الوقت- تشكّل الروح القتالية العالية أحد مفاتيح الانتصارات في الحروب. وفي حين يطلق عليها البعض "سلاح النصر"، يصفها آخرون بمثابة الدماء التي تجري في عروق المقاتلين أثناء الحرب. العقيدة، الدينية منها والوطنية، تعدّ أهم الروافد التي يتغذى منها "العسكر" في أداء مهامهم القتالية.
الكيان الإسرائيلي ورغم التفوّق التسليحي والتكنولوجي، إلا أنّه يفتقر للروح القتالية التي تعدّ أحد أبرز الثغرات في الجيش. فقد أشار تقييم الاستخبارات العسكرية للعام 2018 إلى تآكل الروح القتالية لدى الجنود الصهاينة الأمر الذي أثار حالة من القلق لدى قيادة الجيش التي لجأت إلى قرارت جديدة لتدبر النقص في الوحدات القتالية في ظل رغبة المجندين بالالتحاق بالوحدات التقنية والاستخباراتية بدلاً من الوحدات القتالية.
أوعزت قيادة الجيش السبب في تراجع الرغبة في الانضمام للوحدات القتالية إلى "طبيعة المجتمع الإسرائيلي التي تشكّلت في الأعوام الأخيرة، والتي تميل إلى التخطيط للتطلع إلى ما بعد الخدمة في الجيش، وكيف يمكن لفترة الخدمة في الجيش أن تشكل بالنسبة لهم رافعة نحو المجتمع والحياة الحقيقية، بحيث يكونوا قادرين فيها على التقدم بالسلم الاجتماعي الاقتصادي"، إلا أن الكاتب في صحيفة "معاريف "ران أدلست" تحدّث عن أسباب أخرى تتعلّق بعدم عدم رغبة هؤلاء الجنود في اتساخ أيديهم وأرواحهم.
لا تقتصر أسباب التراجع على النقطتين الآنفتي الذكر، بل هناك جملة من الأسباب تتعلّق بالانخفاض المتواتر في أعداد المتجندين للقتال، يمكن إيجازها في جملة من النقاط:
راحة معيشية: يرى مصدر عسكري إسرائيلي أن اهتراء روح المقاتل وتفضيل الوحدات التقنية كون الأخيرة توفر مهنة للحياة. ويضيف المصدر: إن انخفاض الدافع نابع من التغيرات الاجتماعية في الدولة، إذ أنه في المقابل نرى تفضيلًا واضحًا للتجند في الوحدات التقنية مثل 8200 والسايبر، المزيد والمزيد من الجنود معنيون بالخدمة الحقيقية قريبًا من البيت التي من شأنها ان توفر لهم تفوقًا في الحياة.
غياب قيادات تاريخية: تلعب القيادة العسكرية دوراً رئيسياً في صناعة الروح القتالية لدى المقاتلين، وقد ساهمت شجاعة رئيس الحكومة الأسبق أريئيل شارون الممزوجة بنزعة القوة والبلطجة الإسرائيلية، ساهمت في بناء الروح القتالية للجيش الإسرائيلي. شارون الذي عُزل من وزارة الدفاع إثر تقرير لجنة كاهان عن مذبحة صبرا وشاتيلا، وعاد لاحقاً إلى رئاسة الوزراء بعد اقتحامه للأقصى الأمر الذي أدّى لاندلاع انتفاضة فلسطينية، كان آخر القيادات التاريخية الإسرائيلية.
حرب لبنان الثانية: شكّلت حرب لبنان الثانية علامةً فارقة في الواقع الصهيوني حيث أظهرت التقارير الإسرائيلية التي تلت الحرب تآكل الهيبةا التي صنعها الجيش الإسرائيلي لدى العرب تحت عنوان "الجيش الذي لا يقهر" في حرب 1967 و1973، ليترسّخ مفهوم جديد لدى العرب عنوانه "ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات". بعد حرب تموز وظهور حالات المرض النفسي في قوات النخبة للجيش الإسرائيلي انخفض التنجنيد، برزت معضلة الروح القتالية للجيش الإسرائيلي بشكل أكبر بالتزامن مع انخفاض دوافع التجنيد وارتفاع منسوب الهجرة.
