الوقت- بينما لا تزال قضية جمال خاشقجي ترخي بظلالها على الشارع العربي ظهر بريق نور جديد فيما يخص الصراع العربي - الإسرائيلي عبر الأردن التي فتحت حدودها مع جارتها "سوريا" قبل عدة أيام لتكمل هذا المشهد بموقف سياسي - شعبي يمكن اعتباره "تاريخياً" نظراً لمدى تأثيره على الداخل الأردني وسياسة البلاد الخارجية.
الأردن قرر عبر الملك عبدالله عدم رغبة بلاده تجديد مُلحقي باقورة والغمر - من معاهدة السلام لعام 1994، بين إسرائيل والأردن- والتي تم تأجيرها إلى إسرائيل، حيث دخلت المنطقتان الباقورة (شمالي الأردن من أراضي الأغوار الشمالية) والغمر (جنوبي المملكة) ضمن اتفاقية وادي عربة 1994، والتي تنص على بقاء إسرائيل فيهما واستغلال أراضيهما لمدة 25 عاماَ على أن يستمر الاتفاق ويجدد تلقائياً في حال لم يبلغ أحد طرفي المعاهدة الآخر برغبته إنهاء العمل بها قبل سنة من تاريخ انتهائها.
وفي تغريده له على تويتر أشار ملك الأردن إلى أن: "الباقورة والغمر على قمة أولوياتنا"، مؤكداً بقوله: "نقرّ بإنهاء الاتفاق بشأن مُلحقي باقورة وغمر من معاهدة السلام انطلاقاً من حرصنا على اتخاذ جميع القرارات التي تخدم الأردن والأردنيين".
تحرك العاهل الأردني على هذا النحو جاء بناءً على تحرك الشارع الأردني نحو استعادة هاتين المنطقتين، والوقوف في وجه التمديد للكيان الإسرائيلي، وفي يوم الجمعة الماضي خرجت تظاهرات حاشدة في عمّان تطالب الأردن باستعادة السيادة على المناطق المعنية حيث طالب البعض الأردن بإلغاء معاهدة السلام برمتها مع إسرائيل، وسبق ذلك ضغوط كبيرة على الملك عبدالله من قبل البرلمان الأردني بعدم تجديد عقود الإيجار وإعادة الأراضي إلى السيادة الأردنية الكاملة، وقد وقّع نحو 87 نائباً على عريضة في هذا الشأن.
في مقابل ذلك جاء التحرك الأردني في أعقاب ضغوط واسعة أيضاً من جانب النقابات على الحكومة الأردنية، وصل إلى المحاكم، حيث وجهت نقابة المحامين إنذاراً يطالب الحكومة بعدم تجديد قرار تأجير المنطقتين لإسرائيل، فيما تنوّع الداعون إلى إنهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر ضمن اتفاقية السلام بدءاً من أعضاء مجلس النواب، وصولاً إلى تنظيم أحزاب سياسية فعاليات وطنية وشعبية.
الملك يشارك الشعب تطلعاته
بالرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأردن استطاع الشعب أن يضغط على الملك وحثّه على رفض تجديد تأجير المنطقتين لـ25 عاماً قادماً، ويمكن أن نقول أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة ساعدت الشعب في الضغط على الملك لكون الأخير لم يستطع أن يمنع قرار نقل السفارة إلى القدس بالرغم من جميع المظاهرات التي قام بها الشعب الأردني تنديداً بهذا القرار، وبالتالي فإن الملك عبدالله مدرك لمدى حساسية هذا الموضوع بالنسبة للأردنيين.
ومن هنا كان قراره الأخير يتماشى مع تطلعات الجماهير الأردنية وبهذا يكون قد خفف من حدة الانتقادات الموجهة له فيما يخص قضية القدس، ويبرز مدى مساندته للشعب ووقوفه إلى جانبهم بعد أن كان حيادياً في التعاطي مع مسائل المنطقة، وبهذا يوصل الملك رسالة لواشنطن وتل أبيب بأنه لا يريد البقاء على الحياد ولن يصمت حيال التطورات الحالية في المنطقة.
هذا القرار من قبل ملك الأردن ليس خبراً ساراً لبنيامين نتنياهو، في خضم الأخبار القادمة من الكيان الإسرائيلي حول إمكانية إجراء انتخابات مبكرة للكنيست، وعلى الرغم من أنه لم يرد بشكل حاد وقال إنه يجري التحقيق بشأن اتخاذ الإجراءات اللازمة، لم يستطع نتنياهو أن يتخذ قراراً صارماً تجاه قرار الأردن أو الرد عليه، وهذا لن يكون في مصلحته في الانتخابات القريبة أو البعيدة.
تل أبيب بحاجة ماسة إلى استمرار التعاون مع المملكة الأردنية الهاشمية، نظراً لموقعها الجيوسياسي في الضفة الغربية، ولا تريد أن ترى أي ضرر جسيم يضرّ بهذه العلاقة والتعاون الذي كان قائماً معها.
في الظاهر قد تبرز "إسرائيل" احترامها لقرار الأردن وتسوق لذلك بالإعلام بأنه قانوني لكن ذلك لا يعني أنها ستتخلى عن "الباقورة والغمرة" بهذه السهولة ومن المؤكد أنها ستحاول بشتى الوسائل لتمديد تأجيرهما وستبحث عن الفرصة المناسبة لتجديد ذلك.
من ناحية أخرى، يمكن لهذا القرار أن يثبت موقف الملك عبد الله في الأردن ويقلل من نطاق الاحتجاجات الشعبية نتيجة للظروف الاقتصادية السيئة.
تعليق الصحف الإسرائيلية
ومن جانبها ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في تقرير لها يوم الأحد، أن العاهل الأردني، الملك عبدالله، أعرب اليوم أنه لن يجدد مُلحقي باقورة والغمر - من معاهدة السلام لعام 1994، بين إسرائيل والأردن - والتي تم تأجيرها إلى إسرائيل.
وفي مقابلة مع كبار المسؤولين الأردنيين في قصر عمّان، قال الملك عبدالله: إن الحكومة الأردنية نقلت رسالة رسمية إلى إسرائيل فيما يتعلق بهذه المسألة، وفي هذا الصدد، تنص ملاحق اتفاقية السلام على ضرورة الإبلاغ عن قرار رفض تمديد الإيجار قبل سنة من انتهاء مدته، وإلا يتم التجديد تلقائياً.
القادم من الأيام سيكشف مدى تفاعل الملك الأردني مع هذه القضية وستكون بمثابة اختبار حقيقي له أمام شعبه.