الوقت- أبكيتينا سبعين عاماً وأنرتِ لنا طريق المقاومة والتحرير، واليوم يحاصرونكِ لكي يجففوا الدم في عروقنا ويثبطوا هممنا عن متابعة الطريق؛ هذا الطريق الذي سلكه أبناؤك في غزة مقدّمين أرواحهم فداءً لكِ ليسقط العشرات منهم بين قتيل وجريح مقابل أن تبقى راية فلسطين مرفوعة أبد الدهر.
فعلتها واشنطن ونقلت سفارتها إلى القدس موجّهةً طعنةً في الصميم للأمة الإسلامية جمعاء، فاتحةً جرحاً جديداً ونكبة جديدة في ذكرى النكبة السبعين، في مقابل ذلك لم يبخل أبناء غزة في تقديم أرواحهم فداءً لعاصمتهم ومنارتهم التي لن يطفئ شعاع النور فيها، ولم يبخل الصهاينة أيضاً في توجيه الرصاص الحي نحو أبناء غزة ليستشهد منهم أكثر من 52 فلسطينياً بينهم ستة أطفال بالرصاص الحي، ويجرح منهم 2410 جروحهم متفاوتة الخطورة.
وبينما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يؤكد وقوف بلاده الأبدي إلى جانب "إسرائيل" ودعمها في تصفية الفلسطينيين، بقي الجميع يراقب سقوط الشهداء في الطرف الآخر، لترسم نكبة جديدة على جبين الأمة، ومن سوء حظنا أن النكبة بقيت نكبة لكن ما تسميه "إسرائيل" بـ"عيد الاستقلال" والذي بني على قتل وتهجير ملايين الفلسطينيين أضاف رونقاً جديداً لبهجتهم بالإجرام وأكد من جديد أن الحق لا يمكن المساومة عليه، وما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالطريقة نفسها.
لماذا يعتبر نقل السفارة نكبة جديدة؟!
في النظام السياسي العالمي تعدّ سفارة أي دولة جزء من أرض الدولة التي تقام عليها هذه السفارة، وهذا يعني أن البلد الذي يستضيف سفارات بلدان أخرى يسمح للبلدان الأخرى بوضع ممثل لبلدها في مركز سيادة البلد المضيف، هذا المركز الحكومي "السفارة" من جهة يكون لتسهيل العلاقات بين البلد المضيف والدول الأخرى، ومن جهة أخرى، لاستضافة شؤون مواطني الدولة الضيف في البلد المضيف.
ينصّ النظام الدولي على أن سفارة أي بلد يجب أن تكون في العاصمة المضيفة، ويمكن للبلد الضيف أن يبني قنصليات لبلده في المدن الأخرى للبلد المضيف عندما تكون هناك ضرورة لذلك، أما السفارة فيجب أن تكون في عاصمة الدولة المضيفة حصراً، حيث يتم فيها ومن خلالها إنجاز جميع العلاقات السياسية على أعلى مستوى.
ومما تقدم يمكننا القول بأن نقل السفارة إلى القدس هي اعتراف علني بالقدس عاصمة لـ"اسرائيل".
القدس من الناحية القانونية الدولية
ينصّ القانون الدولي وبناءً على القرار 242 عام 1967 الصادر عن الأمم المتحدة، فإن القدس هي العاصمة الرسمية لفلسطين، وجاء في القرار أن القدس الشرقية هي عاصمة الفلسطينيين ولكن القرار لم يأتِ على أي بند يقول بأن القدس الغربية هي عاصمة "إسرائيل"، وأيضاً وفي كل قرارات الأمم المتحدة التي تحمل أرقام 252(1968)، و267 (1969)، و298 (1971)، و338 (1973)، و446 (1979)، و465 (1980)، و476 (1980)، و478 (1980)، و2334 (2016) أكدت على أن القدس الشرقية هي عاصمة فلسطين.
ترامب لا يعير أهمية للقوانين الدولية
من يحاسب ترامب؟!، والرجل لا يتوانى لحظة عن خرق القوانين الدولية الآنفة الذكر دون أن يهتز له شعرة شقراء واحدة، علماً أنه لم يستطع أيٌّ من الرؤساء السابقين أن يلتف على القوانين السابقة الذكر ويتجرأ بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل".
ولم يتوقف خرق ترامب للقانون الدولي عند هذا الحدّ، ففي الفترة التي اتخذ فيها ترامب القرار بنقل السفارة "6 نوفمبر 2017" سارعت مصر لرفض القرار في بيانيين منفصلين من وزارة الخارجية والرئاسة المصرية، ودعت مصر مجلس الأمن لجلسة طارئة فى 8 ديسمبر لمناقشة ما أفضى إليه القرار من نسف لعملية السلام في الشرق الأوسط، وأكد مندوب مصر بالأمم المتحدة عمرو أبو العطا في كلمته حينها أمام المجلس على استنكار القاهرة بالاعتراف الأمريكي، واتخاذ هذه القرارات الأحادية المخالفة للشرعية الدولية، مشدداً على أن الدولة المصرية ستظل على عهدها للتوصل لسلام شامل وعادل بالمنطقة.
وتقدمت حينها مصر بقرار لإبطال قرار ترامب، وعلى الرغم من موافقة 14 بلداً من أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر على هذا القرار، فقد استخدمت أمريكا حق النقض "الفيتو" ضد هذا القرار ولم تسمح بتمريره.
بعد هذا الإجراء، بدأت الدول الإسلامية في صياغة مشروع قرار ضد قرار ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تمت الموافقة عليه في 21 ديسمبر 2017، بموافقة 128 عضواً دائماً في الأمم المتحدة، تحت عنوان "A / ES-10 / L.22".
من خلال ما تقدم يمكننا أن نقول بأن ترامب الذي وقف أمام حائط المبكى في صيف 2017 وقام بإمضاء قانون نقل السفارة إلى القدس، يؤكد للمرة الألف بأنه يقف إلى جانب الصهاينة في السراء والضراء ولا يعير أي أهمية للفلسطينيين وحقوقهم المشروعة.
انتقال السفارة هو نكبة جديدة للفلسطينيين في ذكرى النكبة لأنه مع ابتلاع القدس ستكون القضية الفلسطينية في مهبّ الريح، لأن القدس تعني فلسطين وهم يريدون إنهاء القضية الفلسطينية من خلال ابتلاع القدس، للتمهيد إلى "صفقة القرن" الذي يخطط لها ترامب ليل نهار لتصفية القضية وتقديم نصر مجاني للصهاينة بتعاون إقليمي خليجي غير مسبوق.