الوقت- يقوم الكيان الإسرائيلي بأعمالٍ قد تكون جديدة لكنها غير مُستغربة لطرفٍ يتصف بالعنجهية. فالإحتلال الإسرائيلي القائم للأرض الفلسطينية ومنذ زمن، لا يحترم حق الشعب الفلسطيني ويغتصب أرضه، على مسمع ومرأى العالم العربي والإسلامي الى جانب صمت المجتمع الدولي. لكن القضية الجديدة اليوم، والتي تتميَّز بقدسيتها تتعلق بما كشفته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، وأكدته مصادر الصحافة العالمية والعربية، عن مشاريع إستيطانية سياحية لا تستهدف فقط الجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية، بل تستهدف الحضارة الإسلامية العريقة في القدس. وهو الأمر الذي لا يمكن إلا أن يعبر عن حجم المؤامرة التي حيكت وما تزال ضد القضية الفسطينية، ومقدسات المسلمين والمسيحيين في ظل صمت عربيٍ ودولي لا ينقصه أهمية الصمت الإسلامي. فما هي مقبرة مأمن الله الفلسطينية الإسلامية العريقة؟ وماذا كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية؟
مقبرة مأمن الله الإسلامية العريقة في فلسطين:
مقبرة مأمن الله وبحسب تقرير شامل مختصر عنها، أصدرته مؤسسة الأقصى للوقف والتراث، في أيار 2010، هي مقبرة بمعنى: ماء من الله أو بركة من الله، وهي مقبرة إسلامية عريقة تقع في مدينة القدس، وتحديداً غربي البلدة القديمة، وتبعد حوالي كيلومترين اثنين عن باب الخليل. وتعتبر مقبرة مأمن الله من أشهر وأكبر المقابر الإسلامية في فلسطين وتقدر مساحتها بـ 200 دونم.
وتضم المقبرة بحسب المصدر نفسه، رفاة وأضرحة أعلام وصحابة وشهداء وتابعين مسلمين كثيرين، حيث دفنوا فيها منذ الفتح الإسلامي للقدس عام 636 م. ومنذ إحتلال القدس عام 1948 خضعت المقبرة للعديد من المخططات الإسرائيلية لطمس معالمها وتحويلها إلى مشاريعٍ عدة، وقد نُفذ عددٌ منها، فقد حُوّل جزء كبير من المقبرة إلى حديقة عامة، تُقام فيها المهرجانات والإحتفالات اليهودية، وقد شقت الطرق فيها. وفي الآونة الأخيرة بدأ العمل لإقامة العديد من المشاريع، منها إقامة "متحف التسامح" فوق مساحة قدرها 25 دونم حيث تم جرف جزء كبير من المقبرة ونبش قبورها. كما تقوم الحكومة الإسرائيلية بشكلٍ تدريجي بتنفيذ هذه المشاريع التي تشكل جزءاً من مشروع تهويد مدينة القدس وذلك لإخفاء معالمها الإسلامية العريقة.
تقرير حول ما كشفته صحيفة هآرتس:
أوردت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في عددها الصادر أمس الثلاثاء، أنّ الجهات التابعة للإحتلال الإسرائيلي في القدس، تسعى لإقامة مشروع سياحيٍ إستيطاني، على أنقاض القبور الإسلامية في مأمن الله، وتحديداً بمحاذاة المدرسة اليهودية الواقعة فيما يسمى متنزه "الإستقلال". وأشارت الصحيفة بحسب وسائل الإعلام إلى أنّ ما يسمى بـ (بلدية الإحتلال) والتي يرأسها المُتطرّف نير بركات، ماضية في تنفيذ المشروع على الرغم من علمها بوقفية الأرض ووجود قبور فيها. وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية أنّ المشروع الإسرائيلي يشمل بناء 192 وحدة سكنية وفندقاً يحتوي على 480 غرفة ومركز تجاري. وبادرت إلى هذا المخطط شركة "عيدن" التابعة للبلدية والتي تتولى على عاتقها مهمة تطوير وسط المدينة.
