الوقت- اكتسب الملف النووي الإيراني أهمية كبيرة منذ عدة سنوات، نظراً لتطور طهران في هذا المجال إلى مستويات متقدمة تمكنها من استغلال الطاقة النووية لأغراض سلمية، وشهد هذا الملف تقدماً لا بأس به خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لكن مع وصول دونالد ترامب إلى رأس السلطة في الولايات المتحدة العام الماضي، تعقدت الأمور من جديد وأخذت منحىً استفزازياً للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
هذا المشهد لم تكن "إسرائيل" بعيدة عنه بل كانت تراقب ما يجري لحظة بلحظة عبر مؤسساتها البحثية ووسائلها الإعلامية وأجهزتها الأمنية لتقويض هذا المشروع ومنعه من التقدم والقضاء عليه بجميع الوسائل المتاحة نظراً لخطورته عليها من وجهة نظرها، فالكيان الإسرائيلي لا يريد أحداً سواه يمتلك هذه التقنية لكي يضمن التفوق العسكري والتكنولوجي في المنطقة ويبعد خطر كل من يهدد وجوده.
ولكي يتحقق ما تصبو له "إسرائيل" تم طرح العديد من الخطط لمواجهة الملف النووي الإيراني، أبرزها ما تحدّث عنه تامير باردو، وهو الساعد الأيمن لرئيس "الموساد" مئير داغان في عام 2003، حيث نقلت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية حواراً معه، يوم الثلاثاء الماضي، يعتقد الرجل أن لدى إسرائيل ثلاثة خيارات؛ أولها غزو إيران عسكرياً، والثاني إحداث تغيير في النظام في إيران، أما الثالث فهو إقناع القيادة السياسية الحالية بأن الثمن اللازم لمواصلة المشروع النووي أكبر من المكاسب الناتجة عن وقفه. وبما أنّ الخيارين الأول والثاني غير واقعيين، فلم يبق سوى الخيار الثالث وهو اتخاذ إجراءات علنية وسرّية من شأنها الضغط بشدّة على قادة إيران، حتى يقرروا التخلي عن البرنامج النووي.
وبحسب المجلة، كان داغان موافقاً على خطة باردو وطورها إلى مقاربة جريئة خماسية الأضلاع:
الضغط الدبلوماسي الدولي الثقيل، والعقوبات الاقتصادية، ودعم الأقليات الإيرانية وجماعات المعارضة لمساعدتها على الإطاحة بالنظام، وتعطيل شحنات المعدات والمواد الخام النووية، وأخيراً العمليات السرية، بما في ذلك تخريب المنشآت وعمليات الاغتيال المستهدفة للشخصيات الرئيسية في البرنامج النووي.
ولإنجاح الخطة تم إضفاء الطابع الرسمي على التعاون الرباعي بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ومكتب الأمن القومي الأمريكي و"الموساد" وجهاز المخابرات العسكرية العامة الإسرائيلية "أمان" من خلال اتفاق تعاون بين قادة البلدين في ذلك الوقت، الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يهدف لتبادل المعلومات الاستخباراتية.
كما أطلقت وكالات الاستخبارات الأمريكية ووزارة الخزانة، إلى جانب وحدة "سبير" التابعة للموساد والمتخصصة في الحرب الاقتصادية، حملة شاملة من التدابير الاقتصادية لإضعاف المشروع النووي الإيراني. كما شرعت الدولتان في محاولة لتحديد المشتريات الإيرانية من المعدات اللازمة للمشروع، ولا سيما المواد التي لا تستطيع إيران تصنيعها، بهدف وقف الشحنات ومنعها من الوصول إلى وجهتها. استمر هذا الأمر لسنوات خلال فترة إدارة بوش إلى عهد باراك أوباما، بحسب "بوليتيكو".
وتناولت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، تفاصيل مقاربة إسرائيلية استهدفت إيران وبرنامجها النووي، أبرزها سياسة اغتيال العلماء، ولفتت المجلة إلى أن النقاشات حول الاتفاق النووي الإيراني طغت على نقاشات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خلال لقائهما الأخير في واشنطن، حيث اتفق الطرفان على خطورة المشروع النووي الإيراني على أمن إسرائيل.
ولكن هل تمكنت "إسرائيل" وداعموها من منع إيران من التقدم في المجال النووي أو وقف هذا النشاط؟!
كما ذكرنا تحاول واشنطن وتل أبيب الدفع نحو منع هذا البرنامج من إحراز أي تقدم مهما كلف الثمن، لكن هناك عجز واضح في التأثير على طهران لعدة اعتبارات:
أولاً: إيران تعتبر لاعباً لا يستهان به حسب اعتراف الإسرائيليين والأمريكيين ويعتبرونها عنيدة جداً، لكونها وبحسب ادعائهم قامت بتدشين العديد من المنشآت النووية المحصنة جداً أسفل الأرض وفي مناطق متباعدة وبشكل مضلل، ما يجعل من المستحيل على سلاح الجو الإسرائيلي ضرب جميع هذه المنشآت النووية، وهذا الكلام نشرته أيضاً شعبة الاستخبارات الإسرائيلية "أمان".
ثانياً: من الصعب جداً على أجهزة الاستخبارات العسكرية أن تحصل على معلومات دقيقة عن النشاطات النووية الإيرانية وإلى أي درجة تقدّمت، لكون إيران تملك خبرات كبيرة في إحباط عمليات التجسس وقد أحبطت العديد منها خلال السنوات الماضية.
ثالثاً: الحل الوحيد بالنسبة للدول التي تحارب إيران هو مواجهتها اقتصادياً وسياسياً، عبر ممارسة الضغوط عليها في الداخل والخارج، ودعم كل من يقف في وجهها مهما كان انتماؤه، فالصهاينة لا يقبلون بأن يتحداهم أحد في التكنولوجيا والمعلومات والعسكر وبما أن إيران أحرزت ما تخاف منه "إسرائيل" كان لا بدّ من مواجهتها، وفي هذا السياق ترى إسرائيل أنه يتوجب الاعتماد على واشنطن في تجنيد الضغط اللازم على الدول التي تمدّ إيران بالأجهزة والمعدات اللازمة لمنشآتها النووية.
بالرغم من كل فعلته واشنطن وتل أبيب للوقوف في وجه طهران، لم تتمكنا ولا بأي شكل من الأشكال من إضعاف إيران أو حتى ثنيها عن مبادئها التي تعمل عليها منذ انتصار الثورة، فنحن نتحدث عن بلد متماسك يمتلك شعوراً قومياً وحسّاً وطنياً عالياً يصعب اختراقه وقد شاهدنا ذلك في المحاولات الأخيرة لدعم الاحتجاجات في إيران والتي انتهت خلال أسبوع واحد خلافاً لما كان يخطط له الصهاينة والأمريكيون.