 دولاراً للأونصة والعمل مع الذهب كعملة احتياطي عالمية، في الوقت الذي سُمح فيه لدول العالم الثالث بالمشاركة في بريتون وودز، إلا أنهم كانوا لا يزالون يهبطون إلى مرتبة ثانية.
خلافاً لخبراتهم في ظل المعيار الذهبي، كانت (البلدان النامية) عرضة لصدمات ميزان المدفوعات بشكل استثنائي للغاية، والتي تقابلها بتخفيض قيمتها بشكل أكثر تواتراً مما كانت عليه الممارسة في العالم الصناعي.
وتوقع روبرت تريفين زوال نظام بريتون وودز، وتؤكد معضلة تريفين وجود تناقض بين الثقة والسيولة الكامنة في عملة احتياطي عالمية، ساهمت هذه المعضلة في "صدمة نيكسون" عام 1971. وكان وراء هذه الخطوة من جانب نيكسون ضغوط جيوسياسية واقتصادية على حد سواء.
بدأ كل هذا الإنفاق العسكري يتجاوز احتياطيات الذهب التي يحتفظ بها بنك الاحتياطي الفيدرالي، ما دفع الدول الأوروبية (ولا سيما فرنسا) إلى محاولة استعادة الذهب، أدى هذا إلى تعويم الدولار الأمريكي وإنهاء قابلية التحويل، وتدمير نظام بريتون وودز، وبما أن الدولار كان لا يزال العملة الاحتياطية، فقد اكتسبت أمريكا "الامتياز الباهظ" في القدرة على طباعة الدولار دون الحاجة إلى دعمها بالذهب.
تسبب تعليق قابلية التحويل في أزمة ثقة بالدولار، من أجل إعادة تنشيط استخدام الدولار الأمريكي، فقد تم ربطه (بمعناها الفضفاض) ببراميل النفط الذي قدمته السعودية في اتفاق سري من شأنه أن يشكّل السياسة الخارجية الأمريكية على مدى السنوات الأربعين إلى الخمس المقبلة.
إن نظام البترودولار هو الوسيلة التي تستطيع بها أمريكا السيطرة على سوق النفط العالمية، من خلال التحكم في تجارة النفط من خلال البترودولار، تستطيع أمريكا أن تهيمن أكثر على السوق العالمية وتسلّحها لتحقيق أهدافها.
في عام 1973، أعلنت عدة دول من أوبك حظراً على تجارة النفط مع أمريكا بسبب دعمها لإسرائيل، كان الإطار الأساسي بسيطاً بشكل لافت للنظر، فسوف تشتري أمريكا النفط من السعودية وتوفر العون والمعدات العسكرية لها، وبالمقابل، فإن السعوديين سيضعون مليارات من عائداتهم من البترودولار مرة أخرى في سندات الخزانة وتمويل الإنفاق الأمريكي.
إن هذه الاتفاقية للسعوديين لتسعير نفطهم حصراً بالدولار الأمريكي أدّت إلى إنشاء البترودولار.
وفي الختام.. قال الموقع: تحتاج جميع الدول إلى النفط من أجل تشغيل اقتصاداتها، لذا من خلال ربط الدولار الأمريكي بنفط الشرق الأوسط، ضمنت أمريكا فعلياً ارتفاع الطلب على الدولار الأمريكي بعد الخسارة في الثقة التي أثارتها صدمة نيكسون.