وفي نفس السياق، ذكر المركز الإعلامي لشؤون القدس والأقصى "كيوبرس" بحسب ما نقلته صحيفة الرأي اليوم، أنّ لجنة التخطيط والبناء في القدس المحتلة صادقت الأسبوع الماضي على إقامة مشروع تهويدي ضخم جديد على أرضٍ تابعة لمقبرة مأمن الله الإسلامية التاريخية في القدس بمحاذاة مدرسة يهودية مقامة أيضاً على أرض المقبرة. ومن جانبها قالت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث إنّ بلدية الإحتلال في القدس ومن خلال هذا المشروع تستكمل خطواتها لتهويد مقبرة مأمن الله الإسلامية التاريخية، ضاربة عرض الحائط كل الأعراف والقوانين التي تحظِّر إنتهاك المقدسات الواقعة تحت إحتلال طرف معين. وناشدت كافة الهيئات والجهات المعنية والمجتمع الدولي للتدخل من أجل وقع مشاريع القرصنة التي تتعرض لها مقبرة مأمن الله والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك. وأكدت في الوقت نفسه على إسلامية المقبرة بالرغم من محاولات الإحتلال طمس الحضارة والتاريخ العربي والإسلامي في القدس.
وذكر المصدر نفسه، فيما يتعلق بمقبرة مأمن الله، أن بلدية الإحتلال في القدس تستهدفها منذ سنوات، وذلك من خلال مشاريع مختلفة وبالتحديد مشاريع سياحية الطابع، ومنتزهات وفنادق على رفات الأموات فيها دون الإكتراث لمشاعر الأحياء من المسلمين أو قدسية الأموات منهم. وكانت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث ندّدّت بمواصلة المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها التنفيذية بانتهاك حرمة مقبرة مأمن الله الإسلامية التاريخية في مدينة القدس، وطالبت المؤسسة الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني العمل عاجلاً على التصدي لكل الإنتهاكات التي تتعرض لها هذه المقبرة التي دفن فيها عدد من الصحابة والتابعين والعلماء، على مدار نحو 1400 عام، وهي الأكبر والأعرق في فلسطين.
وجاء طلب ونداء "مؤسسة الأقصى" بناء على أخبار وزيارة ميدانية للمقبرة من قبل طاقم المؤسسة، والتي تشير إلى أن الإحتلال بات قاب قوسين أو أدنى من افتتاح مقهى ومخمرة على جزء من أرض المقبرة التاريخية، كان قد صادرها وحوّلها إلى حديقة عامة. وأظهرت الزيارة أن المبنى قد اكتمل بناؤه، وأنه جهز بكل المعدات لإفتتاحه قريباً. وأفاد المركز الإعلامي لشؤون القدس والأقصى "كيوبرس" أنه بحسب مصادر صحفية إسرائيلية فإنّ المقهى افتتح خلال هذا الشهر، وأضاف "كيوبرس" أن مساحة المقهى البنائية وصلت إلى نحو 250 متر مربع، ومقام على قطعة أرض مساحتها 450 متر مربع، وأنه مجهز لاستيعاب حفلات عامة، ويحتوي على ما يُعرف بـ البار، ويتسع لـ 110 كراسي، وحوله فناء واسع، وأن المقهى سيشغل عن طريق شبكة المقاهي "لندفار" المشهورة إسرائيلياً.
تقوم القوات الإسرائيلية والجهات الرسمية التابعة لها، بإفتعال جرائم بحق فلسطين، والحضارة الإسلامية، تحتاج لوقفةٍ مسؤولة من جميع المسلمين والمسيحيين، لما يمثله ذلك من إنتهاكٍ واضحٍ لحرمة المقدسات وشرعة الإديان. وهو الأمر الذي يجري في ظل صمتٍ رهيب للمجتمع الدولي والدول العربية، مما يجعلها شريكة في المسؤولية. وهو الأمر الذي يؤكد مرةً أخرى مشروعية المقاومة الفلسطينية، وأن جرائم الإحتلال الإسرائيلي لا يمكن ان تتوقف إلا بإزالة إسرائيل من الوجود.