فطرة دمويّة: من الأساليب المعتمدة لتعزيز الروح القتاليّة المتهاوية هي تربية أجيالها على العسكرة والتعصب وقتل الروح الإنسانية، وهذا ما شاهدناه من خلال كتابات الأطفال الصهاينة على القذائف والصواريخ لأطفال لبنان وغزّة. يتم توجيه الطلاب على التقسيم والفرز ما بين "نحن وهم" نحن الطيبون وهم الأشرار، وذلك من منطلق الإيحاءات الدينية والعقلية العنصرية. لذلك، وبسبب تعثّر تعزيز الروح القتالية عبر جيش عقائدي، تسعى القيادة العسكريّة الإسرائيلية لتعزيز الروح القتالية عبر فطرة دموية تنجذب للقتل، وهذا ما شاهدنا ن خلال حرق مستوطنين صهاينة للرضيع الفلسطيني على دوابشة.
صراع ثقافي وأيديولوجي: هناك صراع ثقافي وأيديولوجي كبير داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تتمثّل في محاولات الحاخامات"إضفاء الطابع الديني التقديسي" على الجيش الإسرائيلي، وبالتزامن مع سعي أصحاب الهوية العسكرية، أي المتدينين والقوميين إلى توسيع نفوذهم عبر تزايد أعدادهم في الوحدات القتالية وهيئة الأركان. هناك كره كبير لدى الجنود العلمانيين الذي يشكلون شريحة واسعة من أبناء الجيش للحاخامات والمتدينين حتّى أن بعضهم يصرح بكرهه لهم أكثر من حزب الله وحماس. في المقابل، يعمل الحاخامات رغم كافّة الاحتجاجات على ما يسمونه بمهمة حماية الوعي الذاتي اليهودي لدى الجنود الإسرائيليين. على سبيل المثال، عمل الحاخام العسكري السابق، أفيشاي رونتسكي، على زيادة الاستقطاب، وذلك من خلال إرساله مساعديه، الذين بات عددهم الآن يزداد بسرعة، إلى الجبهة الأمامية، لزرع الروح القتالية ذات الصبغة الدينية لدى الجنود. العنصرية في جيش الاحتلال لا تقتصر على المتدنيين والعلمانيين، العرب واليهود، فهناك صراع محتدم بين اليهود أنفسهم المنقسمين بينه يهود الغرب ( الأشكيناز) والذين يشكلون 40 بالمئة من يهود فلسطين ويهود الشرق (السفارديم) الذين يشكلون 36 بالمئة من يهود الكيان الاسرائيلي.
غياب الهويّة: رغم محاولات قسم "الوعي اليهودي الحاخامي العسكري" في مواجهة هذا "الهدرالاستراتيجي" في المفهوم العسكري الإسرائيلي، إلا أنّ غياب الهوية لدى الجندي الإسرائيلي تسبّبت في تآكل الروح القتالية. الجيش الإسرائيلي بجزئه الأكبر غير عقائدي، كما أنه غير مستعد لأن يضحي بنفسه من أجل "الوطن". هناك معضلة أساسية في مفهوم الوطن لدى الجنود الصهاينة، وفي ظل وجود شريحة واسعة غير متدينة، تشكّل "الهوية" مشكلاً رئيسياً للجنود الصهاينة.
الفساد: ترتبط قضيّة الفساد (العسكري تهريب أسرار-الاقتصادي-الجنسي) التي تهزّ الشارع الإسرائيلي بشقّيه العسكري والسياسي ارتباطاً وثيقاً بمسألة الروح القتالية. ورغم أن الجيش الإسرائيلي لا يعدّ جيشاً عقائدياً، إلا أن شريحة واسعة تعرّضت روحها القتالية للتآكل بسبب الفساد القائم، كون الجنود باتوا يرون أنفسهم مطيّة للقيادات العسكرية والسياسيّة.