الوقت- أحد التحديات التي تواجه المجتمع الدولي في الألفية الثالثة هو ارتفاع الإنفاق العسكري مع ارتفاع الفقر العالمي. وتمثل ظاهرة الزيادة في الإنفاق العسكري موجة من الخوف والذعر بسبب آثارها غير المباشرة على المجتمعات في العالم، مثل إهمال الدول للتنمية الاقتصادية والازدهار، وتركيزها على الصدامات العسكرية التي تظهر انعدام الأمن في العالم.
رفعت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب في ابريل 1990 شعار " تعزيز الديمقراطية الليبرالية"، والذي استفاد من نظرة "فرانسيس فوكوياما"، على حساب كل الأنظمة الأخرى، وجاء هذا الشعار بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989 وتفكك الشيوعية في المعسكر الشرقي وتراجع فرص الأحزاب الشيوعية والاشتراكية عبر أوروبا ما شكل نقطة تحول في عصر الايديولوجيات. إلا أن مرارة الحربين العالميتين الأولى والثانية وموت الملايين والضغوط النفسية والمخاوف من نشوب حرب نووية خلال الحرب الباردة لم تُمحَ تماماً من العقل الباطن للمجتمع الدولي، إلى أن أتى بعدها شعار " الحرب على الإرهاب " ليضع البشرية مجدداً أمام تحديات ومخاطر الأزمات السابقة.
ومثل كل مرة، ومن أجل إدارة النظام العالمي الجديد في كل نواحيه يخرج اصطلاح أمريكي جديد من أجل تحقيق ذلك، ففي حرب الخليج الأولى والثانية والتي بدأها الأمريكيون أظهرت أمريكا على أنها لا تريد إنهاء الصراعات في العالم، بل إنها تحاول تصعيد الصراعات في الشرق الأوسط، وشرق آسيا، وإفريقيا والمنطقة الخليجية. هذا النهج كان متبعاً دائماً من الإدارات الأمريكية السابقة إلا أنه كان مخفياً عن الرأي العام، ولكن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، وبعد وصوله إلى البيت الأبيض أظهر الوجه الحقيقي لأمريكا في نشر العنف والكراهية في العالم.
ترامب والنمو العسكري
قبل وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، انخفضت الميزانية العسكرية الأمريكية في فترة خمس سنوات (596 مليار دولار في عام 2014)، لكن في عهد ترامب ارتفعت الميزانية العسكرية الأمريكية إلى 716 مليار دولار. وهو ارتفاع بحدود 17% عن الميزانيات السابقة وتعكس هذه الزيادة السياسات العدوانية الأمريكية خلال فترة حكم ترامب. هذه الزيادة في التمويل ستزيد بالتأكيد من الميزانيات العسكرية للقوى الأخرى، واستناداً إلى نظرية "توازن التهديد" التي يرى منظرها "ستيفان والت"، أن محاولة إحدى القوى لزيادة أمانها ستقلل من أمن الأطراف الفاعلة الأخرى، ما يدفعها إلى محاولة الحفاظ على التوازن الدفاعي المضاد عبر زيادة اتفاقاتها على الأمور العسكرية.
ولذلك، فإن النهج الهجومي الذي يتبعه ترامب، سواء في تصرفاته الشفهية أم في زيادة الميزانية العسكرية الأمريكية بنسبة 17٪، جعل الصين وقوى أخرى تزيد من ميزانيتها العسكرية، من أجل الحفاظ على التوازن في مستوى القوى بين الأطراف الدولية الفاعلة.
الصين
وتعدّ الصين ثاني أكبر دولة من حيث الميزانية العسكرية في عام 2015. وفي عام 2017 زادت أيضاً من ميزانيتها العسكري بنسبة 7٪، حيث بلغت 151 مليار دولار و43 مليون دولار في عام 2017، وأتت هذه الزيادة في الميزانية العسكرية بعد إعلان الكونغريس الأمريكي عن زيادة الميزانية العسكرية للقوات المسلحة الأمريكية.
السعودية
تأتي السعودية في المرتبة الثالثة لأكبر ميزانية عسكرية في عام 2015. وفي عام 2017، زادت ميزانيتها العسكرية بنسبة 6.7 في المئة حيث بلغت 50 مليار دولار و800 مليون دولار.
