الوقت-يعتبر الحسد من المعتقدات القديمة التي يؤمن بها الإنسان هذا ما تواترته الحضارات القديمة على مختلف دياناتهم ومعتقداتهم حتى يومنا هذا، واقترن هذا المعتقد ببعض الممارسات والتعبيرات التي ظهرت مع الحضارات القديمة، حتى إن كثيراً منها لا يزال يستخدمه حتى اليوم.
تعريف مصطلح الحسد...
الحسد بحسب تعريفه هو حالة نفسية يتمنى صاحبها سلب الكمال والنعمة التي يتصورهما عند الآخرين. سواء أكان يمتلك مثلها أم لا، وسواء أرادها لنفسه أم لم يردها.
وبحسب اعتقاد الآخرين تعتبر نعمة لأن الإنسان كثيراً ما يقع في الوهم ويظن النقمة نعمة والنقصان كمالاً. وكثيراً ما يتمنى أمراً يظنّه نعمة وهو نقمة ويطلب أمراً يظنه كمالاً وهو نقص، إذاً فالذي يرى في الآخرين نعمة، حقيقة كانت أم وهماً، ويتمنى زوالها، يعدّ حسداً.
وفي سياق متصل تجدر الإشارة إلى أن الإيمان بالحسد يعود للعصر الحجري القديم ، حين تم العثور على رسوم عمرها 10 آلاف سنة على جدران الكهوف بإسبانيا، تشير إلى قتل العين المؤذية. ولكن رغم اختلاف العادات المرتبطة بالعين المؤذية، فإن تنوع ثقافات الشعوب اتفقت على وجودها. فظهرت لدى العديد من الشعوب وكل قام بتشخيصها حسب معتقداته.
الحسد باعتقاد الفراعنة...
أعطت الحضارة المصرية حيّزاً مهماً للحسد، ففي أسطورة إيزيس وأوزوريس، لم يستعد حورس حكمه على مصر إلا من خلال عين سحرية زرقاء "عين حورس"، تمكّن بفضل قوتها من هزيمة عمّه "ست"، وإنقاذ بلاده.
كانت "عين حورس"، رمزاً يخدم الشعائر والمعتقدات المصرية القديمة في الحياة والبعث على حد سواء، لأن قدماء المصريين آمنوا بأنها تحمي من يرتدي قلادتها من الأرواح الشريرة ومن المرض، كما كانت القلادة توضع على صدر مومياء فرعون في القبر لتحميه من أعدائه.
السومريون...
وفي ذات السياق يمكننا القول بأن العراق بدوره كان في طليعة الحضارات المؤمنة بوجود "الحسد"، إذ اكتشفت كتابات للسومريين في ألواح من الطين عن العين الشريرة، تعود لحوالي 3000 عام قبل الميلاد، إضافة لصلوات تدحض لعنتها، وما زال البعض يؤدونها حتى اليوم في منطقة البحر المتوسط.
وفي عام 2012، اكتشف علماء آثار كرواتيون خاتماً عمره نحو 1800 عام، عليه "عين" منقوشة للحماية من الحسد ومن الحظ السيىء.
يبرز في الثقافة السومرية استخدام مصطلح "عين الموت" لإيضاح مدى تأثير الحسد على ضحيته، وأسوة بقصة حورس، ظهرت "عين الموت" مرتين في قصة الآلهة إنانا، آلهة الحب عند السومريين، خلال رحلتها للعالم السفلي، الأولى عندما سقطت ضحية العين الشريرة لآلهة "أنونا"، والمرة الثانية عندما قضت على زوجها "دوموزي" بعينها القاتلة.
ويشير المؤرخ زاكارياس كوتزيه في دراسته " العين الشريرة عند آلهة السومريين"، المنشورة في 2017، إلى أن "السومريين ألفوا قصصاً أسطورية عن آلهة يموتون بسبب "العين الشريرة"، كما فسروا الظواهر الطبيعية كالزلازل والعواصف والفيضانات كنتيجة للتعرض لهذه العين"، مضيفاً: "العين الشريرة كانت في الحقيقة معتقداً أساسياً في الثقافة السومرية، وهو ما ظهر في آدابهم".
الحسود لا يؤمن بالحكمة الإلهية...
ومن بين المعارف التي يعتقد بها الحكماء والمتكلمون وعامة الناس الذين يتبعون الشرائع هو أن ما كتبه الحكيم المطلق جلّت قدرته، من الوجود والكمال وبسط النعمة وتقسيم الآجال والأرزاق جاء على خير تقدير وأجمل نظام. وهو يناسب تماماً المصالح التامة ويعطي نظاماً مثالياً كاملاً. وكلُّ فرد منهم يعبّر عن هذه الحقيقة بتعبيراته الخاصة.
فالعارف يقول: ظل الجميل جميلاً على الإطلاق.
والفيلسوف يقول: إن هذا الوجود خال من النقص والشرور، وما نتصور نحن أنه شرّ هو في الحقيقة طريق يوصل الكائنات إلى الكمالات المناسبة لها.
والمتكلم وأهل الشرائع يقولون: أفعال الحكيم لا تكون إلا حكيمة وصالحة، والعقول المحدودة هي العاجزة والقاصرة عن إدراك المصلحة والحكمة.
وكل واحد منهم يستدل بالأدلة والبراهين التي تتناسب مع مدى سعة عقله وعلمه.
ولكن بما أن الأمر لم يتعدَ الأقوال والعقول إلى القلوب، فإن ألسنة الاعتراض على الله تعالى تبقى مطلقة وهذا القلب الذي لم يخالطه الإيمان بعد سيفنّد البرهان ويكذّب اللسان. وعلى هذا الأساس تكون المفاسد الأخلاقية.
خلاصة، لا يمكننا إنكار "الحسد" الذي ذكر في القرآن الكريم ومن الأجدر على الإنسان الذي يملك ثقافة واعية تجنبه هذه الآفة الكبيرة التي ستؤثر سلباً على بنية الإنسان وتؤدي إلى زوال النعمة. فالشكر نعمة من نعم الخالق ستعلو بالنفس الإنسانية إلى مراتب تجنبها السقوط إلى الحضيض.