الوقت- دأبت العديد من بلدان المنطقة على إختيار حلفائها الاستراتيجيين من بين الدول الكبرى التي تتمتع بتفوق عسكري واقتصادي وسياسي لاعتقادها بأن هذه الدول يمكن أن تنفعها خصوصاً في أوقات الازمات.
ومن أبرز البلدان التي اعتمدت بشكل ملحوظ على الدول الكبرى في رسم علاقاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية هي السعودية التي تعد الحليف الأبرز لأمريكا في المنطقة منذ عشرات السنين.
وبعد الثورات الشعبية التي شهدها العالم العربي في السنوات الاخيرة ورغم علاقاتها التي لا تزال قوية مع واشنطن اتجهت الرياض لبناء علاقات استراتيجية مع دول أخرى في مقدمتها روسيا والصين وفرنسا. ومن الاسباب التي دعت السعودية للتحالف مع هذه الدول هو شعورها بالضعف في مختلف الجوانب العسكرية والأمنية والاقتصادية، اضافة إلى شعورها بأن تحالفها مع أمريكا لم يعد كافياً لمواجهة ما تمر به من أزمات وفي مقدمتها تورطها في العدوان على اليمن وخشيتها من تداعيات إبرام الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة ( 5+1)، اضافة إلى تخوفها من تمدد الجماعات الارهابية إلى أراضيها، رغم أن السعودية تعد من أبرز الداعمين لهذه الجماعات منذ ظهورها وحتى الآن.
وخلال السنوات الأخيرة عززت السعودية علاقاتها مع فرنسا في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والتجارية. ومن بين الصفقات التي عقدتها معها شراء اسلحة بمليارات الدولارات شملت طائرات مقاتلة وسفناً حربية وطائرات هليكوبتر وأقماراً صناعية اضافة إلى طائرات مدنية من طراز (إيرباص).
وخلال الزيارة التي قام بها مؤخراً وزير الدفاع وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى باريس ابرمت الرياض صفقة مع فرنسا لبناء مفاعلين نوويين في السعودية بقيمة 10 مليارات دولار.
وقبل فترة صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبیر بأن فرنسا تعتبر من حلفاء السعودية الاستراتيجيين ومن شركائها التجاريين والعسكريين البارزين والتي يمكن الاعتماد عليها في أوقات الازمات، حسب تعبيره.
واشار الوزير السعودي إلى أن الرياض وباريس لديهما وجهات نظر مشتركة بشأن تطورات المنطقة لاسيما ما يتعلق بالعراق وسوريا واليمن وقضايا الإرهاب والبرنامج النووي الايراني. ومن المعلوم أن السعودية لم تخفِ سخطها بعد اتفاق الاطار الذي وقّع في لوزان بين طهران والسداسية الدولية حول برنامج إيران النووي في آذار الماضي.
وفي وقت سابق أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن بلاده تبحث مع السعودية 20 مشروعاً اقتصادياً ضخماً بقيمة تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، مشيراً إلى أن بعض هذه المشاريع قد تتم الموافقة عليه سريعاً.
وقال المسؤول الفرنسي إن هذه المشاريع تتعلق بالاستثمارات المتبادلة وقطاع الأسلحة، وكذلك في مجال الطاقة وخاصة في مجال الطاقة الشمسية، مع إمكانية أن تشمل الطاقة النووية . وتجدر الاشارة إلى أن السعودية تتصدر قائمة الشركاء التجاريين لفرنسا في المنطقة وهي تمثل سوقا مربحة لمنتوجاتها في معظم القطاعات.
بالإضافة إلى كل ما سبق، فإن كلا البلدين قد مرّا بما يمكن أن نسميه تجربة "تعايش النفوذ" في لبنان، ولا تشير المعطيات القائمة حالياً إلى وجود ما يمنع من تكرار هذه التجربة في بلدان أخرى من المنطقة. ويدعم ذلك اصطفافهما معاً بشأن الكثير من التطورات التي يشهدها الشرق الاوسط في الوقت الحاضر.
وبشكل عام يمكن القول إن توجه الرياض لتقوية علاقاتها مع باريس يهدف في الواقع إلى ملء الفراغ المحتمل الذي يمكن أن يتركه تخلي واشنطن عن السعودية في أي لحظة، وهذا مرتبط في الحقيقة بعدة أمور من بينها طريقة تعامل أمريكا مع الازمات في المنطقة وفي مقدمتها العدوان السعودي المتواصل منذ أكثر من مئة يوم على اليمن وموقفها من الجماعات الارهابية التي تخشى السعودية من تمددها إلى اراضيها اضافة إلى موقفها مما يحصل في العراق وسوريا ولبنان وما يتعلق بالملف النووي الإيراني.
في الختام لابد من القول إن ما ورد ذكره آنفاً يؤكد التقاء المصالح والحسابات الاستراتيجية الفرنسية-السعودية في الوقت الحاضر لتوفر جو إقليمي ودولي عام ملائم لتأسيس مثل هذا التحالف حسبما يعتقد المراقبون. ولكن يبقى السؤال: هل ستربح باريس رهانها مع الرياض أم ستعيد واشنطن خلط الأوراق من جديد كما عودتنا في السابق ولمرات كثيرة ؟