روسيا
أما روسيا فتحتل المرتبة الرابعة لأكبر ميزانية عسكرية في عام 2015. فعلى الرغم من استمرار انخفاض أسعار النفط في 2018 والعقوبات الاقتصادية الغربية والإنفاق العسكري في الحرب السورية إلا أنها لم تظهر رغبتها في خفض ميزانيتها العسكرية حيث بلغت 46 مليار دولار.
أوروبا
وفي عام 2015 بلغت الميزانية العسكرية للدول الأوروبية 328 مليار دولار. ووفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فقد بلغت الميزانية العسكرية الأوروبية لعام 2017 حوالي 602 مليار و800 مليون دولار بزيادة 48 بالمئة عن الميزانيات السابقة وتعود هذه الزيادة الكبيرة إلى الضغوط التي يمارسها ترامب على الدول الأوروبية من أجل دفع رواتب الجنود الذين يعملون في مناطق الحروب.
الفقر في العالم
ووفقاً للبنك الدولي، فإن الأشخاص الذين يكسبون أقل من 1.90 دولار في اليوم هم من الفقراء. وتظهر أرقام الأمم المتحدة أن أكثر من 800 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع.
ووفقاً لأحدث التقارير عن صندوق النقد الدولي، لا تزال الدول الإفريقية هي الأولى في العالم من حيث مستويات الفقر. بعض هذه البلدان، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى، يبلغ نصيب الفرد الواحد من الناتج المحلي فيها 656 دولاراً. كما أن السنغال، والتي هي في وضع أفضل من الدول الأخرى، يبلغ نصيب الفرد الواحد فيها من الناتج المحلي 2578 دولاراً، إلا أنها تعد واحدة من ضمن ثلاثين دولة في العالم تعيش تحت خط الفقر. كما تعتبر البلدان التي مزقتها الحروب مثل الكونغو واليمن وأفغانستان من بين أفقر الدول في العالم. ووفقاً لأحدث التقارير لمنظمة أوكسفام، فإن 3.6 مليارات شخص في العالم يعيشون تحت خط الفقر، كما أن دخل كل 62 شخصية غنية يساوي دخل 3.6 ملايين شخص فقير في العالم. ويقول البنك الدولي إن حوالي نصف فقراء سكان العالم يعيشون في بلدان تعرف باسم "إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى".
العلاقة بين الفقر والنفقات العسكرية
هناك علاقة كبيرة بين الإنفاق العسكري لبلدان العالم والفقر العالمي، ويمكن القول إنه كلما زاد الإنفاق العسكري في العالم، ازداد الفقر العالمي مقابله. ووفقاً لتقرير ستوكهولم الدولي للسلام، وصل الإنفاق العسكري العالمي إلى أكثر من 1.7 تريليون دولار، وذكر المعهد أن 10 في المئة فقط من هذا الرقم يمكن أن يقضي على الفقر في العالم. ووفقاً للمعهد، فإن الإنفاق العسكري يزيد على 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وتواصل أمريكا باستمرار بث الخلافات بين الهند والصين، والصين وروسيا، والصين واليابان، وكذلك الهند وباكستان للحفاظ على هيمنتها في شرق آسيا، ما دفع هذه البلدان إلى إنفاق جزء كبير من ميزانياتها على الإنفاق العسكري ما يؤدي بشكل مباشر إلى تباطؤ دوران العجلة الاقتصادية في هذه البلدان كما أن أمريكا ستحقق ربحاً كبيراً من بيع الأسلحة لها.
في الخاتمة تركز أمريكا على ثروة شركاتها التجارية، دون النظر إلى المشكلات الرئيسية التي تواجه العالم، مثل الفقر والمشكلات البيئية. وأصبح من المؤكد أن أمريكا تسعى جاهدة للحفاظ على بعدها الاقتصادي مع هذه البلدان من أجل الحفاظ على هيمنتها المتراجعة في مختلف جوانب الاقتصاد. ولقد أمل البنك الدولي والعديد من المعاهد الدولية، في السنوات الماضية، أن يتم القضاء على الفقر في العالم، وفي هذا السياق قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون أنه سيتم القضاء على الفقر في العالم بحلول عام 2030 لكن السياسات الأمريكية المتعاقبة دمرت الكثير من الآمال والجهود التي تبذلها المنظمات والمؤسسات الدولية وجزء كبير من العالم لمحاربة الفقر والمشكلات البيئة في العالم.