الوقت- محاولات حثيثة بدأتها السعودية للتغلغل في جسد الأمة العراقية منذ سقوط نظام "صدام حسين" البائد في العام 2003 على اعتبار أن الرياض كانت على قطيعة مع بغداد منذ اجتياح صدام للكويت، ومع ذلك لم تستطع السعودية حتى اللحظة كسب ودّ الشعب العراقي، ربما الأمر يتعلق بالطريقة التي تحاول من خلالها الرياض النفاذ إلى العراق، إن كان سياسياً أم ثقافياً، وبعد أن فشلت في الأولى تحاول الآن استخدام الأسلوب الثاني عبر "الحرب الناعمة" وتحضير الأدوات لبدء هذه الحملة والتي سيكون عمادها قناة "أم بي سي العراق" التي يتم التحضير لإطلاقها في القريب العاجل وسط ردود افعال متباينة في الشارع العراقي بين مخالف وموافق ومراقب.
مجموعة "أم بي سي" أعلنت إطلاق القناة التي سيتم تفعيلها قريباً، وهناك مخاوف من تبعات إصدار مثل هذا القرار وتوجيه هذه القناة التلفزيونية نحو الشعب العراقي بشكل خاص، وذلك لمجموعة الأسباب التالية:
أولاً: مجموعة "أم بي سي" كانت تحت إدارة الشيخ الوليد إبراهيم الذي أسسها منذ ثلاثة عقود، ويرأس مجلس إداراتها منذ ذلك الوقت وقد شاركه ملكية هذه القناة الأمير عبد العزيز بن فهد، وتم اعتقال الاثنين ضمن الحملة التي شنّها محمد بن سلمان أو كما يلقب بالغرب "mbs" لمحاربة الفساد، وهناك معلومات مؤكدة أن ابن سلمان أجبر الشيخ الابراهيم على التنازل عن إدارة القناة، حيث كان الابراهيم من بين من وافقوا على التسوية وإعادة الأموال، وبهذا أصبحت مجموعة "أم بي سي" الإعلامية بحوزة ابن سلمان بالإضافة إلى قناة" العربية" والتي تملك تأثيراً كبيراً في الشارع السعودي.
إذن نفهم مما تقدّم أن الـ"ام بي سي" هي بحوزة ولي العهد السعودي الذي يعي جيداً مدى تأثير هذه المجموعة في العالم العربي، ولذلك قرّر السيطرة عليها وتسليم إدارتها لصديقه المقرّب الأمير "بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان آل سعود"، وكان الأمير بدر "وكيل" ابن سلمان عند شراء أغلى لوحة في العالم "مخلّص العالم" لدافنشي بقيمة 450 مليون دولار.
ابن سلمان يدرك أيضاً أن مجموعة "أم بي سي" يمكن أن تلعب دوراً منافساً لقناة "الجزيرة" القطرية التي لها تأثير لا يمكن نكرانه على العالم العربي، ولكون السعودية فقدت تأثيرها بسبب سياسة ولي العهد غير الحكيمة في العالم العربي ولاسيما في العراق وسوريا، كان لا بدّ من البحث عن قنوات جديدة لاختراق هذه المجتمعات عبر أسلوب "دسّ السم بالعسل"، فبحسب المجموعة الإعلامية فإن قناة "أم بي سي" العراقية "ترفيهية" وموجّهة للعائلة العراقية، وبعد الكم الهائل من الانتقادات التي تعرّضت لها القناة من قبل الشخصيات السياسية والمواطنين العاديين، سارعت قناة "أم بي سي" إلى التوضيح في بيان لها أنها من خلال إطلاق نسختها العراقية تسعى لتقديم منتج إعلامي عراقي من خلال فنانين عراقيين ذوي شهرة واسعة على المستويين المحلي والعربي.
قناة العهد الفضائية عبّرت عن توجسها من إطلاق هذه القناة، فمنذ نهاية الشهر الماضي أخذت قناة العهد تحذّر عبر شريطها الإخباري من أن "آل سعود يفتتحون قناة لغسل عقول الشباب العراقيين المجاهدين".
كما أعربت حركة عصائب أهل الحق عن رفضها القناة الجديدة، وقال القيادي في الحركة "ليث العذاري" إنه لا يمكن الوثوق بمنهجية وسياسة هذه المجموعة بعد أن أثبتت دعمها للإرهاب كماكينة إعلامية له، أما ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق "نوري المالكي"، فقد هاجم القناة المزمع إطلاقها، معتبراً أن "السعودية أسستها للتدخل بالشأن العراقي بشكل سافر"، وعبّر النائب البرلماني عن دولة القانون ياسر المالكي (صهر المالكي) عن استيائه من تأسيس قناة "أم بي سي العراق"، وقال في تغريدة على تويتر إن السعودية "بكل وقاحة تؤسس قناة للتدخل بالشأن العراقي وبشكل سافر وباسم صريح".
ثانياً: السعودية وجدت أن الفرصة مواتية حالياً للبدء بهذه التجربة علّها تأتي بثمار جيدة لها بعد أن خسرت جميع أوراقها تقريباً في العراق، وقد تجد الرياض في هذه التجربة الجديدة معبراً جديداً لمنافسة طهران في العراق، وسحب البساط من تحتها بعد أن تمكّنت إيران من بناء علاقة استراتيجية طيبة مع الجار العراقي وكسب ود الشارع العراقي.
لن تكتفي السعودية بالولوج إلى الشارع العراقي عبر "أم بي سي" فقط، بل سيكون لها أساليب أخرى، حيث ذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة يوم الاثنين أن الرياض تبحث في إطار "حربها الناعمة" في العراق عن بدائل تستطيع من خلالها استرجاع ذلك التأثير، حيث لكلّ من منافسَيها، تركيا وقطر، حضورهما.
وتقول الصحيفة في تقرير نشرته بعددها الصادر اليوم، إن هذه المساعي السعودية تسير على خطين متوازيين: الأول يتمثل في إطلاق محطة "أم بي سي العراق"، أما الثاني فشراء صفحات فاعلة ومؤثرة على شبكات التواصل الاجتماعي.
وتشير الصحيفة بحسب معلومات حصلت عليها إلى أن المعنيين في إدارة "أم بي سي" تواصلوا أخيراً مع عدد من مديري الصفحات الفاعلة، واتفقوا معهم خلال لقاء انعقد في بيروت على قيام القناة بتحمّل تكاليف منتجات تلك الصفحات، مقابل تعهّد مديري الأخيرة بـ"الالتزام الكامل برؤية القناة، والتعهد بمواكبتها في اللحظة السياسية المناسبة".
وتنقل الصحيفة عن مصدر أمني، قوله إن مديري الصفحات المذكورة وافقوا على "العرض السعودي"، محذراً من سيناريو مشابه لـ"فتنة البصرة" قريباً، حين دعت صفحات "مجهولة" إلى "إحراق مقار الأحزاب الإسلامية الصيف الماضي... وهو أمرٌ كاد يدفع البلاد إلى المجهول".
ختاماً.. الشعب العراقي بعد هذه التجربة المريرة التي مرّ بها خلال الـ16 سنة الماضية بسبب الغزو الأمريكي وما تبعه من مجموعات إرهابية مسلّحة وصولاً إلى "داعش" والقضاء عليه فيما بعد، أصبح بإمكان هذا الشعب التمييز بين الدولة التي تريد مصلحة العراق وشعبه من عدمها، ولذلك يمكن المراهنة على الشعب العراقي في معرفة ما إذا كان ابن سلمان يريد اختلاق أزمات جديدة في البلاد أم لا.