الوقت - تعتبر السعودية من الدول المعرّضة لاحتمال الانهيار الاقتصادي بدرجة كبيرة بسبب اعتمادها بشكل أساسي على النفط في تأمين دخلها من العملة الصعبة.
وخلال الأعوام القليلة الماضية اضطرت الرياض لاتخاذ إجراءات متعددة لمواجهة خطر الانهيار الاقتصادي من بينها فتح قنوات جديدة للاستثمار الأجنبي.
وبعد تراجع أسعار النفط بصورة حادّة في الأسواق العالمية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وما نجم عن ذلك من عجز كبير في الميزانية المالية السعودية والذي تجاوز الـ 100 مليار دولار في عام 2017، اهتمت الرياض باستقطاب الاستثمارات الأجنبية بشكل ملحوظ مقارنة مع السنوات السابقة.
ولكن بسبب تورط الرياض في العدوان على اليمن منذ آذار/مارس 2015 وحتى الآن والنفقات الباهظة لهذه الحرب، والدعم الكبير الذي قدمته السعودية للجماعات الإرهابية والتكفيرية تراجعت قدرة هذا البلد على تنفيذ مشاريع استثمارية مع شركات أجنبية نتيجة عجزها المتسارع عن توفير العملة الصعبة اللازمة لإجراء هذه المشاريع.
وبعد تولي "محمد بن سلمان" ولاية العهد في السعودية انخفض مستوى الاستثمارات الأجنبية إلى أقصى حد نتيجة سياسته الاقتصادية المتهورة وبذخ الأسرة الحاكمة على ملذاتها التي تمثلت بشراء الفلل الفارهة واليخوت الفاخرة والحفلات الماجنة في الداخل والخارج.
ومن خلال نظرة سريعة للاستثمارات الأجنبية في السعودية خلال العقد الماضي يتبين بشكل ملموس مدى التدهور الذي أصاب هذا القطاع نتيجة الخطط الاقتصادية الفاشلة والأزمات المكلفة التي تورطت بها الرياض على المستويين الداخلي والإقليمي.
ففي بداية عام 2015 أي قبل شن العدوان على اليمن بثلاثة أشهر وصل حجم الاستثمارات الأجنبية في السعودية إلى اكثر من ملياري دولار أمريكي، لكن هذا الرقم تراجع في عامي 2016 و2017، ولم يتجاوز المليار ونصف المليار دولار في أواخر تموز/يوليو 2017.
انخفاض مستوى الاستثمارات الأجنبية في السعودية خلال النصف الثاني من عام 2017
أسباب انخفاض الاستثمار الأجنبي
من الأسباب الأخرى التي أدت إلى تراجع قطاع الاستثمارات الأجنبية في السعودية بالإضافة إلى ما ذكر، يمكن الإشارة إلى ما يلي:
- الخطة الاقتصادية التي طرحها "محمد بن سلمان" المعروفة اختصاراً باسم "رؤية 2030" والتي فشلت في استقطاب الاستثمارات الأجنبية حتى الآن، ليس هذا فحسب؛ بل إن هذه الخطة تسببت أيضاً في توقف الكثير من المشاريع الاستثمارية وإحجام الشركات الأجنبية عن توظيف رؤوس أموالها في مشاريع جديدة.
- تسبب اعتقال الكثير من الأثرياء في السعودية من بينهم "الوليد بن طلال" و"متعب بن عبد الله" وتضييق الخناق على النشاط الاقتصادي لهؤلاء في تراجع قطاع الاستثمارات بشقيه الداخلي والخارجي باعتبار أن هذه الشخصيات كانت تلعب دوراً مهماً في إقناع الشركات الأجنبية بتنفيذ مشاريع استثمارية في داخل المملكة.
وتجدر الإشارة إلى أن "محمد بن سلمان" اشترط على الأمراء والوزراء المعتقلين دفع ما مجموعه أكثر من 100 مليار دولار مقابل إطلاق سراحهم، الأمر الذي تسبب أيضاً بضعف قدرة هؤلاء على توظيف رؤوس أموالهم في المشاريع الاستثمارية، فضلاً عن تراجع قدرتهم على الاتصال بالخارج لاستقطاب استثمارات أجنبية.
- من المعروف أن النجاح في تحسين ظروف الاستثمارات الأجنبية يتطلب بيئة آمنة تضمن للمستثمرين جني أرباح تتناسب مع حجم رؤوس الأموال التي يوظفوها لهذا الغرض، في حين أن السعودية لم تعد قادرة ومنذ سنوات على إقناع هؤلاء المستثمرين بمواصلة نشاطاتهم في المملكة نتيجة الاضطرابات الداخلية من جانب، ومحاولات "محمد بن سلمان" والمحيطين به للسيطرة على هذه المشاريع من جانب آخر، ما يعني بالتالي وجود مخاطر حقيقية تهدد المستثمرين بالاستحواذ على أموالهم، كما فعل بن سلمان مؤخراً بالكثير من الأمراء والوزراء وفي مقدمتهم "الوليد بن طلال " و"متعب بن عبد الله" بذريعة محاربة الفساد.
- يعاني الكثير من المستثمرين الأجانب من صعوبات جمّة بينها عدم توافر كوادر سعودية تغطي الاحتياجات من القوى العاملة في هذا القطاع، بالإضافة إلى تقلب الأنظمة الاستثمارية في السعودية وزيادة نسبة الضرائب المفروضة على المستثمرين والتي تجاوزت الـ ٢٠٪ من مجمل الأرباح، فضلاً عن القيود التي تفرض على تجديد التراخيص والوقت الطويل الذي تستغرقه داخل أروقة هيئة الاستثمار.
ويعتقد الكثير من المراقبين بأن بيع أسهم شركة "أرامكو" العملاقة لاستخراج وتصدير النفط والتي يديرها "محمد بن سلمان" يعتبر مؤشراً واضحاً على مدى تدهور الوضع الاقتصادي في السعودية، والذي أثر بدوره سلباً وبصورة كبيرة على وضع الاستثمارات في البلد، الداخلية والخارجية على حد سواء، حيث لم تعد سوق الأسهم السعودية مغرية بعد الخسائر الكبيرة في عام ٢٠٠٦.
كما تجدر الإشارة إلى أن الكثير من المستثمرين الأجانب يحجمون عن الدخول إلى السوق السعودية لأسباب منها البيروقراطية وبطء الإجراءات في الدوائر الحكومية، والذي يتنافى بشكل مطلق مع الديناميكية التجارية.
أخيراً ينبغي التأكيد على أن اعتماد الاقتصاد السعودي بشكل أساسي على النفط لا يعني أن ميزانية الدولة وحدها تتضرر من انخفاض أسعار النفط، بل يعني أن أجزاء أخرى من الاقتصاد تتضرر أيضاً، وهذا يتضمن غالبية الاستثمارات المعتمدة بشكل رئيسي على أسعار النفط. وهذه الأضرار تلقي بآثارها السلبية على معدل الدخل والإنفاق للفرد، وعلى مستويات البطالة بشكل مباشر في عموم البلاد.